محمود درويش.. منتهى السقوط نحو الهاوية
تاريخ النشر : 10/07/2007 - 03:08 ص
بقلم جوزيف مسعد*
المصدر: جريدة " الأخبار " اللبنانية، الجمعة ٦ تموز 2007
http://www.al-akhbar.com/ar/node/38429
مفردات العصر الأميركي الجديد مبنيّة على ثنائيات تعريفية، تبدأ بثنائية الحضارة والبربرية وتمتد لثنائية "المعتدلين" و"المتطرفين".
هذه الفلسفة التصنيفية ليست بجديدة على «القرن الأميركي»، فما زلنا نذكر الفرق النوعي الذي أصر عليه رونالد ريغان وأيديولوجيّوه، بين الديكتاتوريات «السلطوية» الحليفة لأميركا والديكتاتوريات «الشموليّة» المعادية لها. فالصراع بالنسبة إلى أميركا ليس بين الديموقراطية والديكتاتورية، بل بين الديكتاتوريات الموالية والخاضعة للمصالح الأميركية والديكتاتوريات والديموقراطيات المقاومة لها.
فقد جيَّرت المجموعة المهيمنة من المثقفين العرب المدّعين العلمانية هذه الثنائيات لخدمتها، واقترضت من أميركا استراتيجيّاتها البيانية لدحض حجج أعدائها. فنحن اليوم لسنا أمام صراع وطني بين من ينادي بالديموقراطية في البلاد العربية ومن يعزّز الديكتاتورية، بل صراعنا الحسم، حسب مثقّفينا هؤلاء، هو بين «العلمانيين» و«الإسلاميين».
فها هو شاعر فلسطين العلماني، محمود درويش، الذي لم يتفوّه ببنت شفة ضدّ الفظائع التي ارتكبتها وترتكبها «فتح» ضد الشعب الفلسطيني تحت قيادة عرفات وخلفائه، يطلّ علينا بقصيدة (؟) على الصفحة الأولى من جريدة الحياة السعودية، يشبّه فيها إسماعيل هنيّة بأبي سفيان (وكأن قيادة «فتح» أصبحت تمثّل رسول الإسلام بذاته!).
ويدين الثقافة العربية الإسلامية التي برز العِلم فيها في ساحات مساجدها عبر العصور لعدم تفريقها ما بين «الجامع والجامعة»، متخذاً تاريخ أوروبا «العلماني» مثالاً يريد لنا أن نحتذي به، متشرباً فكر «عصر الأنوار» الأوروبي، ومتناسياً أن هذا الفكر «التنويري» هو الفكر المؤسّس للعنصرية والكولونيالية الأوروبية، ولعلمانية طالما كانت ملتصقة بالفكر الإمبريالي المسيحي الذي حول المسيحية بفلسفتها ومبادئها إلى «علمانية»، وأخرجها من تصنيف الدين، في الوقت الذي أصر فيه على إبقاء اليهودية والإسلام كأديان نقيضة لمسيحيته المعلمنة.
فالضفة وغزة لم تقبعا في «أقبية الظلام» تحت الاحتلال الإسرائيلي وحكم سلطة عملائه، بل هي غزّة الآن، التي أصبحت تحت حكم «حماس» الديموقراطي، تقبع في «أقبية الظلام».
لقد فات شاعرنا العظيم ملاحظة أن قوى «الظلام» الإسلامية هي من يدافع ويحمي الديموقراطية الفلسطينية ( على الأقلّ بالمفهوم العمليّ للديموقراطية )، بينما تغرقنا «فتح» وعلمانيّتها المزعومة في ظلام الديكتاتورية العميلة مع الاحتلال، نظريةً وممارسةً. أي تناقض صارخ هذا الذي يدافع فيه شاعر علمانيّ عن حكم عملاء الاحتلال، ويدين فيه الدفاع عن الديموقراطية!
حسب شاعرنا الموقّر، أن النضال الحالي ليس نضال التحرير ضد الاحتلال أو نضال الديموقراطية ضد الديكتاتورية، بل هو نضال نور «فتح» الديكتاتوري ضد ظلام «حماس» الديموقراطي. فما يغيظ شاعرنا ليس الأصوليّين، «فهم مؤمنون على طريقتهم الخاصة، ولكن يغيظني أنصارهم العلمانيون وأنصارهم الملحدون...».
يا شاعرنا المبجّل، نحن لا نريد أن نغيظك البتة، فإن أنصار «حماس» من الملحدين والمؤمنين ومن العلمانيين والإسلاميين هم أنصار الديموقراطية الفلسطينية الحقة، لأن نضال هؤلاء هو النضال ضد الديكتاتورية العميلة (بالمفهوم القانوني للعمالة).
أما العلمانيون المؤازرون للديكتاتورية والفكر الكولونيالي فهمّهم الأكبر هو حياة الرفاهية التي تؤمّنها لهم عمالة «فتح» وفسادها وسرقاتها لأموال الشعب الفلسطيني لتمتيع قياداتها ومثقفيها.
نحن ندعو شاعرنا العظيم وأنصاره العلمانيين المنتشرين في الإعلام العربي، العلمانيّ الزعم والسلفيّ التمويل، أن يعودوا إلى ما كانوا عليه قبل استسلام أوسلو: مثقّفين ضد السلطة، لا مثقفين يدافعون عنها. فالنضال الآنيّ هو نضال التحرير الديموقراطي ضد ظلامية الاحتلال والفساد والديكتاتورية الخاضعة لمصالح أميركا. فهل أنت معنا؟
* أستاذ السياسة والفكر العربي الحديث في جامعة كولومبيا في نيويورك
=======================
وتاليا مقال محمود درويش
يوميات
محمود درويش الحياة - 17/06/07//
هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق، ونرى دمنا على أيدينا... لنُدْرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا نظن؟ وهل كان علينا أيضاً أن نكشف عن عوراتنا أمام الملأ، كي لا تبقى حقيقتنا عذراء؟
كم كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء!
أن تصدِّق نفسك أسوأُ من أن تكذب على غيرك! أن نكون ودودين مع مَنْ يكرهوننا، وقساةً مع مَنْ يحبّونَنا - تلك هي دُونيّة المُتعالي، وغطرسة الوضيع!
أيها الماضي! لا تغيِّرنا... كلما ابتعدنا عنك! أيها المستقبل: لا تسألنا: مَنْ أنتم؟ وماذا تريدون مني؟ فنحن أيضاً لا نعرف. أَيها الحاضر! تحمَّلنا قليلاً، فلسنا سوى عابري سبيلٍ ثقلاءِ الظل!
الهوية هي: ما نُورث لا ما نَرِث. ما نخترع لا ما نتذكر. الهوية هي فَسادُ المرآة التي يجب أن نكسرها كُلَّما أعجبتنا الصورة! تَقَنَّع وتَشَجَّع، وقتل أمَّه.. لأنها هي ما تيسَّر له من الطرائد.. ولأنَّ جنديَّةً أوقفته وكشفتْ له عن نهديها قائلة: هل لأمِّك، مثلهما؟
لولا الحياء والظلام، لزرتُ غزة، دون أن أعرف الطريق إلى بيت أبي سفيان الجديد، ولا اسم النبي الجديد! ولولا أن محمداً هو خاتم الأنبياء، لصار لكل عصابةٍ نبيّ، ولكل صحابيّ ميليشيا! أعجبنا حزيران في ذكراه الأربعين إن لم نجد مَنْ يهزمنا ثانيةً هزمنا أنفسنا بأيدينا لئلا ننسى!
مهما نظرتَ في عينيّ.. فلن تجد نظرتي هناك. خَطَفَتْها فضيحة! قلبي ليس لي... ولا لأحد. لقد استقلَّ عني، دون أن يصبح حجراً. هل يعرفُ مَنْ يهتفُ على جثة ضحيّته - أخيه: «الله أكبر». أنه كافر إذ يرى الله على صورته هو: أصغرَ من كائنٍ بشريٍّ سويِّ التكوين؟
أخفى السجينُ، الطامحُ إلى وراثة السجن، ابتسامةَ النصر عن الكاميرا. لكنه لم يفلح في كبح السعادة السائلة من عينيه. رُبَّما لأن النصّ المتعجِّل كان أَقوى من المُمثِّل. ما حاجتنا للنرجس، ما دمنا فلسطينيين. وما دمنا لا نعرف الفرق بين الجامع والجامعة، لأنهما من جذر لغوي واحد، فما حاجتنا للدولة... ما دامت هي والأيام إلى مصير واحد؟.
لافتة كبيرة على باب نادٍ ليليٍّ: نرحب بالفلسطينيين العائدين من المعركة. الدخول مجاناً! وخمرتنا... لا تُسْكِر!. لا أستطيع الدفاع عن حقي في العمل، ماسحَ أحذيةٍ على الأرصفة. لأن من حقّ زبائني أن يعتبروني لصَّ أحذية ـ هكذا قال لي أستاذ جامعة!.
«أنا والغريب على ابن عمِّي. وأنا وابن عمِّي على أَخي. وأَنا وشيخي عليَّ». هذا هو الدرس الأول في التربية الوطنية الجديدة، في أقبية الظلام. من يدخل الجنة أولاً؟ مَنْ مات برصاص العدو، أم مَنْ مات برصاص الأخ؟ بعض الفقهاء يقول: رُبَّ عَدُوٍّ لك ولدته أمّك!. لا يغيظني الأصوليون، فهم مؤمنون على طريقتهم الخاصة. ولكن، يغيظني أنصارهم العلمانيون، وأَنصارهم الملحدون الذين لا يؤمنون إلاّ بدين وحيد: صورهم في التلفزيون!. سألني: هل يدافع حارس جائع عن دارٍ سافر صاحبها، لقضاء إجازته الصيفية في الريفيرا الفرنسية أو الايطالية... لا فرق؟ قُلْتُ: لا يدافع!. وسألني: هل أنا + أنا = اثنين؟ قلت: أنت وأنت أقلُّ من واحد!. لا أَخجل من هويتي، فهي ما زالت قيد التأليف. ولكني أخجل من بعض ما جاء في مقدمة ابن خلدون. أنت، منذ الآن، غيرك!.
Bookmarks