المبحث الأول : التربية الإيمانية والتعبدية
1) التربية على الإعتدال
فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في غداة العقبة، وهو على ناقته: (( القط لي حصى )) . قال ابن عباس : (( فلقطت له سبع حصيات من حصى الخذف ، فجعل ينفضهن في كفه، ويقول : أمثال هؤلاء فارموا ثم قال : يا أيها الناس، إياكم والغلو في الدين؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين )) رواه ابن ماجه برقم (3029) .
في هذا الموقف التربوي العظيم ظهر جلياً تربية الرسول صلى الله عليه وسلم على الاعتدال في العبادات، والنهي عن الغلو في الدين.
والقصد في العبادات معناه: أن لا يقصّر المسلم في عبادته مع مراعاة تجنب حمل النفس ما لا تطيقه .
وَلْيُعلم أن التربية على الاعتدال سبب قوي على الاستمرار والدوام على الأعمال والطاعات؛ لأن النفس مجبولة على الراحة ومطبوعة على الدعة؛ فإذا أرهقت نفسها بالأعمال الكثيرة والشاقة فإنها سرعان ما تتخلى عنها؛ بخلاف الأعمال المبنية على الاعتدال فإنها ميسرة على النفس، ومقبولة لديها.
الباحث: أبو الحسن الفطاني علي مهاما (تايلند)
...........
و مع رفيع منـزلة العبادة في الإسلام ، و علو كعبها ، إلا أن النبي صلى الله عليه و سلم قد وجّه بالاقتصاد فيها و عدم الغلو ؛ ذلك انّ سيرة النبي صلى الله عليه و سلم جاءت بالتوازن بين الجسم و العقل و الروح ، دون أن يطغى جانب على آخر.
وتحفل السنة النبوية بنماذج رائعة من الاقتصاد في العبادة ، و من ذلك ما يرويه أنس بن مالك – رضي الله عنه – فيقول :" دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم المسجد و حبل ممدود بين ساريتين ،فقال : ما هذا ؟ قالوا : لزينب تصلي فإذا كسلت أمسكت بـه ، فقال : حلّوه ، ثم قال : ليصلّ أحدكم نشاطه ، فإذا كسل أو فتر فليقعد" [أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين و قصرها ، باب أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك ، حديث رقم (784)]
و تروي عائشة – رضي الله عنها – نموذجاً آخر من سيرته صلى الله عليه و سلم فتقول:" لم يكن النبي صلى الله عليه و سلّم يصوم شهراً أكثر من شعبان ، فإنه كان يصوم شعبان كله ، و يقول خذوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ، و أحبّ الصلاة إلى النبي صلى الله عليه و سلم ما دُووم عليها ، و إن قلت و كان إذا صلى صلاة داوم عليها" [ أخرجه البخاري في كتاب الصوم ، باب صوم شعبان ، (4/251) ، حديث رقم 1970]
فالعبرة ليست بكثرة العمل و إنما العبرة بدوامه ، فالعبادة في منظور التربية الإسلامية نشاط مصاحب للفرد في شتى أحواله ، و ليست محصورة في وقت دون وقت ، و في هذا الأثر البالغ في تزكية النفس.
فالعبادة في الإسلام لا عسر فيها و لا إرهاق ، و لا تستهلك كل وقت الإنسان و جهده ، و إنما تأخذ بالاعتدال و الوسطية بحيث تسهل على كل إنسان ديمومة الاتصال بخالقه .
الباحث:غالي اللقماني (السعودية)
Bookmarks