الرأس الكبير المُتثاقل إلى الأرض يُشير لعدم الاكتراث و ألا مُبالاة من ضرب العصا على بعض المناطق في الجسد الملتصق بذلك الرأس ، بيد أنه يُغمض عينيه حين يهوي صاحبه بعصاه الرفيعة على جلدة العاري كل مرة كي يتحرك ..
عند مُشاهدتي لهذه الحادثة الطبيعية في ذلك السوق الشعبي بمحافظة نائية و التي تحدث دائماً منذ آلاف السنون مع الحمير التي يستخدمها الإنسان أبحرت في التفكير في هذا الأمر من عدة جوانب و سألت نفسي .. يا تُرى ؟ بماذا يُفكر ذلك الحيوان الخدوم في تلك اللحظات وهو يُضرب ؟
و لأني إنسان استطعت الإجابة على السؤال فقط في حالة أن يكون المضروب هو إنسان مثلي و ليس الحمار .. فمن الطبيعي جداً ستكون هناك ردة فعل طبيعية مُتفاوتة من إنسان إلى أخر بحسب نظرية نيوتن ( لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ومعاكسة له في الاتجاه ) وبالرغم من أن الألم الذي يشعر به الحمار هو نفسه الذي يشعر به والإنسان إن ضُرب بنفس العصا ، لكن كانت ردة فعل الحمار الوحيدة هو أنه يتحرك ماشياً مُلبياً طلب ضاربه ..!!
من الأزل تقاسم الإنسان و الحيوان ( فقاري أو لا فقاري ) الأرض ، بل كان للحيوان الحظ الأوفر فيها كمياً .. و دائماً عند التحدث حول هذا الأمر يقولون عاكسين الحقيقة أن الله قد ميّز بني البشر بالعقل و التفكير ، و إلا كانت الأرض كلها حيوانات .. ولكني و بعد هذا المشهد الذي جذبني بالرغم أنه قد مر عليّ مراراً و تكرارا من قبلً أعتقد جازماً بأن الله قد منّ على بني أدم في نقطة التفكير نعمتين و ليست واحدة ..
ففي حين كانت إعطاء بني البشر نعمة التفكير ( العقل ) هي النعمة الأولى لهم ، فإن النعمة الثانية هي حجب تلك النعمة على بقية الخلق ( الملموسة )
و من الظاهر أن أغلب الحيوانات تقوم بأعمال مُرتبة ومُنمقة قد لا يستطيع فعلها الإنسان تدل على قدرات خارقة بالنسبة إلى بني أدم ، لكن هي لا تنم أو ليست ناتجة عن تفكير و ابتكار، بل هي عبارة عن بروتوكولات و أسس وهبها الخالق لهذه المخلوقات كي تستمر في الحياة و لن تستطيع الخروج عن حدود تلك البرتوكولات ، و إن وجد قليل من الذكاء في بعض الحيوانات مثل حيوان ( الشمبانزي ) أو ( الدلفين ) و اللذين قد اعتبرا حالياً من أذكى الحيوانات فهو ذكاء محدود و لا يكون أبداً بالقدر الذي يتمتع به الإنسان ..!!
بالرغم أن استخدام كلمة أو أداة ( لو ) غير مُستحبة لكن نُريد أن نُقحمها مُجربين و مُتخيلين بعض الأحداث كي نتذوق مدى روعة هذه النعمة التي وهبها الله لنا ..
فلو كان للأسد مثلاً عقل مُماثل لعقل الإنسان يفكر به ، إضافة إلى لبعض الخصائص التي يتميز بها الأسد عن الإنسان مثل ( كبر الحجم ، القوة ، السرعة ، ) و أشياء أخرى بدنياً بالإضافة إلى عدم وجود خاصية التحكم بالمشاعر مثل الإنسان و أن شغله الشاغل هو إشباع شهوته الموزعة بين الأكل و الشرب و بين الجنس .. فما هو حالها الآن ؟ بل ما هو حالنا الآن ؟
مع وجود الحجم البسيط من المُعطيات أعلاه .. أعتقد أن الإجابة معروفة .. و في المُقابل إن أسقطنا هذا السؤال على حيوان أليف يعيش مع الإنسان مثل الحمار و قلنا لو كان ذلك الحمار الذي كان يضربه صاحبه الذي يُطعمه كل يوم لديه عقل يُفكر به مثل عقل الإنسان فماذا ستكون ردة فعلة عند ضربه ؟
بل هل سيسمح للإنسان أن يركب على ظهره أو يقضِ هذا الإنسان حوائجه على حساب تعب جهد هذا الحمار ؟
أعتقد أن الإجابة على التساؤلات أعلاه ستجعلنا نؤمن بأن النعمة الثانية للعقل هو اختفائها وحجبها عن كل المخلوقات الملموسة من قِبل الإنسان ما عداه ..
رؤية خاصة ..
تم ،
Bookmarks