في ليلة مقمرة..عشقت القمر
انطفأت الكهرباء كعادتها ليخيم الظلام المطبق فأفقد نور الرؤية لكل ما حولي، فأتخبط آملة في الوصول إلى عود الثقاب لأوقد الشمعة ولكن محاولاتي باءت بالفشل لأخرج بعدها إلى الشرفة ( البلكونة) طامعة بالقليل من الضوء لأني أبغض الظلام وأخشاه لأرى هناك آية من أبدع الآيات الربانية ، فما أعظم ذلك الإحساس الذي شملني وضمني إليه حين وقع بصري على ذلك الكوكب المضئ.. فقد بدا الليلة رقيقاًُ صافياً ونوره كان عظيماً .. قوياً .. إنه القمر.
قد لا أستطيع وصفة ولكني شعرت بسعادة كبيرة تدغدغ روحي وتنسل إلى أعماقها فتسبرها.. وحينها تذكرت قول الشاعر حين قال:
والبدر في كبد السماء كوردة بيضاء تضحك في رياض بنفسج
فيالها من لوحة ربانية رائعة جعلتني أعشق انقطاع الكهرباء لأنعم بتلك اللحظات تحت نور القمر والذي أعاد لي بصيرتي ووجدتني أتسائل عن أسئلة كثيرة كالأطفال تماما.. ترى ماذا يوجد في ذلك الكوكب حتى أحاله منيراً وهاديا .. وما تلك الخطوط الموجودة فيه وماذا وماذا؟.. وما بال تلك السحاب تحجبه عني أم أنه هو الذي خجل مني ومن أسئلتي فتوارى خلف أستار السحاب يذوب خجلاً وحياءًَ .. لقد ظهر القمر الآن بمنظر آخر لقد امتزج بسحابة سوداء جعلت نوره البارز يتضاءل .. لماذا أيتها السحابة .. دعيني أتمعن فيه، وأحلق ببصري إليه .. وأسا مرة في وحدته .. أو ما ترينه وحيداً ..أحسه يتألم ويذرف دموعاً ساخنة ربما آلمته أشواقه لمحترقة .. المتطلعة إلى خل يؤنس وحدته .. إنني أحس بنظراته الثاقبة التي ترمق النجوم الدراري المتجمعة .. إنها تشعر بالأنس والانسجام مع بعضها، أما قمري الحزين فيلمح كل ذلك ويزداد أساه وشقائة.. إنني أستمع لنداءاتة وتأوهاته المتواصلة الحزينة .. إن نالي ما نالك من تلك الأحاسيس والمشاعر .. أراني أتمزق.. أتحول إلى ذرات ..أما أنت فتبدو متصلباً متماسكاً رغم كل ما يعيقك تبدو جميلا صافيا ومرتعا لكل فنان وشاعر .. إنك تقاوم بشدة زحف أسراب السحاب .. فكلانا أيها القمر يقاوم .. ماذا دهى تلك السحاب في نهارها تبدو كحلم جميل تتباهى بفتنتها ذاهبة وعائدة ببياضها و زرقتها والتي تضفي للمتمعن فيها بالدفء والراحة وكأنها غطاء من القطن الناعم .. ولكن حين تتوارى الشمس مفسحة مكانها للقمر بكل حب.
وحين يظهر القمر تكشر السحاب عن أنيابها فعما قليل سوف يمحو الظلام معالمها وسنركز نظرنا إلى ذلك الملك المتربع في عرشه.. القمر ذلك الكوكب البديع.. لتذرف السحاب دموعها الباردة إنها دموع التماسيح.. لماذا يوجد الطمع حتى في عالمكم .. ألا يكفي أن نتمتع بسحر جمالها في النهار، حتى تزحف أمامك لتحجبك عني وأنت الممتلئ بالهموم والأكدار والأشجان ولكن ماذا ستفعل حيالها.. سوى أنك ستقابل كل ذلك بصدرك الرحب تسمح لها بالزحف وتمدها بالنور الذي يجعلها تبدو أمام ناظريها.. فلولاك لما رأينا سوى ضباب كثيف وظلام منتشر فما أحلمك وما أصفى نفسك الهادئة إنك....
ما هذا يبدو أن الكهرباء قد عادت .. ولكن أين أنت أيها القمر .. أين أنت يا صديقي ؟..آآه لقد حجبتك السحاب عني مرة أخرى .. وما عساي أن أفعل وأنا أكره الظلام.. سوف أعود إلى واقعي الأليم مرة أخرى والذي لا يقل عن واقعك يا قمري ولكن اعلم أنني سأكون قلباً حنوناً لك ، وخلك الذي تبحث عنه حتى ولو فرقت بيننا المسافات الشاسعة وحتى وإن تباينت الأوقات.. سوف أبثك أحزاني وآلامي .. فامنحني حبك وأنا أعلم أنك لن تخذلني ولن تقهرني فمن يملك صفاءً كصفائك يستحيل أن يعرف الخداع والخيانة .. فسوف تكون حياتنا مشتركة وسنتقاسم الأحاسيس والمشاعر.. أما تلك الكهرباء اللعينة لم يعد فيها أدنى أمل..والأمل الآن معك أيها الكوكب الغامض.
Bookmarks