عودة إلى الطفولة
مرت في أحد شوارع صنعاء القديمة لفت انتباهي أطلال مشتتة في أخر الشارع.. لم يكن ذلك المكان غريباً عني !! إنني أعرفه أشد المعرفة
أسعفتني ذاكرتي وعادت تقلب صفحات مضت وولت منذ زمن بعيد .. فاختلجت في نفسي مشاعر جياشة قوية .. وأحست بلوعة حنين حارقةً في صدري ، ذاك كان بيتنا الصغير الذي احتضنتني أنا أسرتي في زمان ولى بدفء وأمان .. ذاك المكان الذي قضيت فيه أجمل ما قضيت في حياتي كلها !!
تسمرت في مكاني .. وأنا أنظر إلى أستلاء ذاك البيت ، وقفت على أطلاله المحطمة أبكي وقد امتلأت جوارحي بشجون جامع وشوق عارم لا مثيل له !
ظلت أراقب ذكرى تلك الصخور القديمة المفتتة المتناثرة في أرجاء المكان .. ووجدت صخرة مازال اسمي محفوراً عليها بذلك الطبشور القرمزي .. الذي طالما أحببته وكتبت به كل ما حبى لي وما أختلج في نفسي من أفكار وشخابيط عبيرت عني كطفلة .
اخترت لي مكان بين تلك الصخور .. فجلست فوق صخرة كبيرة ، كانت الريح قوية جداً .. حتى ظننت بأني ربما سأطير وأحلق كأحلام الطفولة البريئة في القدم ..
عدت مخيلتي إلى الوراء .. إلى الماضي البعيد !!
إلى طفولتي الرائعة ، أطلقت العنان لذاكرتي لتعيش بضع لحظات مع تلك الذكريات...
كنت مشاغبة جداً .. لدرجة أن أسرتي كانت تجرب معي كل أساليب العقاب .. ولكني لم أكن أتراجع عن أي شيء أعمله .. كنت أضحك دائماً وألعب مع أطفال الجيران ونجري ونتقفز بفرحة غامرة ، كمان ذهني صافياً ونظيفاً .. كنت في عالم أخر . أتيح لنفسي عالماً في كل ما أحب أتخيل أنني أميرة الأمراء وأملك كل ما بدى لي ... أستطعت أن أتخيل ذلك القصر الضخم واللعب الفاخرة والحيوانات التي ملأت صنعاء بأكملها .. كان ذلك البيت القديم عالمي .. أثثته بنسج مخيلتي بأجمل الألوان البديعة والزهور الرائعة .. كنت أتحدث مع لعيباتي التي صنعتها بيدي من أخشاب الأشجار المرمية .. كأنهن ملكات جمال !! هكذا بدى لي العالم سعيداً لا ينغص منفص .
وقد ان أبي يحبني كثيراً .. حتى أنه ظل يوماً كاملاً يضع لي دحريجة في سلالم البيت الحبيب .. وأنا بدوري ظللت أتدحرج لمدة 3 أعوام .. ولم أكن أقلع عن ذلك لولا أنني كبرت كثيراً على تلك المرجيحه ...
إلى أن حدثت تلك الحرب الأهلية الكريهة ..
كنت أسمع أصوات انفجارات يرتجف لها قلبي الصغير ...
فقدت كل شيء في هذه الحرب السخيفة أسرتي .. طفولتي .. سعادتي وبيتنا هذا !! ... ، تكاد العبرات الثقيلة تخنقني كلما تذكرت ذلك !!
بيتنا الصغير أنهار فوق أسرتي الغالية فأنتقلوا إلى رحمة الله جميعاً ولم يبقى سوى أنا!!
فصرخت تلقائياً قاطعة رحلة مخيلي وحيدة في هذا العالم
أخرجت المرأة التي أحتفظ بها في حقيبة يدي ونظرت فيها ...
رأيت تلك التجاعيد المرسومة في وجهي ، ولمحت شعيرات بيضاء ، تطيرت من حجابي زادتني هيبة ووقاراً .
استيقظت من أحلام مخيلتي .. وأدركت أنني أعيش أسيرة وهم الذكريات عدت إلى تلك الشقة المؤجرة .. حيث أمسكت الطبشور القرمزي . وأخذت أكتب في لوح خشبي لأصحاب المنزل الذين آووني
ادفنوني حيث وجدتموني أول مرة .
Lamees
Bookmarks