محمد محمود الزبيري ( آبو الآحرآر .)
ولد محمد محمود الزبيري في حي "بستان السلطان" بصنعاء،
وهو أحد الأحياء التاريخية في صنعاء القديمة، عام 1918م
وهو من أسرة تنتمي إلى الطبقة الوسطى،
ويشتغل بعض أفرادها بالقضاء والبعض الآخر بالتجارة،
وقد ابتعدت بهموهبته عن اهتمامات أسرته، وأنشأته ـ منذ الطفولة الباكرة ـ
نشأة روحية متصوفة غيرميال إلى القضاء، وغير ميّال إلى التجارة".
وقد ذهب إلى مصر لإكمال تعليمه،فالتحق بدار العلوم،
ثم عاد إلى اليمن 1941م،
وقد خطب الناس جمعةً ـ في العام نفسه فدخل السجن،
وخرج من السجن عام 1942م، فاتجه إلى تعز ومنها إلى عدن.
وفي عدن ينشئ "حزب الأحرار" عام 1944م،
ثم يُغّيِّر اسمه بعد عامين إلى الجمعية اليمنية الكبرى".
وحينما شبت ثورة 1948م في اليمن عاد من عدن إلى صنعاء وزيراً للمعارف،
وعندما فشلت طورد، ورفضت الدول ا لعربية استضافته فاتجه إلى باكستان.
وحينما شبت ثورة 1962م في اليمن عاد وزيراً للتربية والتعليم في صنعاء.
وبينما كان يُلقي خطاباً في الأول من إبريل 1965م
أطلق عليه ثلاثة من الجناة النار،
فسقط مضرجاً فيدمائه الزكية،
وسقطت القيثارة التي كم شدت للحرية في الشعر العربي الحديث.
وللزبيري ديوانان من الشعر صدرا في حياته هما:
1-صلاة في الجحيم، 1960م.
2-ثورة الشعر، 1963م.
وقد صدر له ديوان بعد وفاته بعنوان "صوت الشعب" عام 1983م.
وقد صدرت أعماله الشعرية كاملة في مجلد واحد.
وله رواية بعنوان "مأساة الواق الواق"،
بالإضافة إلى بعض الكتب السياسية، منها:
1-الخدعة الكبرى.
2-خطر الإمامة على الوحدة اليمنية.
3-الإسلام دين وثورة.
4-وحدةالشعب، ودعوة الأحرار.
وله إلى جانب ذلك مجموعات من مقالاته وبحوثه السياسية والأدبية،
وتقع في عدة مجلدات. وغالبية مؤلفاته تدور حول القضايا اليمنية،
وتحريرالشعب اليمني من استعمار المواطن واستعمار الجهل والمرض.
ومن قصائده التي كتبها في مقتبل العمر ـ وهو في الثالثة والعشرين تقريباً ـ
قصيدة في ثلاثين بيتاً بعنوان "مصرع الضمير"،
فقد نصحه الأصدقاء والأهلون بعد عودته من مصر أن يلزم الصمت،
وأن يغض الطرف عما يراه أو قد يُشاهده من ظلم!
فكتب وهو يتمزَّق قصيدة من أصدق قصائد شعرنا العربي، يقول فيها
:
مُتْ في ضلوعِكَيا ضَميرْ *** وادْفِنْ حياتَكَ في الصدورْ
إياكَ والإحساسَ فالدنيــــاالعريضَــةُ للصخورْ
لا تنطقنَّ الحقَّ فهْــــــو خرافةُ العصْـرِالغريرْ
لا تنتصِرْ للشَّعْبِ إنَّ الشَّعْــبَ مخلوقٌ حقــــيرْ
لنْ ترتديغَيْرَ اللجــا *** مِ ولنْ تذوقَ سوى الشَّعيرْ
فإذا نَظَرْتَ دُجىًفأعْــــــلِنْ أنَّهُ الصُّبْحُ المنيرْ( )
ملاحظة: في وفاة الشهيد الزبيري ذكر د. محمد موسى الشريف
رواية مغايرة لما ذكرة الدكتور هنا..
وتتفق هذه الرواية مع شهادة الشيخ عبدالمجيد الزنداني ونصها "
اغتياله
ولما خاب أمل "الزبيري" في "السلال" أنشأ حزب الله
ليجمع فيه الجمهوريين والملكيين؛
لكنه لم يستمر إلا ثلاثة أشهر انتهت باغتياله،
واغتيل وهو مستعد لعقد مؤتمر في "خمر" عاصمة قبائل "حاشد"
التي كان زعيمها "عبد الله الأحمر" رئيس مجلس النواب اليمني السابق
من أجل كتابة دستور جديد لليمن،
فاغتيل في جبال "برط" وهو خارج من المسجد
بعد صلاة الجماعة سنة 1384هـ في ذي الحجة 1965م
ووفاء للزبيري اجتمع الشعب في مؤتمر وقرروا أن يكون الدستور قائماً على الإسلام،
ثم أصبحت الثورة بين مدّ وجزر إلى أن قيّض الله لليمن رجالاً
ثبّتوا فيه الإسلام وأبعدوه عن النزعات الناصرية، والقومية، والشيوعية."
نبذة عن حياته بقلم د. محمد موسى الشريف
تطلع إلى الإصلاح
وكان "الزبيري" يرحمه الله تعالى من طبقة الشباب المتطلعين للإصلاح،
وهي طبقة جهودها متصلة بجهود المصلحين اليمنيين ابتداءً من "إبراهيم الوزير"
المتوفى سنة 840 ، مروراً ب"المقبلي"، و"الحسن الجلال"،
و"الأمير الصنعاني" وانتهاءً بخاتمة المصلحين من العلماء العاملين،
ألا وهو الشوكاني المتوفى سنة 1250هـ،
وكان أولئك المصلحون قد حاولوا بكل جهدهم التقليل من العصبية الزيدية الشيعية
ونشر الوعي في المجتمع، فتطلع إلى عملهم "الزبيري" وأصحابه ممن يتطلعون إلى الإصلاح.
وهناك عامل آخر مؤثر في مسيرتهم الإصلاحية،
ألا وهو اطّلاعهم على تجارب الإصلاح في العالم الإسلامي وعلى رأسها تجارب "الأفغاني"،
و"محمد عبده"، و"رشيد رضا"، و"البنا"، وغيرهم من الدعاة والمصلحين.
وتثقف "الزبيري" وصحبه بأعمال "شوقي"، و"حافظ إبراهيم"، و"الرافعي"، و"العقاد"، وغيرهم.
اتصاله ب"البنا"
واتصل ب"البنا" الذي قرّبه وكان يرى فيه أملاً لإقامة الحكم الإسلامي الصحيح في اليمن،
هذا كله وعمره 22 سنة، وفي هذا دليل كبير على نبوغه المبكر.
مكث في "القاهرة" ثلاث سنوات
عاد بعدها إلى اليمن منتصف سنة 1360هـ/1941م مرحّباً به من طلابها وعلمائها،
واستقبله الإمام "يحيى" في مجلسه،
وقدم له "الزبيري" مشروعاً عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في 22 صفحة تحوي 37 مادة،
وأحاله الإمام للسيد "زيد بن علي الديلمي" الرئيس الأول للاستئناف العالي،
وشكلت هيئة قضائية لدراسته ورفع تقرير عن البرنامج وصاحبه.
وحدث أن خطب "الزبيري" خطبة بليغة في الجامع الكبير في "صنعاء"
نقد فيها الظلم والأوضاع السائدة فأمر الإمام بسجنه،
وسجن مجموعة معه من المطالبين بحقوق الشعب،
فمكث في السجن قرابة عشرة أشهر.
ثم كتب من سجنه قصيدة استعطف بها الإمام
وولي عهده "أحمد بن يحيى" حاكم "تَعِز" فأطلقه الإمام "يحيى"،
ثم طلبه الأمير "أحمد" ليكون إلى جواره هو و"زيد الموشكي"،
و"الشامي" وخطيب اليمن "أحمد محمد نعمان"،
وكان "أحمد" يشاطرهم همومهم ظاهراً ويطارحهم الشعر،
ويأمر بإخراج المساجين من رواد الإصلاح تودداً وتقرباً إلى الإصلاحيين،
ولقب "الزبيري" بأمير الشعراء، و"نعمان" بأمير الخطباء،
لكن سرعان ما اختلفوا وقال "أحمد" :
أريد أن أتقرب إلى الله بدماء هؤلاء الأدباء الجدد
. فهرب "الزبيري" ومن معه إلى "عدن" أوائل سنة 1363هـ/1943م،
حيث اجتمع الإصلاحيون وانتخبوا "الزبيري" رئيساً لحركتهم في "عدن"،
وأفاض في شعره في "عدن" بالمطالبة بالإصلاح والحرية ورفع المظالم.
الجمعية اليمنية الكبرى
أنشأ "الجمعية اليمنية الكبرى"، وكان للإصلاحيين اجتماع باسم نادي الأحرار اليمنيين،
وكان في الشمال تنظيمان "هيئة النضال" في "صنعاء"، و"هيئة الإصلاح" في "إب"،
وكان للتنظيمين اتصال بالحركة في "صنعاء"
فجمعهم "الزبيري" كلهم في "الجمعية اليمنية الكبرى"،
وفي تلك الأثناء زار "أحمد" "عدن" وأبدى استعداده للإصلاح،
لكن الحركة طالبته بجملة أمور كبرت عليه، ولم تنجح محاولة التوفيق بين "أحمد" والإصلاحيين.
أنشأت الحركة عدة صحف في "عدن" و"القاهرة"،
وانضم إليها الأمير "سيف الحق إبراهيم بن يحيى" في "عدن"،
وألقى بياناً قوياً في افتتاح الجمعية اليمنية الكبرى ينعى فيه اليمن
وجهه إلى الشعب وإلى الجامعة العربية،
فاتصل الإمام "يحيى" ب"جورج السادس" ملك بريطانيا، وشكا إليه ما يجري،
فسحب الإنجليز ترخيصهم لحزب الأحرار فانشق الحزب على نفسه،
وعاد بعض أفراده إلى "تَعِز"، حيث سجنهم "أحمد"، ثم ولاهم مناصب صغيرة،
ثم في ثورة سنة 1367هـ/1948م أعدم "أحمد" منهم جماعة،
منهم "زيد الموشكي"، وبعض المؤرخين يبرر
خروج البعض بأنه أمر مخطط له، وليس انشقاقاً.
وفي ذلك الوقت جاء من "القاهرة" الجزائري "الفضيل الورثلاني"
بتنسيق وتوجيه من الإمام "البنا"،
وأنشأ شركة للسيارات في "صنعاء" أتاحت له الاتصال "بيحيى" والتردد إلى "عدن"،
حيث يقيم "الزبيري"، وأثّر "الفضيل" في "الزبيري" تأثيراً بالغاً،
وعده "الزبيري" واحداً من عمالقة الإصلاح،
واستطاع "الزبيري" أن يجمع بيوتات مهمة في الأحرار "آل الوزير"،
و"آل المتوكل"، و"آل النعمان"، و"آل شرف الدين"، وشارك "الفضيل"،
و"البنا" و"الزبيري" ومن معه في إعداد "الميثاق الوطني المقدس" ا
لذي أظهر الإسلام شريعة مصدراً وحيداً للحكم، والشورى أساسه ، والنظام أسلوبه.
قيام الثورة
قامت الثورة على الإمام "يحيى" وقتل سنة 1367هـ/ 1948م
استعجالاً من بعض أفراد الإصلاح ، وكان هذا أكبر خطأ وقع فيه رجال الثورة؛
ذلك لأن حكم الأئمة قد رسخ في اليمن قروناً
فإن يقتل هذا الإمام على هذا النحو فهذا لا يرضي أحداً حتى "الزبيري" نفسه،
وقتلوا يحيى بعد أن جاوز الثمانين،
وهذا عامل كبير في تأليب القبائل على رجال الثورة بعد ذلك،
وقام "عبد الله الوزير" وسمى نفسه (إماماً على اليمن)
وسمى علياً ابنه (ولياً للعهد)،
وأرسل طلباً للجامعة العربية بإرسال وفدها إلى "صنعاء" من أجل تثبيت حكمه،
لكن "أحمد" استطاع تأليب القبائل على "الوزير" ورجال الثورة،
وحوصر في "صنعاء"، وفشلت الثورة،
وقتل "أحمد" عدداً كبيراً من الأحرار، وقتل "عبد الله الوزير".
الهروب إلى باكستان
وهرب "الزبيري" إلى "باكستان" التي قضى فيها خمس سنوات صعبة،
ومن العجيب أنه كان قد اضطرته الأحوال لبيع الأقفال والمفاتيح
في صندوق يضعه على صدره،
وفي ليلة من الليالي وهو يجول بصندوقه لقيه الشاعر الكبير
"عمر بهاء الدين الأميري" سفير "سورية" في "باكستان"
فرجاه "الزبيري" أن يكتم الخبر لكن "الأميري" أخبر "الرفاعي"
سفير الأردن في "باكستان"
فأبلغ الملك "عبد الله بن الحسين" فاتصل بالإمام "أحمد" في اليمن
وعرض عليه العفو عن "الزبيري" فوافق أحمد لكن "الزبيري"
رفض العفو إلا أن يشمل الجميع،
واتصل ب"الزبيري" شيخ الإسلام "شبير العثماني الباكستاني"،
والقاضي "محمد العمري" من قبل الإمام "أحمد" يطلبان منه العودة
وأقسم "أحمد" أن يضعه في أحسن المراكز؛ لكنه رفض
واشترط للرجوع إطلاق السجناء وإصلاح الأوضاع،
ثم عمل بوساطة شيخ الإسلام "شبير العثماني" أستاذاً بجامعة "كراتشي"،
وعمل مذيعاً ب"صوت باكستان العربي" وأقلع عنه الفقر فترة من الزمن،
لكن وفاة شيخ الإسلام، ووفاة وزير التعليم أرجعتاه إلى سابق عهده
من الفقر والضنك والعيش في كوخ حقير.
عودة إلى مصر
ولما قامت الثورة في "مصر" سنة 1372هـ/1952م
اتصل بسفيرها الشاعر "عبد الوهاب عزام" ووافقت "مصر" على عودة "الزبيري" إليها،
ومن صوت العرب تحدث إلى اليمنيين،
وأنشأ الاتحاد اليمني الذي عطله "عبد الناصر" (رئيس مصر في ذلك الوقت)
سنة 1376هـ /1956م ؛ لكن لما عارض "أحمد" الوحدة بين "مصر" و"سورية"
سنة 1378هـ/1958م بأرجوزة مشهورة سمح "عبد الناصر"
للاتحاد باستئناف نشاطه الصحفي والإذاعي،
لكن فترت العلاقة بينه وبين "عبد الناصر"
وذلك لأن "الزبيري" كان مسلماً صحيح الإسلام،
داعياً إلى الله، مكافحاً عن دينه ومثله لا يطيقه ذلك الطاغية.
قائد وموجّه
مكث "الزبيري" في "القاهرة" عشر سنوات احتضن فيها الطلبة اليمنيين،
منفقاً وقته وأكثر مرتّبه عليهم، شاداً لهم إلى دينهم وقضايا وطنهم،
وكان الشيخ "الزنداني" من أحب الطلبة إليه،
وقد لازم "الزبيري" حتى استشهاده،
يتبــع
Bookmarks