الخطوات القانونية والميدانية الاسرائيلية تجاه المهجرين الفلسطينيين وقراهم ومدنهم
ما إن استقرت الأحوال العسكرية حتى واصلت السلطات اتخاذ كل الإجراءات القانونية- التشريعية والميدانية – العملية لتثبيت واقع استيلاءها على الأراضي والقرى العربية المهجرة وواقع التهجير، يدفعها إلى ذلك هاجس الخوف من عودة المهجرين العرب الى قراهم .. ومن اجل ذلك قامت السلطات الإسرائيلية بسن قوانين وأنظمة تتطرق بشكل غير مباشر للمهجرين وبشكل مباشر للأراضي والقرى المهجرة كما قامت بتفعيل أنظمة الطوارئ الانتدابية كإغلاق المناطق عسكريا. وعلى صعيد آخر قامت السلطات الإسرائيلية بتنفيذ خططها الميدانية بإقامة مئات المستوطنات اليهودية على الأراضي العربية ومن ثم تسريع عملية هدم القرى العربية في محاولة يائسة لشطبها من أذهان أبناءها
. 1-الخطوات القانونية :
أ) إصدار "أنظمة الطوارئ (استعمال الأراضي البور) لسنة 1948", بتاريخ 15\10\48 وبموجبها خول وزير الزراعة إنذار كل صاحب ارض بور بزراعة أرضه، وان لم يثبت قيامه بزرعها واستعمالها لاهداف الزراعة فيحق للوزير وضع هذه الأرض تحت تصرفه لاستغلالها لاهداف الزراعة , حيث أن مصلحة "الدولة الفتية" تقتضي, كما زعم مشرعو هذه الأنظمة, تنشيط الإنتاج الزراعي. بموجب هذه الأنظمة يحق للوزير وضع يده على الأرض لفترة 35 شهرا فقط، ودون أن يمس هذا الإجراء بحق الملكية للأرض. ولذلك اخذ المشرع الإسرائيلي يبحث عن وسائل أخرى يثبت فيها سيطرته على الأرض .
ب) اصدار "انظمة الطوارئ بشأن املاك الغائبين لسنة 1948" , حيث تم وضع كل ما يملكه اللاجئون والمهجرون من املاك تحت تصرف القيّم على املاك الغائبين, ولقد تم تعريف الغائب بموجب الانظمة المذكورة ليشمل المهجرين العرب من قراهم الاصلية. الا ان الانظمة المذكورة منحت القيّم على املاك الغائبين صلاحية مؤقتة بشأن التصرف باملاك "الغائبين", حيث تحددت صلاحيته بالمحافظة على هذه الاملاك في الفترة الانتقالية, ولم يمنح صلاحية نقل او بيع هذه الممتلكات لاخرين. وهذا الأمر صعب كثيرا على السلطات الاسرائيلية حيث ان الانظمة المذكورة لم تمس، ايضًا، حق الملكية لاصحاب الاراضي التي تشكل عائقا امامها لاستعمال الاراضي لاهداف الاستيطان واستيعاب المهاجرين الجدد. وهنا بدأت السلطات الاسرائيلية بوضع اللمسات الأخيرة لتثبيت سيطرتها الدائمة على اراضي " الغائبين " من خلال تشريع جديد ياخذ بعين الاعتبار أخطاء الماضي .
ج)"قانون املاك الغائبين لسنة 1950" : تم تشريع هذا القانون بتاريخ 14/3/1950. المحكمة العليا الاسرائيلية وصفت اهداف القانون على انه يستهدف, اساسا, تركيز ادارة الاراضي التي كانت بملكية من وصفوا كغائبين في نظر القانون, وذلك تحت تصرف القيّم على املاك الغائبين ليقوم بحماية هذة الممتلكات. كما يحدد القانون العلاقات القانونية بين هذا القيّم وبين "الغائبين" وأملاكهم. بموجب هذا القانون, يعتبر القيّم مالكا لهذه الممتلكات الى ان يثبت "الغائب" انه لم يكن غائبا او انه لا يعتبر "غائبا" بنظر القانون (وهي قضية مستحيلة بموجب السوابق القانونية عدا عن الحالات الشاذة والنادرة جدا). كذلك بموجب هذا القانون يحظر على القيّم ان ينقل حق الملكية على هذه الممتلكات لاخرين عدا "سلطة التطوير" . الكاتب اهرون ليسكوبسكي يعتبر في مقالته "الغائبين الحاضرين في اسرائيل" ان عملية مصادرة املاك "الغائبين" وتحويلها لاهداف التطوير والاستيطان لها سوابق عدة في الماضي , حيث قامت بعض حكومات الدول بالاستيلاء على الاملاك التي خلفتها العمليات العسكرية والهروب الجماعي لقطاعات واسعة من السكان في تركيا, اليونان, بلغاريا وغيرها. اي انه يقر ان وظيفة القيّم تتعدى مهمة الحفاظ على هذه الممتلكات لصالح اصحابها الشرعيين، بل تم تحديدها وبشكل واضح على أنها تهدف الى تمرير وتكريس واقع الاستيلاء على الممتلكات وتثبيت ذلك من خلال وضعية قانونية مشوهة الملامح في شكلها ولكنها واضحة في جوهرها واهدافها ... وحقا فقد اخذت " سلطة التطوير" زمام المبادرة حيث اعلن عن قيام "سلطة تطوير البلاد" بشكل خاص بموجب قانون "سلطة التطوير (نقل املاك) لسنة 1950", بهدف تركيز ممتلكات "الغائبين" "لتطوير البلاد", حيث تتمتع هذه السلطة بصلاحيات واسعة جدا وتشمل صلاحية شراء الاراضي, استئجارها واستبدالها او التصرف بهذه الممتلكات تصرف المالك، عدا الخطر بشأن بيع الاراضي للدولة او "الكيرن كييمت ليسرائيل" (الصندوق القومي الاسرائيلي), او لسلطة محلية . بعد الاعلان عن قيام " سلطة التطوير" بدأت عملية نقل الاراضي التي سجلت على اسم القيّم على املاك الغائبين, لصالح "سلطة التطوير" ومنها "الكيرن كييمت". ولكن تمت عملية نقل الاراضي بشكل بطيء جدا، ولذلك اخذ القيّم بنقل الممتلكات مباشرة " للكيرن كييمت ليسرائيل" بموجب قرارات حكومية. وبتاريخ 29/9/53 اتفق القيّم وسلطة التطوير على تحويل كل ما تبقى تحت سيطرته, لصالح سلطة التطوير التي قامت بدورها بتحويل كميات كبيرة لصالح "الكيرن كييمت" .
د) قانون استملاك الاراضي (تعويضات) لسنة 1953 : بموجب هذا القانون قامت السلطات الاسرائيلية بعرض تعويضات مالية على "الغائبين" الذين نقلت املاكهم للقيّم على املاك "الغائبين" لانه بموجب هذا القانون اصبح بالامكان النظر لكل املاك الغائبين وكانه تم الاستيلاء عليها بموجب قانون استملاك الاراضي المذكورة . في الواقع قامت في الماضي " سلطة التطوير" وبعدها "ادارة اراضي اسرائيل" التي عبرت كل املاك سلطة التطوير اليها, باجراء مفاوضات مع العديد من "المهجرين" –"الغائبين" بنظر القوانين الاسرائيلية، وذلك بهدف حثهم على قبول التعويضات. الا ان كل المؤشرات تؤكد ان نسبة الذين استلموا هذه التعويضات، هي قليلة جدا ليس بسبب كون التعويضات المعروضه قليله جدا، بل, وبالتاكيد, نتيجة تمسك المهجرين باراضيهم وعدم الاقرار بشرعية كل القوانين الاسرائيلية الجائرة .
2- الخطوات العملية – الميدانية : لقد تنوّعت الخطوات العملية – الميدانية التي قامت بها الحكومة الاسرائيلية وأجهزتها المتفرعة والمتخصصة في هذا المجال, الا انه بالامكان الوقوف عند بعض المحطات البارزة والتي تظهر مدى رغبة السلطات الاسرائيلية في طي صفحة القرى المدمرة والمهجرين .
أ ) محاولات "التوطين " : الباحث اليهودي شارلس كايمن في مقالته "بعد الكارثة, العرب في دولة اسرائيل", وكذلك الاستاذ محمود سعيد في ملاحظاته, بشان انخراط مهجري الداخل العرب في القرى العربية في شمال البلاد - "قدمت ضمن دراسة لشهادة الماجستير في الجامعة العبرية – القدس- يلاحظان ان حكومات اسرائيل المتعاقبة اظهرت اهتماما بشكل مباشر حينا، وبشكل غير مباشر، حينا اخر، باعادة تنظيم عملية توطين المهجرين. ويسوقان بعض الامثلة على ذلك:
ب ) اولا : السماح للبعض وهم قلائل جدا , العودة الى مكان سكناهم الاصلي: المقصود، عمليا، هم المهجرين من مدينة حيفا الذين لجأوا الى الناصرة، حيث بلغ عدد كل المهجرين في الناصرة حوالي 4478 نسمة، وفي القرى المجاورة حوالي 5222 نسمة، مما اثار حفيظة وقلق السلطات الاسرائيلية من خطر تركز العرب في مكان واحد، فعملت على توزيع السكان وسمحت لبعض لاجئي حيفا بالعودة شرط التعهد بعدم العودة الى مساكنهم الاصلية التي سيطر عليها القادمون الجدد. كذلك وجهوا قسما من لاجئي عيلوط للعودة الى قريتهم (560 نسمة من اصل 1430 نسمة). لقد تم توجيه اولئك اللاجئين بموجب توصيات اللجنة الوزراية بتاريخ 4/3/49 ( ملف رقم ج/ 302 في ارشيف الدولة).
ت ) ثانيا : نقل المهجرين لمواقع سكنية اخرى: قامت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة باقامة عدة هيئات رسمية مثل "سلطة اسكان اللاجئين" و "لجنة نقل السكان". وكانت تتسلم توصيات من السلطات العسكرية بهدف تحريك ونقل لاجئين، لا بل والسكان في بعض القرى القائمة، من مكان لاخر بهدف تسهيل الاستيطان اليهودي على اراضيهم. في الملف المذكور اعلاه ( ج/302 ارشيف الدولة) نلاحظ توصيات بشأن تركيز سكان قرية ترشيحا في معليا وسكان الريحانية في كفر كما، وكذلك خطة شاملة لاسكان المهجرين في مجد الكروم ( ملف رقم 19/2444 ) - ارشيف الدولة وفي سياق سياسة الحكومة تشجيع المهجرين على نسيان قراهم الاصلية والسكن في القرى التي احتموا فيها, قامت الدولة بارسال رسائل الى اهالي كفر برعم الذين سكنوا في بيوت مهجرين اخرين من قرية الجش، وتعتبر قانونيا من املاك القيّم على املاك الغائبين، تقر فيها الدولة بملكية هؤلاء المهجرين على المنازل التي دخلوها والتجأوا اليها بعد طردهم من كفر برعم . ب- اغلاق القرى المهجرة عسكريا : بموجب المادة 125 لانظمة الطوارئ التي ما زالت سارية المفعول حتى يومنا هذا, قام الحكام العسكريون للمناطق بالاعلان عن مناطق معينة شملت القرى المهجرة, كمناطق عسكرية يحظر على المهجرين وغيرهم دخولها دون اذن مسبق. كما تم استعمال هذه الصلاحيات لتعطيل قرارات صدرت من محكمة العدل العليا الاسرائيلية التي اقرت حق مهجري اقرث وبرعم والغابسية بالعودة الى قراهم .
ث ) ج- هدم القرى المهجرة : معظم القرى العربية المهجرة تم تدمير منازلها بعد قيام اسرائيل بسنوات عديدة لانها اسكنت بالمهاجرين الجدد. وحتى بداية السبعينات كانت بعض القرى او معظم احياءها، ما زالت قائمة كما ابقي في بعض القرى والمدن، على المساجد والكنائس والمقابر. ولكن في حالة اهمال متعمد. الغالبية العظمى من القرى المهجرة يستدل عليها من خلال بعض الاطلال هنا وهناك او من خلال ما تبقى من مقابر او من اشجار النخيل والصبر الذي كان يزرع عادة على اطراف القرى . د- توطين المهاجرين اليهود واقامة المستوطنات : قامت السلطات الاسرائيلية بحملة نشطة لزرع العديد من المستوطنات على اراضي القرى المهجرة , حيث قامت ببناء اكثر من 109 مستوطنة بين اوكتوبر 1948 وشهر اغسطس 1949, ولكن الاكثرية الساحقة منها بني على اراض مجاورة للقرى المهجرة، وليس على مسطحات البناء الاصلية للقرى، حيث وكما ذكرنا, اسكن المستوطنون في المنازل بعد طرد اصحابها. كما انه اطلقت على معظم هذة المستوطنات اسماء القرى المهجرة التي اقيمت بجوارها. فعلى اسم بيت دجن تم تسمية مستوطنة بيت دجون، وكيبوتس ساسا , نسبة الى قرية سعسع، وموشاب بيتست نسبة الى قرية البصة، وموشاب تسيفوري نسبة الى قرية صفورية، وموشاب عمكا نسبة الى قرية عمقا، وهكذا, ضمن سياسة خبيثة تهدف اظهار عكس الحقيقة, اي ان الاسماء العربية مستقاة من الاسماء العبرية .
لقد اقيمت معظم الكيبوتسات والموشابات, ان لم يكن كلها، على اراضي المهجرين واللاجئين الذين طردوا من وطنهم
نقلا عن arabs48.com
Bookmarks