السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحيه طيبه أما بعد
في البدء وحتى لا يظن البعض بأني مبتكر هذه النظرية بل على العكس تماماً هي نظرية فعلا موجودة في عالمنا .... وأحببت أن أسلط الضوء عليها لولعي وشغفي بها مؤخراً .. ولقد استعنت بمرجع لأحد عمداء الجامعات اللبنانيين الذي أفادني جدا في هذا الموضوع وقدم بحثاً كاملاً ومفصلاً عنه . وقد قمت بتلخيص البحث وترتيبه . في محاولة بسيطة لمشاركتكم الفائدة في هذا الملتقى . و سأحاول من خلال موضوعي التطرق إلى نقطتين أساسيتين هما التوضيح والربط بشكل بسيط وسلس على أن تعم الفائدة في التوضيح وأن يكون النقاش حول نقطة الربط ولا مانع بالتأكيد أن نتحدث عن النظرية نفسها بشكل أكثر تفصيلياً .
إن النظرية الإمبريالية جاءت ذات يوم لمحاولة تفسير تمدّد الزحف الأميركي السياسي، في منظور ماركسي. والذين كانوا يكتبون على هذه الموجة، انتقلوا بعدها إلى موجة أخرى، يرونها قريبة من الأولى، هي العولمة. وكذلك هي الحال بالنسبة إلى النظرية القومية التي حاولت أن تفسّر ما يجري في تاريخ العرب، قافزة فوق العصبيّات التي عادت والتفَّت بعدها كالأفعى عليها.
أما اليوم فالرائج لتفسير البؤس السياسي العام الذي ضرب في أكثر من موقع في العالم العربي، يقوم على اللجوء إلى "نظرية الفوضى" التي تُعتبر سبب كل علّة، استسهالا في تفسير الأمور، مع الإشارة إلى أن التفسير، منهجياً، لا يتقدّم على التحليل بل يعقبه. فكيف الأمر وقد غُيِّبَ هنا التحليل واستُبدل بحكم مطلق، تفسيري .
بادئ الأمر لِنُشر إلى أن الترجمة المتسرّعة لهذه النظرية قد أفضت بالكتّاب إلى اعتبار أن كلمة chaos، بالإنكليزية والفرنسية، تعني الفوضى، وهذا بالفعل أحد معانيها. لكنه ليس الأنسب للتعبير عن جوهر المصطلح الغربي الذي نحن بصدده. بل إن كلمة البلبلة هي أقرب بكثير، هنا، مما تعنيه كلمة chaos على المستوى السياسي والعسكري. ذلك أن الفوضى لا تؤدي إلى شيء، وهي لا تقوم على فكرة، بل تعيدنا إلى المخاض الكوني الأول.
في حين أن ما يعنيه هنا مصطلح chaos هو البلبلة. تلك البلبلة التي ترافقها اضطرابات من كل نوع بغية الوصول إلى حالة من الخِواء السياسي العام.
إذاً فإن الـ théorie du chaos، التي سارعنا إلى ترجمتها ترجمة فلسفية، هي نظرية تقع في العلوم الجيو*سياسية، ولا تعني الفوضى بمعنى الاختلال المطلق، بل تعني نظرية محدَّدة لجأ إليها علماء الإستراتيجيا في الولايات المتحدة الأميركية، بعد انهيار العملاق السوفياتي، لإطالة أمد هذا الانهيار أطول وقت ممكن، رغبة في الانتقال من البلبلة إلى الخِواء. هذا الخِواء السياسي العام الذي يسمح بإعادة تركيب الأمور على نحو يتناسب والمصالح الإستراتيجية الأميركية.
فما نحن في صدده عندما يؤتى على ذكر "نظرية الفوضى" لا يهدف إلى إزالة الدولة إزالة تامة، بل إلى ثنائية أساسية تقوم على الهدم والبناء. من هنا فإن البلبلة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية - التي تتجلّى كلها في الإنهيار السياسي لمؤسسات الدولة - تفضي بالناس إلى خِواء كبير يضيعون فيه، في وقت يقوم سواهم بإعادة تركيب الأمور على نحو جديد.فالدولة هنا في قلب هذه النظرية لا في نقيضها، حيث أن المطلوب هو إعادة تأهيلها على نحو يخدم مصالح الإستراتيجية الأميركية، لا تدميرها عن بكرة أبيها. وما يحصل حالياً في العراق يُشير بوضوح إلى هذا المنحى الواقعي، إذ أنّ "نظرية الفوضى" ليست نظرية فوضويّة حديثة تهدف، كما جحافل هولاكو، إلى محو الأخضر واليابس، وإلى تدمير الدول والأمم والممالك دون أفق سوى التدمير الأعمى.
فمشكلة الإتحاد السوفياتي السابق وعراق صدّام حسين والمملكة العربية السعودية أنها دول مغلقة قديمة، قائمة على العصبيّة. ودولة العصبيّة، كما يصفها ابن خلدون هي دولة المُلك، حيث يملك مَن هو في رأس السلطة، الأرض والأعناق، ويتصّرف بها كما يشاء.
أن النظرية في العلم، هي استنتاج ثابت ومجرّد لمجموعة مبادئ وقوانين تشكّل حقيقة ما.
فلا حقيقة ثابتة تقف عليها العصارة الذهنية المطروحة.
وهذا يعني أن تكبير الظاهرة بإعطائها بُعداً نظرياً، إنما يسعى إلى نفخ مصطنع للعملية برمتها، فينبهر من يسمع بها ويظن أنها من ثوابت العلم، وبالتالي فلا مجال لمجابهتها.
فإن كانت الإستراتيجية الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط تهدف إلى السيطرة المباشرة على منابع النفط والمخزون العراقي تحديداً، يتمّ الاعتماد على البلبلة والخِواء لإدخال البلاد في ما يسمّى، في هذه النظرية، بعدم الاستقرار البنّاء. ذلك أنّ عدم الاستقرار (الأمني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي) يسمح بإعادة بناء البلاد على نحو يناسب المصالح الإستراتيجية الأميركية.
وفي هذا الصدد، يرى رئيس مجلة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية، آلان غريش، أنّ عدم الاستقرار البنّاء هذا يهدف، في الحالة العراقية، إلى الولوج بالبلاد إلى نظام ضعيف. "ذلك أن نظاماً ضعيفاً في العراق يناسب الأميركيين، أكثر من عراق مقسَّم، لأنه سيؤدي في حال التقسيم، إلى مشاكل مع الأتراك والإيرانيين وآخرين. فما يريده الأميركيون في المنطقة هو سلسلة أنظمة ضعيفة لا قدرة لها على مقاومتهم".
إنّ عدم الاستقرار البنّاء الذي هو في قلب ما يُعرف بنظرية الفوضى، إنما ينشد الانتقال من بنية سياسية*اقتصادية إلى أخرى، بالاعتماد على الاختلال الأمني والسياسي العام، بحيث أنّ ما يقتضيه عدم الاستقرار هذا ليس الهدف الأبعد للإستراتيجية(السيطرة المباشرة على مخزون النفط الأول في العالم) بل هو خطوة تمهيدية تؤدي إلى البلبلة العامة التي تعقبها (كما يحصل اليوم في العراق) وصولاً إلى نظام ضعيف يسهل توجيهه.
بَنَتْ الولايات المتحدة الأميركية هذه النظرية في مراكز أبحاثها الإستراتيجية، على شكل الـ Patchwork، أي الثوب المؤلف من قطع قماش من عدّة مصادر، بمعنى أن المعنيين اعتمدوا على مختلف تجارب زعزعة الاستقرار التي حصلت عبر العالم إبّان الحرب الباردة(1945*-1990)، على شكل حروب أهلية أو داخلية كان لأميركا يد فيها بشكل أو بآخر، بالواسطة أو بالمساندة أو بالمشاركة غير المباشرة، فأخضعوها جميعاً للتحليل، مستخلصين من كل واحدة درساً مفيداً وتجربة ناجحة تصحّ للتصدير إلى بلدان أخرى. بعد ذلك جُمِعَتْ هذه الدروس الإختلالية المختلفة تحت مظلة واحدة فأضحت ما نعرفه اليوم "نظرية الفوضى".
نشير هنا إلى أن عملية الدمج هذه لم تكن سهلة، وقد احتاجت إلى خبرات أخصائيين في مجال التحليل، وهم كثر في الولايات المتحدة. وقد أعطى مجهودهم النوعي المشترك هذا منطلقاً جديداً، في الصياغة والأسلوب، لآلية تدخُّل متنّوع الأشكال تساهم في خدمة المصالح الإستراتيجية الأميركية عبر العالم.
كما تجدر الإشارة إلى أن عملية الدمج المُشار إليها تنسجم تمام الانسجام مع طرائق التفكير الأميركية، منذ "أيام بيتيريم سوروكين"، الجامعي الأميركي اللامع الذي أطلق في الخمسينات "قانون الدمج" لتفسير الظاهرات الثقافية والاجتماعية المختلفة عند الشعوب والمجتمعات كافة وليس في الولايات المتحدة فقط . وهذا يعني أن المجهود النظري المبذول لا يُستهان به، وكان يقوم على تراكم علمي وتوثيقي لا تقدر على تأمينه سوى دولة عظمى، حيث أنه يفترض وجود مساحات من التفكير البارد لا تهتم سوى في تأمين بقاء وسيطرة الأمّة، بأيّ ثمن كان وعلى حساب أيّ كان.
وتكمن نظرية الفوضى في :
أ- إطلاق الصراع الإيديولوجي
ب- أو إطلاق صراع العصبيّات
ج* أو ضرب الاستقرار الأمني
د- أو خلخلة الوضع الاقتصادي
هـ- أو التعبئة الإعلامية
فهذه النظرية، كتلك الأغنيات التي راجت خلال فترة في السبعينات، وتتألف من أجزاء مركبَّة من مقطوعات غنائية مختلفة،(وهو ما يُعرف بتقنية الـ Collage)، يقوم إبداعها على استخلاص إبداعات مختلفة ومتنوّعة. من هنا عدم صلاحية استخدام مصطلح النظرية لتسمية هذه العملية.
علماً أنّ ذلك لا يُنقص من مقدار الذكاء الذي تقوم عليه. فالذكاء، في المجال العلمي كما في المجال العسكري، يقوم على تكييف معطيات العقل مع معطيات الواقع. وهو يفترض بالتالي تعديلاً دائماً للمسالك والمواقف على ضوء التجارب والميدان.
وما قام به محللو مراكز الأبحاث الإستراتيجية الأميركية ذكي جداً في هذا المجال وشرّير في آن، بمعنى أنه سعى لاستخلاص عبر الفاعلية من دون النظر بالضرر الناتج عنها في تجاربها الأصيلة(في قبرص ورواندا ولبنان ونيكاراغوا والهند والصومال والبوسنة الخ) ولا في تجاربها الحالية(روسيا والعراق ولبنان، والحبل على الجرّار). وهذا ما يعرف في لغة العلوم السياسية بالماكيافيلية التي لا تقيم وزناً، لا للأخلاقيات، ولا للعواطف. فقط المصالح هي ما يهمها.
بعد تحليلي ومتابعتي لهذه النظرية أرى أننا فعلاً نحتاج إليها في اليمن ولكن ليس عن طريق الأمريكان أو عن تدخل معارضة خارجية ... فأنا أعتقد أننا قد بدأنا في نظرية الفوضى وفي أهم أجزائها البلبلة فعلى مر السنين الماضية عشنا في ظل بلبلة واضحة ... وطبقاً للنظرية نحن جاهزون للبناء بشكل سليم ولكن هنالك عقبات بسيطة لابد من تنحيتها من أمام النظام اليمني وتسليم الدفة إلى من يستطيع البناء فعلاً ...
هنالك الكثير من الأمور التي أود أن أناقشها وأفصلها حول هذه النظرية ولكن أترك المجال للإضافة أكثر حول النظرية عند التفاعل
مستخلص من http://www.lebarmy.gov.lb/article.asp?ln=ar&id=8284
موضوعي القادم ( لماذا الاستعمار لم يستطيع التأثير على الإمبراطورية اليابانية ؟ )
تحياتي للجميع و دمتم بود
Bookmarks