قصة الإنشاد في اليمن.. أجـيال من الـغـنـاء الجميل

[عادل الأحمدي]

قصة الإنشاد في اليمن أجـيال من الـغـنـاء الجميل

بلابل تسطر الآن إيقاعات الروح وتتفنن في شدوها على أغصان هذا الوطن.. جمهورها يزداد يوماً عن يوم وألقها كل يوم يتوهج.
أصوات ندية تعزف أحسن القول بأحسن النغم وتنافس بجدارة في حصد الإعجاب مكونةٍ واحدة من المؤثرات الهامة في نفسيات الرأي العام. مسطرة مشاعره ومنتظمة أوجاعه ومعبرة عن طموحاته ومناه.

إنهم الآن مجتمع كبير له مؤسساته وأسماؤه ومجالاته ورصيده الضخم وآفاقه المشرعة.
غير أن منابر الإعلام الرسمي مازالت تكابر بأنانية مفرطة وتحول دون أن يطل هؤلاء عبر منابر هي ملك لكل الوطن.

ثمة إبداع آسر يتوجب منا الوقوف إجلالاً واحتراماً أمام عطائه الخصب المتواصل.
ثمة مسيرة هادرة تحتاج منا إلى التوثيق والتقييم.. ثمة رسائل بالغة الرقي تحتاج منا إلى العرفان والإشادة.

عادل الأحمدي


مجتمع الإنشاد في اليمن أصبح الآن أمراً واقعاً يفرض نفسه على كل منصف ويخطو ماضيا في حال سبيله لا يعبأ بتجاهل الصحافة ولم يحبط لانسداد وسائل الإعلام الرسمي أمام إبداعه الساحر الجميل.
لابد لنا أن نقوم في البداية بشيءٍ من التحديد إذ أن ثمة ميراثاً من الإنشاد الديني اليمني منذ مئات السنين يعكسه إنتاج جمعية المنشدين اليمنيين وهذا القسم من الإنشاد ليس موضوع حديثنا هنا وإنما المقصود هو الإنشاد الوطني الذي تبلور مع بدايات الحركة الإسلامية في اليمن ونما بنموها ونشأ تحت ظلالها وهو الآن يشق طريقه بثقة كبيرة إلى الجمهور اليمني كافة بمختلف أذواقه وثقافاته وانتماءاته وأصبح مدرسة خاصة لها سماتها المميزة عن بقية الأقطار العربية. بل لقد فاق المدرسة المصرية والأردنية ولا أجدني مبالغاً إن قلت والسورية كذلك. رغم أن السوريين كانوا هم الرواد والأساتذة ليس في الشام فقط بل وحتى في اليمن في فترة البدايات.

البدايات

كما يشير الأستاذ أمين مرشد عاطف فإن تعز كانت المنطلق الأول للأنشودة اليمنية وتحديداً في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم التي أسسها الشهيد عبده محمد المخلافي. "وكان أول من صدح بصوته هو المنشد جلال وذلك في احتفال كبير حضره الرئيس المقدم إبراهيم الحمدي بأنشودة مسلمون".
يضيف عاطف في دراسة مضمونية له تنشرها المصدر في أعداد قادمة: "كانت البداية الأولى في المعاهد العلمية التالية:

-معهد تعز والمركز الإسلامي، معهد خمر، معهد الأقروض، بصبر-تعز، معهد ذو النورين الجعاش، ذي السفال-إب، معهد يحير- الرضمة، معهد أبو عبيدة بالحزم، وغيرها.

أهم المنشدين في تلك المرحلة:

المنشد داوود- صبر، محمد علي عبده- قعطبة، عبد الرزاق حميد قاسم عقيل- جبلة إب". إضافة إلى أمين مرشد عاطف نفسه الذي كان أيامها في سن الطفولة.

كانت المخيمات التي تقيمها الحركة الإسلامية هي الموئل الأول لنشوء فن الإنشاد الذي اتسمت بداياته بتقليد المدرسة السورية والمصرية كلمات وألحاناً حتى في جانب المضامين التي لم تكن تختلف قضاياها في البيئة اليمنية عن غيرها في البيئات العربية.

حيث كانت القضية الرئيسية للحركة الإسلامية هي إعادة ثقة الناس بالإسلام منهجاً رائعاً للحياة في مواجهة ضارية مع دعوات نشطت في نهايات النصف الأول من القرن العشرين تعتبر العودة إلى الدين تخلفاً وتدعو إلى إقصائه عن الحياة بشكل سافر وصريح.

من هنا بدأت بواكير الإنشاد اليمني الحديث إلى أن ظهرت المعاهد العلمية التي كانت هي البداية الحقيقية كما أسلفنا لنشوء المدرسة اليمنية التي تكونت عبر فرق مركزية في محافظات الشطر الشمالي سابقاً، وكانت الفرقة المركزية لكل محافظة تحوي منتخباً إنشادياً من المعاهد العلمية فيها، وكان برنامج "في رحاب القرآن الكريم" هو المتنفس الوحيد التي تطل منه هذه الفرق بإبداعاتها كل عام. ولعل الاستاذ مفضل اسماعيل غالب (النائب البرلماني حالياً) يعد من أهم الأسماء التي مان لها قصب السبق في ترسيخ دعائم هذا الفن تأليفاً وتقديماً. في حين يبرز اسم الأستاذ أمين مرشد عاطف كأول من نقل الأنشودة اليمنية من واقع التقليد والمحاكاة إلى واقع اليمننة.

علماً أن الأستاذ عبدالفتاح جمال قام بإعداد كتاب للأناشيد تمت طباعته ضمن مناهج المعاهد العلمية.
يعد الأستاذ مفضل رائد مدرسة الإنشاد في الحديدة وأمين مرشد في إب وقائد اليريمي في أمانة العاصمة ومن بعدهم انداحت الأسماء المتميزة إنشاداً وتلحيننا ومنهم قائد أبو هشام أمين حاميم نبيل حاميم وجميل القاضي، فواز الشهاب، عصام الحميدي صالح المزلم، سليمان العراقي، عبدالقوي حيدر، علي فائد الشميري، فهد القرني، خليل الأنسي، نبيل البيضاني، ناظم اليوسفي، خالد الضبيبي، عبدالرحمن قلالة، علي المراني، جميل الصبان، يحيى العمري، محمد سالم، ابراهيم الصباحي، إبراهيم حمزة، محمد الدحملي، الأخوان جعدان والتوأم الحسن والحسين، عبد القادر قوزع عصام المطري، محمد جابر، عدنان الورافي، وآخرون.

ثورة الكاسيت

ربما كان للإطلالات السنوية عبر برنامج "في رحاب القرآن الكريم" دور كبير في تأخر ثورة الكاسيت التي انفجرت بعد قرار التلفزيون اليمني بإلغاء فقرة الإنشاد من برنامج "في رحاب القرآن الكريم" ذلك الإلغاء الذي تم بالتدريج في النصف الثاني من التسعينات حيث اشترطوا في بداية الإلغاء عدم ذكر "اسم المعاهد العلمية في البرنامج" ثم بعد ذلك في العام الذي يليه قاموا بوقف التعامل مع معظم الفرق مقتصرين على الفرقة المركزية بإب وفي العام الذي يليه أوقفوا التعامل كلياً وتم سد الفراغ في فقرة الإنشاد في الأخد من إرشيف السنوات السابقة.

الأمر الذي كان له دور في ضمور بعض الفرق فيما حاولت البقية الاستمرار عبر أشرطة الكاسيت. من هنا بدأت مؤسسات الإنتاج الفني في التشكل وأخذت المواضيع الإنشادية في التنوع. طارقة القضايا الاجتماعية والسياسية. في ذات الوقت الذي حدثت قفزة مماثلة في الإلحان وكذا الأدوات الإيقاعية المصاحبة.

ويؤرخ البعض أن فرقة "الرشيد" بيريم بقيادة الأستاذ عبدالفتاح الوتاري كانت أول من طرق النشيد الاجتماعي بطابعه الكوميدي، تلتها فرقة الهديل بذمار التي تجاوزت الاجتماعي إلى السياسي، وكان شريط أغاني الشعب للفنان محمد الأضرعي شارة البدء التي أعلنت عن اقتحام الأنشودة مضمار السياسة.. تلتها بعد ذلك فرقة الجند الفنية بتعز بقيادة الفنان المبدع والمثقف فهد القرني.

حتى ذلك الوقت أمسكت فرقة السارة بالعدين وكذلك فرق الحديدة بزمام التميز في مجال الوجدانيات وأناشيد الروح والذكر بينما أعلنت فرقة الإيمان بجبلة ميلاد لونٍ كان هو الأكبر من حيث المحاكاة ألا وهو: "أناشيد الأعراس".

وعبر أناشيد الأعراس أمكن لكثير من الفرق أن تدر على نفسها شيئاً من الدخل المادي يعوضها عن قطع الدعم الذي كان من المعاهد العلمية، واحتلت أمانة العاصمة –حسب تقديري- المنسوب الأعلى في إصدارات الأعراس. ذلك أن المجتمع الصنعاني يعتمد في أعراسه على الإنشاد والمنشدين، ما كان سبباً في استمرار الزخم في العاصمة جراء ما تحصده الفرق من إيرادات مقابل إحياء الحفلات بعد أن تكون روجت لنفسها عبر الأشرطة.

في تعز لم يكن الأمر كذلك ما أدى إلى تراجع الزخم باستثناء فرقة الجند. في حين لا تزال محافظة الحديدة تحتل أدنى منسوب في دخل حفلات الأعراس.

فرقة الندى - إب، فرقة الخلود - صنعاء، فرقة الهديل - ذمار، منتدى الأفاق - صنعاء، فرقة المسرة - حضرموت، فرقة الخير - ريمة، فرقة السارة - العدين، والعديد من الفرق الأخرى. التي فرضت نفسها في الواقع وأوجبت قيام مؤسسات تتكفل بتسويق إنتاجها وعلى رأسها مؤسسة الضياء بقيادة الأستاذ حسين الصباحي ومؤسسة البيان التي يديرها الأستاذ حمود العواضي إلى أن بلغت أعداد فرق الإنشاد ومؤسسات الإنتاج بالعشرات محدثة نقلة هائلة من حيث المواضيع والألحان ومكتسحة شرائح واسعة من الجمهور أصبحت تحرص على متابعة هذا الفن وتتبع إصداراته. وقد أسهمت المواسم الانتخابية في توسيع دائرة الجمهور كما كان لوسائل النقل العامة في الخطوط الطويلة كالبيجوهات وغيرها فضل كبير في التعريف بهذا الفن، كما سنحت حفلات الأعراس المفتوحة على انتشار هذه الفرق التي جمعت ما بين الإنشاد والتمثيل.

استيعاب التراث

مع شيوع الأغنية السياسية برز تقليد طارئ على مجال الأنشودة وهو اعتمادها في تقديم مضامينها على الألحان المعروفة والشهيرة المستمدة من التاريخ القديم أو الحديث الأمر الذي أحدث خلافاً كبيراً حول صوابية هذا التحريف التي قامت به أول الأمر فرقة الهديل بذمار، ثم ما لبث هذا التحريف أن أصبح علامة إيجابية في مسيرة تطور الإنشاد اليمني. إذا أدى انفتاح المنشدين على أغاني التراث ومن ثَمّ إلى استيعاب هذا التراث. وحديثاً جداً انبثقت بعد موجة التحريف والتقليد فترة جديدة في صناعة الألحان الأصيلة نعيش الآن أزهى مراحلها.

وتعد لمسات الموسيقار أمين حاميم مضافاً عليها لمسات الفنان وهيب العوامي ذات أثر بالغ في الارتقاء بفنية الأداء. علماً أن عدم التعويل على الآلات الموسيقية كان له دور كبير في التركيز على حسن الأصوات. لتأتي سلسلة الأشرطة الإنتخابية للفنان فهد القرني لتكسر الحاجز تجاه الموسيقى علماً أن تعز كانت هي السباقة أيضاً في استخدام إيقاعات البيز والدرامز في فترة سابقة.

ولعل فضلاً كبيراً في نقاء الصوت وصفاء التسجيل يعود إلى لمسات استوديو الزبيري الذي كان ذات فترة الموئل الوحيد لخروج الكثير من الأشرطة وبدرجة عالية من النقاء.

أشرطة البنات

في النصف الثاني من التسعينات بدأت على استحياء الأشرطة النسائية في مجال الأعراس وكانت لا تباع إلا باحتراز شديد. علماً أن ثمة أشرطة متميزة جداً لمنشدات يمنيات لا تباع نهائياً في اليمن ويعد الأستاذ ناظم اليوسفي أول من تبنى تشجيع الإنتاج الإنشادي النسائي، وهنا لابد من الإشادة بأصوات متميزة كالأختين فاطمة مثنى ومنال مثنى، علماً أن ندرة الأصوات النسائية قد أسهم في رفع المقابل المادي لفرق الأعراس النسائية إلى أرقام كبيرة وهو ذات الأمر الحاصل في مجال الأغاني.

العصر الذهبي

المتتبع لواقع الإنشاد اليمني هذه السنوات يدرك أنه يعيش فترة متألقة تفتح أمامه أفاقاً واسعة جراء الانفتاح الإعلامي المحتوم في جانب القنوات الفضائية الخاصة التي سوف ترفع من أهمية كل الإصدارات السابقة محاولة إعادة الإنتاج ونقله من المسموع إلى المرئي. مضافاً إلى ذلك الخدمة التي صاحبت التطور التقني ممثلاً بالسيديهات ونغمات الجوال علاوة على شبكة الإنترنت التي أفردت لهذا اللون الفني مواقع متخصصة أشهرها صوت اليمن(ww.yemen-sound.com)
كما أن المشاركات الخارجية التي لمع خلالها عدد من المنشدين اليمنيين قد أرغمت السلطات على ضرورة الإلتفات لهذا لفن واعتباره الآن واقعاً يدعو للفخر والاعتزاز.

لا يعلم الكثيرون إلى أي مدى يعد الإنشاد اليمني رائجاً ومطلوباً في دول الجوار الخليجي وحتى الشام ومصر.. التي تقدر تطور الإنشاد اليمني وتثمنه بدرجة أكثر مما نثمنه نحن في الداخل.

أساتذة الكلمة

لقد توافرت كل عوامل تطور هذا الفن التي كان من أقواها وأروعها وجود كتاب وشعراء على درجة عالية من الروعة والإتقان بداء بالأستاذ عبد الرحمن القاضي ومفضل اسماعيل مروراً بمحمد الموشكي وحسن البنا ونايف الجماعي وصولاً إلى أستاذ القدير جمال أنعم والرائعين ماجد الجبري وعجلان ثابت اللذين وصلا بالأنشودة اليمنية إلى أعلى مستويات الإتقان في "عابر سبيل" و"سهيل اليمن".

ولهؤلاء جميعاً منشدين وملحنين وشعراء: "كم أنتم رائعون" وثقوا بأن إبداعاتكم وصلت إلى شغاف القلب وأطربت الفؤاد ومثلت سلواناً جميلاً في زحمة العذابات.

عنكم سوف يكتب التاريخ كلاماً رائعاً وتسطر الأجيال في صدورها شهائد تقدير وعرفان وعن قريب ستطلون من كل نافذة وتصلون إلى كل بيت بإذن الله. علماً أن كل ما صنعتموه حتى الآن هو إعلان صريح عن أنكم قادمون وعن أن زمناً جميلاً تناوشونه بأدب وإصرار وعن أن فناً راقياً سوف يملأ حياتنا بالجمال.. محاصراً كل قبح يمزق صورتنا الحاضرة.

أنتم وجدان هذا الشعب وسفراءه نحو أيام خضر ترتسم على الأذهان وفي القلوب. أحلاماً لا يحققها غير الشباب.

تحية لأعماركم التي سبقت أوانها.. تحية لأرواحكم المبدعة التي استعصت على الذوبان في زحمة الفوضى وأبت إلا أن تثمر في زمن الجدب وأن تصمد في زحمة الإحباط.. وليعذرني كل من لم أتذكر اسمه ذلك أنني أريد بهذه التناولة أن تكون مفتاحاً لتناولات قادمة يكتبها من هم أكثر مني معرفة واطلاعاً. ذلك أن الأهم هو أن لا يمر هذا الزخم الجميل دون توثيق وأن لا يجد هذا الإبداع من لا يثمنه ويقول بأنه وصل.

[عاشقة الإنشاد]

اخي عادل الاحمدي سلمت يمناك على ما كتبته
وسعدت بما قرأته
فعلاً الاصوات اليمنيه مميزه اينما كانوا بأدائهم وأصواتهم
وهناك الكثير من المنشدين اليمنين ومنهم ما ذكر أعلاه

والجميع يشهد بروعةِ الاصوات اليمنيه

لك مني كل الاحترام والتقدير لموضوعك الرآئع وما جاء بهِ
ولا تحرمنا مما لديك في ما يخص الانشاد

[عيون عربية]

مقال مفيد جداً وقيّم
يتناول و يؤرخ تاريخ الإنشاد في اليمن
ومراحل ظهوره وتطوره
ووصوله لماهو عليه الآن

شكراً لك أستاذ عادل
يستحق التثبيت

[حـارق خـارق]

نعم هكذا الانشاد اليمني

تسلم الخوي على الموضوع القيم

[همسات المحبة]

النشيد اليمني فيه سحر وربي
الى الان ماعرفت ايش هو
يمكن لانه مزيج بين الماضي والحاضر
والحضارة والاصالة

الاناشيد اليمنية ولحنها التراثي مميزة جدا جدا


احس فيه ذاتي
انا من محبي الانشاد اليمني
بشكل كبيييييييير جدا ..
وخاااااااااصة اللون التهـــامي والصنعاني..

سلمت أخونا عادل على المقالة
ومهما قلنا في حق الانشاد اليمني
فلن نستطيع ان نصفه
بوصف يستحقه.

دمتم بود ..