نعتقد دائمًا أن السياسة هي التي تصنع المشكلات و بالتالي فهي التي تحلها، و لطالما آمنّا أن النظام يتحمل كامل المسؤولية فيما يحدث لليمن، و كأن تغيّره سيفعل بالشعبِ مثلما تفعل العصا السحرية؛ فالعملة سترتفع و الأسعار ستنخفض و سنتحول في عشيّة و ضحاها إلى شعبٍ نظيف متطورٍ مثقفٍ عاملٍ و ستعود جحافل المغتربين للوطن و ستصبح اليمن دولة ذات سيادة و سلطة و قوة عسكرية، و ستنضم لدول الخليج " هذا الحلم الأخرق " و تمتد قائمة الأحلام التي لا يعثرها سوى النظام الحاكم متمثلًا في شخص علي .
و على افتراض أن النظام سقط اليوم، فمن البديل و من سيختار هذا البديل و هل الشعب مؤهلًا للاختيار أم إننا سنحتاج لدولة عظمى تأتينا بنظامٍ على مقاساتها الخاصة يحوّلنا إلى عراق أخرى ؟ لا أحد يمكنه الإجابة على هذا السؤال، في اليمن تُطرح الأسئلة فقط و تُطرح المشاكل و لا أحد يكلف نفسه عناء الإجابة أو البحث عن حلول .
الحقيقة هي أننا تحتاج لزمنٍ طويلٍ حتى نتخلص من سلسلة مشاكل لا حصر لها، هذا الزمن يحتاجه اليمن ليتخلص من جيلٍ كامل .. هو منشأ الخلل، و سقوط النظام لم يعد يُجدي ما لم نتخلص من عقدِ " الجيل " الذي نشأ خلال هذه الحقبة و على مدى ثلاثين عامًا؛ فهو جيلٌ مثقلٌ بالجهل و النكسات النفسية و الشعور بالنقص، كما أنه مستسلمٌ تمامًا و يبحث عن أقصر الطرقِ لتحسين المعيشة بدءًا بالقفز خارج أسوار اليمنِ هروبًا و انتهاءً بالشحذِ و إهانة الذات داخل اليمن أو خارجها، هذا الشعب الذي يريد أن تأتيه الدنيا على طبقٍ من ذهب و هو يقضم القات ليل نهار؛ بل يقضمه القات ثم يمجّه خارجَ حدود الحياة الكريمة .
المشكلة لا تنحصر في " نظامٍ " إذًا، بل في " شعب كامل " ! في تركيبة اجتماعية مهلهلة، في جهل سحيق، في قبلية تهدد مصيرَ الدين و المجتمع و العلم، في خنوع للعادات، في طبقيّة، في صحافةٍ غير نظيفة، في معارضة غير نزيهة، في مذهبية، في تخلف يضرب بجذوره في الأعماق، في وطنٍ ليس مهيأ ليكون وطنًا على الإطلاق، و فيه كل شيءٌ ممكن، بإمكانك أن تكون " أي شيء " .. لا تحتاج إلى أكثر من أن تجد الفكرة وتقرر فقط، و هكذا تسير الأمور في البلد الأعجوبة .. بلد الضجيج الأرعن و الفوضى و اللا قانون، لا شيء يحدث تبعًا لرؤية معيّنة أو هدفٍ ما أو خطةٍ مدروسة، حتى " كلمة الحق " لو قِيلت فإنها تُقال بشكلٍ مغلوط و بلغةٍ مبتورة !
كم حزبًا في اليمن و كم حراكًا و كم تجمعًا و كم صحيفة؛ فما هو تأثير كل هذا على الواقع ؟ لا شيء على الإطلاق سوى زيادة في الفوضى و إمعانًا في الزحام .
نحنُ بحاجةٍ إلى وطن حقيقيّ و لا أدري ما هي تصوراتنا لهذا الوطن الحلم ؟ كيف يريده الجنوبيون ؟ و كيف يريده الشماليون ؟ و كيف يريده " المشايخ " أصحاب الصوت النافذ ؟! و كيف يريده الفقراء و المسحوقون و كيف يريده المغتربون و الإسلاميون بمختلف الفصائل و ... الخ، و هل ستجتمع الإرادات لتحقيق مصلحة الوطن أم إننا سنظل ندور في حلقة مفرغة ؟!
لا أدري أخيرًا إن كان ما كُتِب بالأعلى من خواطر سريعة .. يُصنف ضمن الكتابة السياسيّة، إلا أنني آثرتُ وضعه هنا لأنني لا أحب السياسة و لا هي تحبني .
و السلام على الجميع .
Bookmarks