تتفاقم حال التدهور الامني في الضفة والقطاع منذ التصريحات النارية التي اطلقها السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اثناء خطاب القاه في دمشق، واتهم فيه بعض عناصر السلطة الوطنية بالتآمر مع اسرائيل وامريكا لافشال حكومة حماس . فقد شهدت بعض المدن الفلسطينية صدامات بين مؤيدي فتح وانصار حماس ادت الي وقوع عشرات الجرحي.
السيد خالد مشعل لم يجانب الحقيقة عندما اتهم بعض الشخصيات المتنفذة في حركة فتح بالعمل علي افشال السلطة والانخراط في مخطط تآمري اسرائيلي امريكي في هذا الصدد، ولكنه ارتكب خطيئة كبري عندما لم يفرق بين هؤلاء والقاعدة الوطنية العريقة لحركة فتح وهي الحركة التي قادت النضال الفلسطيني علي مدي ثلاثين عاما وقدمت آلاف الشهداء.
ولا يحتاج المرء الي بذل اي جهد لكي يري الادلة والاسانيد التي تؤكد هذا المخطط، وتورط بعض الجهات الفلسطينية فيه، فالادارة الامريكية اوقفت مساعداتها الي السلطة الفلسطينية، ومنعت مسؤوليها وتجارها من اجراء اي اتصالات مع المسؤولين فيها، وحذت الدول الاوروبية الحذو نفسه، واغلقت بعض العواصم العربية ابوابها في وجه وزير الخارجية الفلسطيني تنفيذا لاوامر امريكية واسرائيلية صريحة.
فهناك قرار امريكي غربي عربي ببذل كل جهد ممكن لمنع اي حزب اسلامي من الوصول الي قمة السلطة في اي دولة عربية، حتي لو ادي ذلك الي استخدام السلاح. اللهم الا اذا كان هذا الحزب منخرطا بالكامل في مشاريع الهيمنة الامريكية. وهذا ما يفسر تحالف الادارة الامريكية مع المجلس الاعلي للثورة الاسلامية وحزب الدعوة في العراق، والحزب الاسلامي السني.
وهذا القرار الاستراتيجي هو الذي ادي الي تخفيف الضغوط الامريكية من اجل الاصلاح في المنطقة، لان البديل للانظمة القائمة هو اسلامي، وجاء فوز حركة حماس الكاسح في الانتخابات الفلسطينية البلدية والتشريعية، وحصول الاخوان المسلمين علي ربع المقاعد في البرلمان المصري ليؤكدا هذه الحقيقة.
السيد محمود عباس (ابو مازن) رئيس السلطة الفلسطينية يتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية عن التدهور الامني الحالي، واقتراب الاوضاع من حافة الحرب الاهلية بين الفصيلين الاساسيين في الاراضي المحتلة، عندما عمل فعلا علي خلق وزارة موازية داخل مكتبه بتحريض من بعض الشخصيات الفاسدة في حركة فتح الملتفة من حوله، وهي الشخصيات التي اساءت اليه مثلما اساءت الي الحركة الوطنية التي يرأسها.
فمعظم هؤلاء لا يتمتعون بأي قاعدة شعبية داخل الحركة، واستفادوا كثيرا من حال الانفلات داخلها، وتورطوا في عمليات فساد وافساد، وانخرطوا في اتصالات سرية مع الدولة العبرية واجهزتها السرية.
اللواء نصر يوسف وزير الداخلية الفلسطيني السابق كان الابلغ تعبيرا عن هؤلاء وفسادهم من السيد خالد مشعل، عندما قال، وهو من انظف رجالات فتح وعضو منتخب في لجنتها المركزية، ان اجهزة الامن الفلسطينية مخترقة ، وانها تحولت الي مافيات ، وان بعض قياداتها مرتبطة بمخابرات اجنبية، وتعمل لمصلحتها.
الرئيس عباس وعد باصلاح هذه الاجهزة، بل واستخدم سلاح الاصلاح هذا كورقة في حربه لنزع صلاحيات الرئيس الراحل ياسر عرفات. وعندما تولي الرئاسة في انتخابات مباشرة، لم ينفذ أياً من وعوده هذه وابقي الاوضاع علي حالها.
اجهزة الامن الفلسطينية عجزت كليا عن حماية الشعب الفلسطيني، مثلما عجزت عن وضع حد لحال الفلتان الامني، واصبحت عبئا علي الشعب مثلما هي عبء علي السلطة، وعندما ارادات حكومة حماس انشاء جهاز امني مواز يحفظ الامن، ويضع حداً للجريمة وعمليات القتل ويرد الاعتبار للامن الوطني، وتعيين العقيد جمال ابو سمهدانة قائدا له وهو معروف بتاريخه الوطني الحافل في الانتفاضتين الاولي والثانية، ويتمتع بهيبة واحترام كبيرين في اوساط الفلسطينيين كونه شخصية فتحاوية سابقة، خرجت اصوات من داخل السلطة تعتبر هذا التعيين غير قانوني ولا يتماشي مع النظام الاساسي للحكم.
ونحن نسأل عن هذا النظام الاساسي عندما عين السيد عباس اللواء رشيد ابو شباك قائدا للامن الداخلي دون التنسيق مع الحكومة ووزير داخليتها، واين كان هذا القانون ايضا عندما اصدر مرسوما بوضع المعابر تحت اشراف مكتب الرئاسة مباشرة؟
العلة الاساسية تكمن في وجود مجموعة من الحرس القديم تتمسك بالرئاسة ومكتبها وامتيازاتها، وترفض ان تقر بالهزيمة ووصول حكومة جديدة الي قمة السلطة باختيار شعبي فلسطيني حر.
الرئيس عباس شخصية ضعيفة، يقود السلطة كمصرف اعمال، ولو كان الخيار خياره لذهب الي بيته ليقضي باقي ايامه في صحبة احفاده، بعيداً عن كل شيء فقد عاني من هؤلاء المتنفذين في حركته اكثر من معاناته من حماس، بل لا نبالغ اذا ما قلنا انه كان الاكثر سعادة بفوز حماس من حماس نفسها، فهو ما زال يشكو من اهانة القائمتين اللتين خاضت فتح علي اساسهما الانتخابات التشريعية الاخيرة والتي كانت تقويضا واضحا لزعامته.
اندلاع الحرب الاهلية بين العائلتين السياسيتين الكبيرتين في الضفة والقطاع هو اكبر هزيمة للشعب الفلسطيني ومقاومته وقضيته. ولذلك من المأمول ان يتداعي العقلاء في حركتي فتح و حماس الي اجتماع سريع لتطويق هذه الفتنة قبل تفاقمها.
من العيب ان تتنافس اكبر حركتي مقاومة في فلسطين علي سلطة وهمية، غير موجودة علي الارض، وتكفي الاشارة الي ان جنديا اسرائيليا برتبة عريف يستطيع ان يهين اكبر رأس فلسطيني، ويعتقله ويمنع حركته، وانتقاله علي اي من المعابر.
الصراع الحالي هو علي جيفة اسمها السلطة، ويحرف الانظار عن مصدر كل العلل والفتن وهو الاحتلال الاسرائيلي.
حركة حماس فازت في الانتخابات والمعارضة الاساسية لها تأتي من امريكا واسرائيل، ولذلك يجب ألا تسجل حركة فتح علي نفسها انها وقفت مع هؤلاء ضد حركة مقاومة قدمت مثلها آلاف الشهداء. ولذلك يجب ان تتحرك كوادرها التي لم تتورط في الفساد وهي الغالبية الساحقة، بوضع حد لهؤلاء الذين يريدون الاساءة لحركتهم وتاريخها المشرف.