الأحبة الكرام .. مساؤكم سعيد
بأيام الطفولة ... كنت أسر بكل ساعة أخلو بها بنفسي .. وما إن أجد النفس حتى أمتطي ذاك الحصان الأبيض وأجري بعيدا بأجمل الأحلام .. أحلام يقظة لطالما عشقت العيش فيها .. لم تكن إطلاقا أحلاما خيالية .. بل كانت شيئا مرتبطا بواقعي الجميل والمرير .. فما إن أفشل مرة في دراستي حتى أجدني بتلك الخلوة طالبا مشهورا أو طبيبا متميزا .. وما إن أحرم من شيء حتى أراه وأحصل عليه .. وحين أتشاجر مع أحدهم ولا أفعل ما بنفسي .. أهزمة بحديثي مع نفسي .. لدرجة أني تعودت الإختفاء في غرفتي والإستغراق بهدوء طويل يشكل هروبي من واقعي ..ليس إطلاقا شيئا يشبه ذاك المرض النفسي (( التوحد )) بل هو يء يعيشه الكثير منا ..
بمرور الايام إستمرت معي نفس الحالة ولكنها إختلفت بإختلافي عما كنت عليه .. أصبحت أحلامي أكبر وأكثر وضوحا .. وبفترة معينة من حياتي كان جل ما أصبو إليه هو مال وفير أعيش به منعما ... لكن وبعد فهمي للواقع أكثر وبتعرفي على إضطرابات النفس وآلامها .. أصبحت أحلم بهدوء النفس وإستقرارها وبأسرة هادئة أبنيها خطوة بخطوة ..
أصبحت طريقة هروبي من واقعي مؤخرا تكمن هاهنا .. بعالم المنتديات والإنترنت .. ولذا قل وبشكل كبير الحيز الذي لطالما إستحوذت عليه أحلام اليقظة ...
تلك الأحلام ليست شأنا خاصا بي بل تضرب في صميم العلاقات الأسرية لدي ولدى غيري ...
ولأني كغيري من أبناء أغلب الأسر العربية .. أنتمي لأبوين يفهمان دوما أن هذا الطفل جل ما يفكر به هو ما يخبرنا عنه ويطلبه منا .. لم أجد يوما أحدهم يحدثني حول ما أتمناه وما أفكر به وما يؤلمني ... قليلة جدا تلك الأسر التي يكون تواصل أفرادها ببعضهم البعض راقيا حد بوح الطفل بمكنون صدره لأهله .. والأمر عائد لثقافة الأب والأم ومستوى تعليمهما ....
أتذكر زوج عمتي خريج علم النفس .. رزقه الله طفلين على مدى 13 عاما وبين الأول والثاني 7 أعوام ... مضى في تربيتهما بهدوء وطول بال .. وأرتقى فعلا بمستوى النقاش بينه وبينهما لأجمل مستوى .. سمح للإبن أن يشكو أمه أمامه وإستمع له بهدوء وعالج الأمر بحكمة .. عاش مع طفله أحلامه وأماله ... عمل جاهدا على توفر ما يرغب به طفله أو إقناعه بعدم جدوى الأمر أو صعوبة حدوثه ...
حين يكبر الطفل ويصبح يافعا تبدأ الأسرة بفهم إبنها والتعامل معه .. والكثير من الأسر تلحق إبنها بعد فوات الأوان فتجده منحرفا أو مدخنا أو جليسا لسيء أو منطويا على النفس حد كتمان كل شيء ... وقليل منها من تتمكن من إخراج الإبن مما تعود عليه وتعويده على التعامل الصحيح وحتما لو كان الأمر منذ البداية لكان الحال أفضل ...
أسأل النفس عن سبب الإكتئاب الذي يعيشه الجيل الصاعد من شباب وبنات .. حتما للأبوين علاقة بالأمر .. ليس من باب إلقاء المسئولية عليهما ولكنهما يظلان عاملا أساسيا بما وصل له إبنهما فهما من يكونا شخصيتة .. وهما من يعلمانه مواجهة واقعة وهما من يعيناه على صعوبات الحياة ..
عامل الدين كما رأيت بحياتي أهم عوامل الإستقرار النفسي وعدم الإنكفاء على الذات والهروب من الواقع أيا كان .... فمواضع كثيرة بكتابنا وسنة نبينا صلوات ربي عليه وسيرة حياته .. تعلمنا وجوب الإرتقاء بالعلاقة الأسرية وأيضا تعلمنا أن القناعة والرضى بما قسم الله دوما هو خير الأمور وأفضل الحلول ...
أحبتي .. أضع الأمر بين أيديكم دون إسهاب وأترك ذلك لكم
وسأبقى كما أنا ... أواجه واقعي وأهرب منه ... لعل الله يحدث أمرا ..
محبة واشتياق
Bookmarks