الحمد لله ، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم :أما بعد ،،
لا يزال الأقصى الجريح ينزف دما تحت وطأة الاحتلال اليهودي لعنهم الله لهذه البقعة المقدسة عند المسلمين ، ولا يزال كذلك إخواننا المسلمين في فلسطين يعانون أشد المعاناة من القتل والتخريب وغير ذلك . فكيف يتم التعامل مع اليهود المعتدين ؟ وما هو الحل الصحيح لهذه القضية التي تهم كل المسلمين ؟ وهل ما يفعل الآن في فلسطين من مقاومة الاحتلال بشتى الطرق المتاحة يوافق الكتاب والسنة اللذين أمرنا بإتباعهما وحذرنا الله أشد التحذير من مخالفتهما ؟ .
المحور الأول : ضرورة الالتزام بالكتاب والسنة والتحذير من مخالفتهما : - قال تعالى ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) الأحزاب 36 . - وقال تعالى ( …ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ) الجن 23 . - قال تعالى ( … فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر..) النساء 59 . - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) .
- اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع لنا باب خير إلا ودلنا عليه ، ولم يدع باب شر إلا وحذرنا منه . إذا الحكم في هذه الأمور وغيرها يعود إلى كتاب الله سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة منها ، وإلى أقوال العلماء المستندة إلى الكتاب والسنة .
المحور الثاني : ما هي صفة الرجال الذين سيقاتلون اليهود : لقد وصف الله تعالى عباده الذين أخرجوا اليهود من بيت المقدس بأوصاف ، وهذه الأوصاف معتبرة شرعا فقال الله تبارك وتعالى في صفتهم (عبادا لنا أولي بأس شديد ) الإسراء آية (5) ونستفيد من هذه الآية أمرين :
الأمر الأول : هو أن وصف الله تعالى لأحد من الناس بوصف العبودية يعني أنه عبدا لله مخلص مستقيم على دينه هؤلاء الذين فتح الله على أيديهم القدس ، ومما يؤكد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين ( تقاتلون اليهود حتى يختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر ، حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله ) إذن هذا الذي ينتصر على اليهود والذي يخرج اليهود من بلاد المسلمين ، هو مسلم عبد لله متصف بوصف العبودية .
الأمر الثاني : هو وصف الله تعالى لهم بأنهم أولي بأس شديد أي أنهم عندهم قدرة وقوة يتمكنون بها من الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى .
المحور الثالث : المسلمون لهم حالان في التعامل حال الضعف وحال القوة : ولتوضيح هذا الأمر لا بد من نقل قول بعض أهل العلم ليستنير بها من نور الله بصيرته ووفقه إلى الهدى والاعتصام بالسنة والصبر عليها وأن يجعل عواطفه تابعة لدين الله لا العكس كما هو الحال اليوم . ذهب شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه الصارم المسلول صفحة 117 الطبعة القديمة ، والشيخ بن سعدي في السياسة الشرعية صفحة 15 رحمهم الله تعالى إلى ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم له حالان في الجهاد والدعوة ،أمر في كل حال بما يليق بها ويناسبها :
الحال الأولى ( حال الضعف ) : أمر الله تعالى رسوله الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مكة والمسلمون قليل والقوة ضعيفة والأعداء كثيرون بالاقتصار على الدعوة على الدين وبيان ومحاسنه وجذب الناس إليه ، وجهادهم بالدعوة ، وأمر أن يكف يده بالقتال باليد لما فيه من الضرر وخلاف الحكمة كما هو ظاهر لكل أحد ، وأن يسالم الأعداء ويدفع ضررهم بأي طريق ، ويتحمل كثير مما يعملون معه ومع الإسلام . فأنزل الله تعالى آيات الصبر على رسوله في حالة الضعف : قال الله تعالى ( لتسمعن من الذين أتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ) كون المسلم يصبر في حال الاستضعاف وفي حال عدم القدر هذا ليس نقصا أو عيبا ، بل هذه حال شرعية لها حكمها الشرعي . وقال الله تعالى ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير ) هذا كلام الله ، وهذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطبق العفو في حال الضعف . ويقول شيخ الإسلام ( فمن كان بأرض هو فيها مستضعف ، أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو ، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين وآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) . يقول الشيخ بن سعدي ( فللمسلمين في رسول أسوة حسنة ، من كانت المصلحة تقتضي مهادنتهم ومسالمتهم من الأعداء ، سالموه وهادنوه وتحملوا أضرارهم القليلة لما هو أعظم منها ، ومن تعينت المصلحة في قتالهم بالسلاح لعدوانهم وشرهم وضررهم الكبير قاوموه بالسلاح والقوة ، فيتبعون ما تعينت مصلحته الدينية ويستعينون على المضي بأحد الأمرين بالمشاورة والمراودة ) . قال شيخ الإسلام ( كما أنه حيث عجزنا عن جهاد الكفار عملنا بآية الكف عنهم والصفح – التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم للتعامل مع الكفار – وحيث ما حصل القوة والعز خوطبنا بقولة تعالى جاهد الكفار والمنافقين ) . ويقول الإمام السيوطي في الإتقان الجزء الثاني صفحة 21 ( إن آية السيف لم تنسخ الآيات التي جاءت بالعفو والصفح النسخ الذي لا يجعل لها حكما ، وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى ) .
الحال الثانية (حال القوة) فلما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقوي المسلمون وكثروا وعظمت وطأة الأعداء ومقاومتهم العنيفة للإسلام أمر بجهاد اليد مع جهاد الدعوة ، وأمرهم الله بالكف عن من سالمهم وكف يده عنهم .
كما وضحنا أن الحكم الشرعي أي حكم الله حال الضعف ونقص المكنة يختلف تماما عن الحكم الشرعي حال القوة ، ولا يجوز خلط هذه الأمور من استخدام الحكم الشرعي حال القوة وتطبيقه حال الضعف بما يحصل من الفتن والقتل بمخالفة كتاب الله وسنة نبيه صلى عليه وسلم .
المحور الرابع : الوضع في فلسطين : قال تعالى ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم الله وعدوكم ) 60 الأنفال .
ما هو تفسير الأئمة الأعلام (للقوة) مع ملاحظة أن آلات القتال في زمن بعض الأئمة لم تعدوا عن السيف والرمح ..الخ .
- يقول الإمام ابن كثير ( ثم أمر الله ، بإعداد آلات الحرب حسب الطاقة والإمكان والإستطاعه ) تفسير القرآن العظيم – المجلد الثاني صفحة 355 الطبعة الأولى .
- قال الإمام القرطبي ( قوله تعالى ( وأعدوا لهم ) أمر الله سبحانه المؤمنين بإعداد القوة للأعداء بعد أن أكد تقديم التقوى ، فإن الله سبحانه لو شاء لهزمهم بالكلام والتفل في وجوههم وبحفتة من التراب ، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكنه أراد أن يبتلي بعض الناس ببعض بعلمه السابق ، وقضائه النافذ .
- قال ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنه ( القوة ها هنا السلاح والقسي ) . تفسير الجامع لأحكام القرآن . المجلد (7-8) صفحة 24 الطبعة الخامسة .
- قال الإمام الشوكاني ( القوة كل ما يتقوى به في الحرب ومن ذلك السلاح ) زبدة التفسير صفحة 236 . الطبعة الثانية . - قال الإمام عبدالرحمن بن سعدي ( أي ( وأعدوا ) لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم ( ما استطعتم من قوة ) أي كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية ، وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم ، فيدخل في ذلك ، أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآليات ، من المدافع والرشاشات والبنادق والطيارات الجوية والمراكب البرية والبحرية … ) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان .صفحة 222. الجزء الثاني الطبعة الثانية .
ولا يخفى على أحد أن الجهاد له شروط منها القوة والتي فسرها علماء التفسير بالسلاح والآلة العسكرية كما وضحنا بقول الله تعالى (عبادا لنا أولي بأس شديد ) ، والقوة في فلسطين ضعيفة جدا مقارنة مع ما عند اليهود من أسلحة وطائرات … ولا يوجد مقارنة إطلاقا .
إذا الجهاد لإخراج اليهود من فلسطين لم يحن بعد كما سنوضح ذلك بفتاوى العلماء وأي مقاومة بالانتفاضة وغيرها سيكون له الوبال على المسلمين لمخالفته للكتاب والسنة كما وضحنا .
فالانتفاضة التي بدأت في عام 1987 كم عدد المسلمين الذين قتلوا بسببها ؟ وكم عدد اليهود الذين قتلوا من الحجارة ؟
لا يوجد يهودي واحد فيما نعلم قتل من الحجارة ، وإنما الذي نعلمه أن مئات المسلمين قتلوا بسبب الانتفاضة دون فائدة تضاهي دماء المسلمين التي ذهبت دون نتيجة ، وكذلك كان من مضار الانتفاضة إغلاق المدارس وقطع الأرزاق .. الخ ارجوا منكم أن تحكموا الكتاب والسنة وأن تبتعدوا عن الحماس الأعمى والعاطفة الهوجاء .
مؤيدو الانتفاضة وحتى العمليات الانتحارية والتي يكون دائما عدد القتلى من المسلمين وانتقام اليهود ( من جراء تنفيذ هذه العمليات ) أكبر من عدد ما تقتله هذه العمليات الانتحارية ، فأصبح المهم عند المسلمين هو كم كلب يهودي قتل ، ولا يهم كم مسلم قتل من جراء هذه العمليات ومن انتقام اليهود فكم من طفل يتم وكم من أمراه رملت …
هل تدرون ما قيمة الدم المسلم الواحد عند الله ؟؟؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم ) رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم : ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ) صحيح رواه ابن ماجه .
لاحظ قيمة الإنسان المسلم عند الله تبارك وتعالى ، لكي تقدر خطورة الفتاوى التي تتساهل في دماء المسلمين .
... يتبع بالأسفل ...
Bookmarks