( إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
من داخل النفس يأتي التغير، من رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط ، ومن تفاءل
بالخير وجده ، ومن استفتح بالشر لقيه0
السعادة من النفس لأنها مشاعر وعواطف حملتها هذه النفس فأبصرت الجانب المشــــــــرق
في الحياة ، والشقاء من النفس لأنها نظرت إلى الجانب المظلم من الحياة ، حب النــــاس من
النفس إذا تفكرت في صفات النبل فيهم ، والوفاء والطيبة وبغض الناس من النفس إذا لمحت
مكرهم وغدرهم وقلة وفائهم وجحودهم0
السرور من النفس إذا أفعمت بالأمل والتفا ول وحسن الظن وكريم الرجاء وانتظار الفرج
والرضا بالقضاء ، والحزن من النفس إذا ملئت باليأس والقنوط والإحباط والفشل وسوء
الظن وتوقع الشر وانتظار المكروه0
من غـيّرما بنفسه من سوء فتاب وأناب واقبل فتح له الباب ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم
سبلنا ) ومن نكص على عـقبه وأعرض عـن الله ورفض الهدى، جاءه الزيغ ( فلما زاغوا أزاغ الله
قلوبهم ) من شعر بدنو العافية من سقمه ، والشفاء من مرضه ، جاءته رحمة الله ورعايته ، ومن
تشاءم وانتظر المكروه ، هجم عليه البلاء0
زار صلى الله عليه وسلم أعربيا به حمى ، فقال له مواسيا : (لاباس طهور إن شاء الله )
فلم يقبل هذا الأعرابي هذا الفال الحسن ، بل حمى تفور على شيخ كبير تورده القبور ، قال
( نعم إذن ) رواه البخاري ، فما دام أراد لنفسه هذا فهذا نصيبه0
سجن شاعران ، متفائل ومتشائم فأطلا من نافذة السجن فأما المتفائل فنظر نظرة في النجوم
فضحك ، وأما المتشائم فنظر في طين الطريق فبكى :
ذو العقل يشقى في النعيم بعـقـله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم 0
أنفق الأعراب على عهده صلى الله عليه وسلم نفقات للجهاد ، فـمنهم من جعلها قربات عـنــــد الله
ومنهم يتخذها مغرما ، فأولئك وجدوا ثوابهم ، وهؤلاء حصلوا عـقابهم ، والدراهم هي هي
إنما تغيرت لأجل ما بأنفسهم من نيات 0
إن من أعظم ماقيل في الأمثال : حياتك من صنع أفكارك . فما الحياة إلا حكمــك على هـــــــذا
الشيء حبا أو بغضا. وعين الرضا عن كل عيب كليلة ، كما أن عين السخط تبدى المسا ويــا
علم الله ما في قلوب الصحابة من الإيمان ، فأنزل السكينة عليهم وعلم ما في قلوب المنافقين
فزادهم رجسا إلى رجسهم0أولئك جعلوا قلوبهم منارات تتلقى نـور السماء،وهؤلاء جعـلوهـا
مزابل تطرح عليها جثث الخـنـا0
إن الضال لا يهتدي حتى يبدأ بخطوة من نفسه، ويقبل عـلى الهـدى، ويـتـطلع إلى النـور.
( من أتاني يمشي أتيته هرولة) وإن المهتدي لايضل حتى يبدأ هو في نية الإ نحراف واعتقاد
السوء ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم )0
إن صاحب النعمة تدوم عـليه نعمته مالم يغيرها بكفران ، ويبدلها بجحود: ( مثل الذين كفروا
بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هوا لضلال
البعيد )0وإن النقمة باقية على صاحبها حتى يتوب من إعراضه ، ويعـود عـن غـيّه ( فأمنوا
فمتعناهم إلى حين )0
وهذه سنة ماضية . ولن تجد لسنة الله تبديلا ، صاحب الحكم من نفسه يحكم بالحق ويعدل في
القضية فيدوم عـزه ، ويبقى سؤدده0 ( وشددنا ملكه ) ويتغير صاحب الحكم فينسى الله ويظلم
عباده . ويجور في حكمه فيندم كيانه ، وتهتز أركانه ( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا )
فلن يتغير شيء في ذلك حتى تغيره أنت في نفسك 0
Bookmarks