لقد وضع الله حكماً خاصاً وحرية كبيرة في اللباس للنساء اللواتي لايرجون نكاحاً من المقعدات بغض النظر عن السن حيث قال:
{وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} النور60.
فالقواعد جاءت من "قعد" وهو أصل واحد يقاس عليه ويدل على ثبات في شيء وهي لاتعني الجلوس، والقعود ضد القيام. والقعود جاءت من قوله تعالى:
{فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون} المائدة 24. والقعود جاءت بمعنى الثبات وعدم الحركة والامتناع عن الذهاب إلى القتال. والقيام جاءت بمعنى الاستمرار كأن تقول "وجدت فلاناً قائماً على رأس عمله" أي أنه يمارس عمله.
فهنا جاءت القواعد من النساء وهن النساء اللواتي أقعدن بسبب مرض ما كالشلل مثلاً بغض النظر عن السن بحيث جعلهن لا يرجون النكاح لذا قال:
{اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} ولاتعني أبداً اللواتي لا يرغبن بالزواج وهنا القواعد ليس كما قال الفقهاء قعدن عن الحيض وهذه الحالة جاءت في قوله تعالى
{يئسن من المحيض} وليس قعدن عن المحيض وهو ما نسميه بسن اليأس للمرأة وليس بسن القعود.
{فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} النور 60. فالجناح جاءت من "جنح" وتعني الانحراف كأن نقول جنحت السفينة أو الطائرة عن مسارها. ومن هنا جاء مفهوم الجنحة وهو مفهوم أقل من الجريمة بكثير بحيث جاءت الجريمة بقوله تعالى
{وياقوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح.. الآية }هود 89.
أما فعل "وضع" في اللسان العربي فله أصل واحد يدل على الخروج للشيء وحطه وإخراجه كقوله
{وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} الطلاق 4. وقوله
{ فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى} آل عمران 36. فعندما تضع المرأة حملها تخرجه منها كلية وتحطه عنها. فهنا قال
{ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ }فالثياب هنا اسم جنس وهي كل ما يرده الإنسان على جسمه من لباس داخلي وخارجي وجاءت من الأصل "ثوب" ومنها جاءت الثياب، والمثابة، والثواب هو كل ما يرد للإنسان من عمل صالح إيجابي.
فيصبح
{يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} هو خلع جميع الملابس، وقد اشترط بذلك عدم القصد بإظهار الزينة المخفية للآخرين "أي الجيوب فقط" بقوله:
{غير متبرجات بزينة} و "برج" تعني في اللسان العربي البروز والظهور والملجأ والبرج هو بارز ظاهر وبنفس الوقت هو ملجأ للحماية.
لذا قال
{غير متبرجات بزينة} فوضع هذا الشرط أن لايكون القصد من وضع الثياب هو اللجوء إلى إبراز زينتها المخفية ماعدا الفرج وهذا واضح في الحياة، فكثير من النساء المقعدات بسبب المرض أو الشيخوخة يحتجن إلى حمام شمسي وإلى تغسيل ومساجات بحيث يحتجن إلى خلع كل ملابسهن (ماعدا العورة المغلظة) أمام الآخرين الذين يعتنون بهن لأنهن يحتجن إلى مساعدتهم ولكنه من باب الترجيح فقط وليس من باب الحلال والحرام قال:
{وأن يستعففن خير لهن }أي إنها إن استطاعت أن لا تظهر زينتها المخفية كلها فهو خير لها.
لنشرح الآن أين يكمن خطأ التفسير الموروث حول لباس المرأة:
إذا أخذنا المرأة العربية في شبه جزيرة العرب قبل نزول الآية 31 في سورة النور والآية 59 في سورة الأحزاب فنرى ما يلي:
1- لم تكن المرأة العربية حين نزول هاتين الآيتين عارية بدون ملابس.
2- الرجال والنساء العرب كانوا يلبسون الزي القومي حسب الأعراف السائدة في مجتمعهم وحسب المستوى الانتاجي للألبسة. فكان النبي (ص) يلبس من لباس قومه حتى أن كثيراً من العرب كانوا حين يأتون للمدينة لايستطيعون تمييزه من غيره في اللباس، ويسألون: من منكم محمد؟
وكذلك كان لباس المرأة العربية لباساً حسب أعراف العرب ومناخ شبه جزيرة العرب فكانت تلبس ثوباً طويلاً وتضع خماراً على رأسها ليقيها الحر. كلباس نساء البادية الآن وهذا كان لباس أم المؤمنين خديجة (رض) التي توفيت قبل نزول سورة النور وسورة الأحزاب، حيث كان لباسها قومياً تماماً.
فعندما نزلت الآية 31 من سورة النور نظرت المرأة العربية المسلمة إلى لباسها الذي ترتديه فعلاً ولم تغير منه شيئاً وإنما وجدت إمكانية إظهار جيوب الثديين من فتحة الصدر في ثوبها الخارجي فضربت على صدرها بخمار رأسها، لأن بقية الجيوب أصلاً كانت مغطاة في زيها القومي. وهذا مافعلته السيدة عائشة أم المؤمنين (رض)، حتى أننا لانجد فرقاً بين لباس السيدة خديجة والسيدة عائشة، وخاصة فيما يتعلق بغطاء الرأس.
ومن هنا فهم خطأً بأن الجيوب هي الصدر فقط، لذا فإن ما نسميه اليوم باللباس الشرعي هو لباس المرأة العربية المؤمنة والمسيحية في القرن السابع الميلادي. إن الحد الأدنى للباس المرأة المؤمنة فقط جاء في سورة النور وجاء لكل مؤمنات الأرض ولكل زمان.
فعلى المرأة العربية المؤمنة أن تصحح هذا المفهوم الخاطىء والذي نتج عن قياس الشاهد لباس مسلمات أهل الأرض جميعاً في كل زمان ومكان على الغائب وهو اللباس القومي للمرأة العربية وليس المؤمنة فقط في القرن السابع. ولايصح هذا القياس إلا إذا افترضنا أن المرأة العربية قبل نزول آيتي النور والأحزاب كانت عارية تماماً بدون أي لباس ثم لبست ما لبست من جراء هاتين الآيتين وهذا موضوعياً غير صحيح.
أي علينا أن لانخلط بين فرائض اللباس في كتاب الله وبين الزي القومي، لأن هذا الخلط حصل فعلاً فيما يسمى "باللباس الشرعي" وقد جاء هذا الخلط من قياس الشاهد على الغائب. وهكذا نجد إلى يومنا هذا أنه لافرق أبداً بين لباس المسلمات المؤمنات العربيات والمسلمات المسيحيات في منطقة حوران جنوبي سورية، فكلاهما لها زي واحد هو الزي القومي التاريخي التقليدي.
3- حتى نفهم آيتي النور والأحزاب فهماً صحيحاً علينا أن نفترض وجود امرأة عارية تماماً تريد أن تدخل الإسلام. فماذا عليها أن تلبس؟
4– علينا أن نفهم أن أي امرأة مؤمنة في أي بلد في العالم عليها أن تلبس حسب أعراف بلدها متقيدة بالآيتين 31 من سورة النور كفريضة والآية 59 من سورة الأحزاب كتعليم لا تشريع.
5– أما فيما يتعلق ببعض الآراء الفقهية التي ترى أن صوت المرأة عورة فهذا محض وهم لأن المرأة كانت تحضر صلاة الجمعة في المدينة وكانت تقف مع النبي (ص) في طرقات المدينة وتسأله ويجيب على أسئلتها، ثم أن العورة هي من الحياء لا من الحرام. أي أنه إذا كان مجتمع ما، يحبذ صوت المرأة ولا يعتبره عيباً حتى في الغناء فلا يوجد أي إثم في ذلك.
قد يقول البعض: وهل الفقهاء كانوا لايعرفون اللغة العربية ونحن نعرفها الآن؟ إن الخطأ ليس خطأً لغوياً، وإنما في المنهج، فعندما يقرأ علماء العربية كلهم الآية 31 من سورة النور والآية 59 من سورة الأحزاب ويقرؤون الحديث النبوي "كل المرأة عورة ماعدا وجهها وكفيها" ظانين بأن هذا الحديث هو شارح للآية وليس الحد الأعلى للباس المرأة، أي أعطى الطرف المقابل. ففي هذه الحالة لاتفيدهم كل معرفتهم للغة العربية وفقهها ونحوها وصرفها بشيء وسيضطرون إلى قبول المغالطات والدوران.
فإذا أردنا أن نرسم مخططاً للباس المرأة والمهن التي يمنع ممارستها وما هو المسموح والممنوع حسب حدود الله ورسوله فينتج لدينا المخطط التالي:
[IMG]
[/IMG]
[IMG]
[/IMG]
Bookmarks