الاهداء : إلى روح الراحل (يحيى علي علاو)
بقلمي / الشاعر عمر محمد إسماعيل (زير المحبة)
(هنا كان يحيى..)
حزين هو الشعر بين الجمل
يتيم هو الحرف عند البكاء
أنين الدفاتر… لا يحتمل
وما لجراح سطوري دواء
فكيف سأرثي حبيبا ..وهل؟
تكون حروفي بحجم الرثاء
وكيف سأبكي شهابا أفل
وليست دموعي ترد القضاء
هنا كان يحيى ..ولما رحل
بكته المآذن قبل السماء
****
هنا كان يحيى مع الكادحين
أمام الحقول يشق الجداول
يرش الورود بماء الجبين
ويعجن تربتها بالأنامل
وقد كان يحرثها كل حين
وكان يزخرفها بالمعاول
فيطلع من كفه الياسمين
وتلتف حول يديه المشاتل
هنا كان في موسم الجائعين
يطحن في راحتيه السنابل
ليصنع كعك الهوى والحنين
وكان يوزعه في المداخل
على كل فرد من العابرين
على كل فم وراء المنازل
فيُطعم…الصبية الجائعين
وتأكل منه صغار البلابل
هنا كان يحيى مع العاشقين
في نكهة الحب، بين الرسائل
هنا كان في كل وجه حزين
يزيل الدموع برأس الأنامل
وقد كان رغم انقلاب السنين
جميلا..وما كان يوما مجامل
هنا كان في موكب الفاتحين
يهز الميادين مثل الزلازل
هنا كان في سكة التائهين
كنجم سهيل..يقود القوافل
وكانت عيونه للغارقين
بموج الشقاء ..شراعاً وساحل
****
هنا كان يحيى نبيلاً مناضل
يكافح من أجل شعب سجين
على الرغم من غطرسات السلاسل
وقد كان أيضا فريدا وكامل
فحين تراه بعين اليقين
تخال عيونه جنة بابل
تخال جبينه حديقة تين
وبستان فاكهة وتوابل
****
هنا كان يحيى كناي ٍ حزين
هنا كان مثل حمامة زاجل
يغني بلحن ٍ شجي الرنين
فتولد من شفتيه العنادل
****
هنا كان يحيى كوجه القمر
يطل هلاله..كل سنة
يشاطرنا لحظات السمر
فيحلو النشيد على الألسنة
وكان يفك حصار الضجر
بإيقاع ضحكته الفاتنة
****
هنا كان يحيى يقص الخبر
ويروي حكايتنا المحزنة
****
هنا كان يحيى كثير السفر
وقد كان كالغيمة المُحسنة
يسافر فوق خطوطِ الخريطة
فتلقاه كل القلوب البسيطة
بعزف الربابة والدندنة
****
هنا كان يحيى يحب السفر
على صهوة الريح والأحصنة
هنا له .. في كل شبر ٍأثر
هنا في العيون بنا مسكنه
هنا قد أخذنا ليحيى الصور
جوار السنابل والمطحنة
مع أغنيات رعاة البقر
مع باعة الفل والسوسنة
وراء الصحاري، على المنحدر
وفي ضفة الأنهرِ الآسنة
مع الحاصدين اعتنى بالثمر
ونسق أغصانها اللينة
وعند المقاهي القديمة مر
كرائحة ِالقهوة الساخنة
****
هنا كان يحيى يحب السفر
ويهوى التنقل في موطنه
هنا كان يمشي بأقصى الممر
فكانت ترافقه الأمكنة
وتحرسه غابة من شجر
وكان الحمام على المئذنة
يوصيه دوما بأخذ الحذر
وكان ينبهه بالخطر
وفي الليل كانت عيون القمر
تضيء له العتمة الداكنة
وكان دعاء أمه المؤمنة
إذا ما تصلي صلاة السحر
يجنبه من خفايا القدر
ويحميه من لدغة الأزمنة
فتُسقط عن جانبيه الحفر
وتغدو الطريق َ له آمنة
****
هنا كان يحيى كثير السفر
وهنا صهيل حصانه مر
كأنهُ أغنية ٌ في وتر
كأنهُ أنشودةٌ للمطر
كأنهُ غرغرةٌ في الحناجر
ولحنٌ حزينٌ في منقار طائر
تحدى الرياحَ وظل يسافر
فحط في آذاننا وأستقر
وغاص في أسماعنا كالإبر
Bookmarks