المواهب الخارقة لظرفاء السياسة


لولا الديمقراطية لما اكتشفنا المواهب الخارقة لبعض «السياسيين» الظرفاء، فبعض التصريحات تكاد تتحول إلى نكات ساخرة نرويها ضمن قصص ومفارقات تأثير القات على بعض الناس.. وكم ستثير سخرية، وضحكاً، ومهازلاً تتوارثها الأجيال كلما ضجروا واشتاقوا للضحك!
أحد «السياسيين» الظرفاء أعجبته قصة نابليون عندما عاد إلى فرنسا فلوح بقبعته للجماهير التي كانت باستقباله فإذا بها ترد على تحيته بالهتاف باسمه وإعلانه ملكاً على فرنسا.. أو ربما تأثر بقصة الإمام الخميني حين عاد من فرنسا إلى طهران فاستقبله الإيرانيون بإعلان الثورة الإسلامية وإسقاط نظام محمد رضا بهلوي.. لذلك خرج صاحبنا على الناس مهدداً النظام بالتغيير والإطاحة بالحكومة إذا لم تستجب لمطالبه..!
وعلى الرغم من كونه لا يمتلك قيد أنملة من خلفيات العمل الوطني لنابليون أو الخميني لكنني لا أعتقد أنه سيعجز عن التأكيد بأن السفارة الأمريكية وعدته بقبعة أمريكية أفضل من التي رفعها نابليون، أو أنه سيلجأ إلى طالبان لاستعارة عمامة شبيهة بالتي لبسها الخميني.. فكل ظنه أن هناك أكثر من واحد وعشرين مليون نسمة يترقبون بفارغ الصبر أمام الشاشات الإعلان بإصبعه عن بدء الثورة «الجهادية» ضد النظام !
هؤلاء «السياسيون» الظرفاء لهم مواهب خارقة في نسج الملاحم بمخيلاتهم فهم في السبعينات هتفوا من المنابر للجهاد ضد الكفرة «اليهود والنصارى» وفي الثمانينات لم تعد أمريكا ضمن الفتوى بل إن علمها تحول إلى راية الجهاد الإسلامي ضد «الملحدين» السوفيت في حرب أفغانستان ..
وفي أوائل التسعينات كبروا للجهاد ضد «العلمانية» والخمور جنوب اليمن، وعادوا للتحريض على أمريكا بعد أن أغلقت جيوبها، وأبان حربها على الإرهاب. وعندما خسروا شراكتهم في الحكومة عادوا يتوددون لـ «علمانية» الأمس ويتوسلون لواشنطن للانضمام إلى مشروع جهادي جديد ضد الحكومة.. ولو استجابت واشنطن وساعدتهم على تسلم الحكم فإنهم لن يترددوا لحظة عن الاستغاثة بأسامة بن لادن، والظواهري، والزرقاوي ـ وأيضاً باسم الجهاد المقدس ـ ولكن لإخراج «جيوش الاحتلال»!.
إنهم ظرفاء جداً، وبمواهب خارقة في اشتقاق التفسيرات للجهاد الإسلامي والأحلاف الأجنبية، وللتفريط بالثوابت الوطنية، ولانتهاك قيم الدين فليس من عقيدة عندهم تمنع الاستعانة بغير المسلم الظالم الذي يذبح المسلمين في كل بقاع الأرض وينتهك أعراضهم من أجل تغيير حكم إسلامي على خلفية خلاف حول لجنة انتخابات.
في كل دول العالم يراهن السياسيون المعارضون على برامجهم، وأدبياتهم، وإنجازاتهم البرلمانية للجماهير لكن «السياسيين» الظرفاء عندنا يبدأون الرهان بمنهج «الجهاد الإسلامي» تلك الحركة الأخوانية التي لا تؤمن بالحوار السياسي ولا الديمقراطية وإنما تؤمن بـ «تثوير المدن» العنف وليس من شيء سواه.
ديمقراطية السياسيين الظرفاء تذكرنا بذلك القيادي الاشتراكي الذي عندما سمع بقيام إحدى السيدات بصفع صحفي بالجزمة أمام القاضي بارك لها فعلتها ودعا في مقال إلى النضال بهذا الأسلوب.. فلله دره من سياسي ظريف يؤمن بثورة الجزم النسائية ولا يؤمن بسيادة قانون أو سلوك حضاري أرفع من إبدال مشاريع العمل السياسي بجزمات الحريم كطريق لحكم شعب ما زال يتمتع بكرامته ويحافظ على عقيدته الدينية وإنسانيته.. ولن يسمح لأي كان بتحويل بلاده إلى عراق ثان يحكمه الانتهازيون والإرهاب ودبابات الاحتلال الأجنبي .. وباسم الديمقراطية!..