الجامع لمفردات الادوية
للطبيب // ابن البيطار
المقدمة
الحمد لله الذي خلق بلطيف حكمته بنية الإنسان، واختصه بما علمه من بديع البيان، وسخر له ما في الأرض من جماد ونبات وحيوان، وجعلها له أسباباً لحفظ الصحة وإماطة الداء، يستعملها بتصريفه في حالتي عافيته ومرضه بين الدواء والغذاء، نحمده حمد الشاكرين، ونصلي على أنبيائه أجمعين.
وبعد: فإنه لما رسم بالأوامر المطاعة العالية المولوية، السلطانية الأعظمية الملكية الصالحية النجمية، لا زالت نافذة في المغارب والمشارق، وأرزاقها شاملة لكافة الخلائق، وبواترها ماضية في قمم الأعداء والمفارق، بوضع كتاب في الأدوية المفردة تذكر فيه ماهياتها وقواها ومنافعها ومضارها وإصلاح ضررها، والمقدار المستعمل من جرمها أو عصارتها، أو طبيخها والبدل منها عند عدمها، قابل عبد عتباتها، وغذي نعمتها هذه الأوامر العالية بالامتثال، وسارع إلى الانتهاء إليها في الحال، ووضع هذا الكتاب مشتملاً على ما رسم به وعرف بسببه، وأودع فيه مع ذلك أغراضاً يتميز بها عما سواه، ويفضل على غيره بما اشتمل عليه وحواه.
الغرض الأول: بهذا الكتاب استيعاب القول في الأدوية المفرعة والأغذية المستعملة على الدوام والاستمرار عند الاحتياج إليها في ليل كان أو نهار، مضافاً إلى ذلك ذكر ما ينتفع به الناس من شعار ودثار، واستوعبت فيه جميع ما في الخمس مقالات من كتاب الأفضل ديسقوريدوس بنصه وكذا فعلت أيضاً بجميع ما أورده الفاضل جالينوس في الست مقالات من مفرداته بفصه ثم ألحقت بقولهما من أقوال المحدثين في الأدوية النباتية والمعدنية والحيوانية ما لم يذكراه، ووصفت فيها عن ثقات المحدثين، وعلماء النباتيين ما لم يصفاه، وأسندت في جميع ذلك الأقوال إلى قائلها، وعرفت طرق النقل فيها بذكر ناقلها، واختصصت بما تم لي به الاستبداد وصح لي القول فيه ووضح عندي عليه الاعتماد.
الغرض الثاني: صحة النقل فيما أذكره عن الأقدمين، وأحرره عن المتأخرين، فما صح عندي بالمشاهدة والنظر وثبت لدي بالخبر لا الخبر ادخرته كنزاً سرياً وعددت نفسي عن الاستعانة بغيري فيه سوى الله غنياً، وما كان مخالفاً في القوى والكيفية، والمشاهدة الحسية في المنفعة والماهية للصواب والتحقيق أو أن ناقله أو قائله عدلاً فيه عن سواء الطريق، نبذته ظهرياً وهجرته ملياً، وقلت لناقله أو قائله لقد جئت شيئاً فرياً، ولم أحاب في ذلك قديماً لسبقه، ولا محدثاً أعتمد غيري على صدقه.
الغرض الثالث: ترك التكرار حسب الإمكان، إلا فيما تمس الحاجة إليه لزيادة معنى وتبيان.
الغرض الرابع: تقريب مأخذه بحسب ترتيبه على حروف المعجم مقفى ليسهل على طالب ما طلب من غير مشقة ولا غناء ولا تعب.
الغرض الخامس: التنبيه على كل دواء وقع فيه وهم أو غلط المتقدم أو متأخر لاعتماد أكثرهم على الصحف والنقل، واعتمادي على التجربة والمشاهدة حسب ما ذكرت قبل.
الغرض السادس: في أسماء الأدوية بسائر اللغات المتباينة في السمات، مع أني لم أذكر فيه ترجمة دواء إلا وفيه منفعة مذكورة، أو تجربة مشهورة.
وذكرت كثيراً منها بما يعرف به في الأماكن التي تنبت فيها الأدوية المسطورة، كالألفاظ البربرية واللاطينية وهي أعجمية الأندلس إذ كانت مشهورة عندنا، وجارية في معظم كتبنا، وقيدت ما يجب تقييده منها بالضبط وبالشكل والنقط تقييداً يؤمن معه من التصحيف، ويسلم قارئه من التبديل والتحريف إذ كان أكثر الوهم والغلط الداخل على الناظرين في الصحف إنما هو من تصحيفهم لما يقرؤونه أو سهواً لورّاقين فيما يكتبونه.
وسميته: بالجامع لكونه جمع بين الدواء والغذاء، واحتوى على الغرض المقصود مع الإيجاز والاستقصاء، وهذا حين أبتدي، وبالله أستعين وأهتدي فأقول:
حرف الألف
آالسَن: اسم يوناني أوله ألفان، الأولى منهما مهموزة ممدودة، والثانية هوائية ولام مضمومة ثم سين مهملة مفتوحة بعدها نون، وبعضهم يكتبها بواو ساكنة بعد اللام، وبعضهم يحذفها وهو الدواء المعروف اليوم بالشام بحشيشة اللجاة وحشيشة السلحفاة أيضاً. ديسقوريدوس في الثالثة: هو دواء يستعمل في وقود النار وهو في المجس إلى الخشونة ما هو ذو ساق واحدة وله ورق مستدير وله في أصول الورق ثمر في شكل الترس ذو طبقتين فيه بذر صغير إلى العرض ما هو ذو ساق واحدة، وينبت في مواضع جبلية وأماكن وعرة، وإذا شرب طبيخه سكن البرد إذا كان بلا حمى، وإذا أمسك باليد أو نظر إليه فعل ذلك أيضاً، وإذا سحق وخلط بالعسل ولطخ على البثور اللبنية والكلف نقاه، وقد يظن به أنه إذا دق وصير في طعام وأكل منه المعضوض من كلب كلب أبرأه، وقد يقال أنه إذا علق في بيت حفظ صحة أناس كانوا فيه أو بهائم وإذا شدّ في خرقة حمراء وعلق على بعض المواشي سكن أوجاعها. جالينوس في السادسة: إنما سمي هذا الدواء بهذا الاسم أعني آالوس لأنه ينفع من نهشة الكلب الكلب نفعاً عجيباً وقد يسقى منه أيضاً مراراً كثيرة من قد تمكن منه الكلب واستحكم فيه إذا شربه وحده إلا أن فعله لما يفعله من هذا إنما هو بسبب خاصية جملة جوهره، وقد قلت قبل أن ما هذا سبيله من القوي إنما يدرك بالتجارب فقط من غير أن يكون في استدراكه شيء من الطرق الصناعية جارية على القياس، وأما معرفة قوة هذا الدواء الذي يمكننا استعماله في أشياء كثيرة فهي أن قوته تجفف باعتدال وتحلل، وتجلو أيضاً جلاءاً يسيراً ولذلك صار ينقي الكليتين ويذهب الكلف من الوجه، وقال في الأدوية المقابلة للإدواء عن ديمقراطيس: هذا النبت يشبه الفراسيون إلا أنه أخشن منه وأكثر شوكاً كما يدور ويخرج وردة يضرب لونها إلى الحمرة الكمدة وينبغي أن يلتقط هذا الدواء في وقت طلوع الشعرى العبور ويجفف ويدق وينخل ويخزن فإذا كان في وقت الحاجة إليه سقيت منه من عضة الكلب الكلب مقدار ملعقة بماء العسل أربع أواق ونصفاً. لي: زعم بعض الأندلسيين أن هذا الدواء وهو المسمى باليونانية آالوسن هو الدواء المعروف عندهم بالقارة بالقاف وذلك لمنفعته من عضة الكلب الكلب أيضاً وليس كما زعم بل هو الدواء الذي ذكرته وترجمت عنه فأعلمه والقارة هو الدواء المسمى باليونانية سطاخنوس وسيأتي ذكره في حرف السين. وذكر الغافقي: دواء آخر وسماه عشبة السباع وهو ينفع من عضة الكلب الكلب وقد ذكرته في حرف العين المهملة، وذكر أيضاً عشبة السباع هي الكراث بغير تشديد وليس هو المشدد الذي يؤكل ولا يشاكله وسنذكره في حرف الكاف. وذكر أيضاً دواء آخر قال: هو نبات يشبه الشبت شبهاً كثيراً في ساقه وورقه ورائحته ومنابته في أرض دقيقة رقيقة ذات حجارة، وله أصل طويل كالشلجم الطويل أو الجزر وطعمه حلو وفيه حرارة كثيرة، وإذا أخذ من لحاء أصله شيء ودق واستخرج ماؤه وسقي منه المعضوض من كلب كلب قدر درهمين في لبن حليب قيأه وينتفع به جداً. وزعم قوم أنه يسقي المعضوض الذي فزع من الماء وأشرف على الهلاك وينبغي أن يعصر الماء من ثلاثة أصول طرية، فإن لم تجد الأصل طرياً أخذ من أصله يابساً ويسحق ويسقى منه من زنة درهم إلى درهمين. بحسب القوة والعلة.
--------------
ترتيب الطبيب / عبدالله علي البهلولي
http://www.altbyb.com
Bookmarks