( جادك الغيث اذا الغيث لما يا زمان الوصل ِ بالأندلس ِ )
كم هي جميلة هذه المقطوعة الشعرية التي تعد من تراثنا الأدبـــــي
المعروف بالتواشيح والذي ولد في بلاد جميلة مثل الأندلس .... بلاد
ألبست الأمويين لباسا من الرقة واللطف بعد الغلظة والخشونة وجعلتهم
يتطبعون بطبائع أهلها ونشرت فيهم الوجدانيات والأحاسيس الجميلـــة
هذه التواشيح والتي بين أيدينا أشهرها بأسلوبها البسيط السلــســل
الذي يسر حفظها وانشادها وجعل الناس يتغنون بها قديما وحديثـــا
...............................
الفرق الشعبية عندنا في الخليج كثيرة ...وكثيرا ما تحرص على التراث
وتتغنى به .... ومن بين تلك الفرق فرقة من الشيوخ عندنا تجـــــــاوز
أعضاؤها الخمسين والستيـــن من الأعمار ... وقد بدا أثر الخرف على
الجميـــع .... وبعضهم الى الموت أقرب منه للحياة... وبعضهم مُــقعـد
لا يستطيع القيام -جاء به من يتولاه- و عددا منهم ممن فيه بقيــــــة
من الروح ولذة الحياة تجده حين يأخذه الطرب لا يتورع عن القيــــــام
والرقص المضحك لنا المحزن ربما لذويه الذين يخشون سقوطه ميتــــا
أو مغشيا عليه وترى مثل هذا يكابد ويجاهد نفسه في هـــز الــردف
ذات اليمين وذات الشمال وهو في عناء دائم مع اظهاره للنشــــــاط
المزعوم ويشبك يديه معا ويطرق أصابعه ويلعب برقبته وهذا كله حين
يشتد به الطرب وتأخذه ساعة الأنس...وزعيمهم الذين يعتمدون على
صوته الحاد وأسنانه التى لا تشك بصناعتها قد ذهبت الدنيا ببصــره
ولكنها وهبته هذا الصوت الحاد الذي به زاد فضلا على أصحابه واستحق
أن يكون صاحب الالقاء ..
تجلس هذه الفرقة بشكل دائري كعادة الفرق ولكنها لا تمتلك الآليات
الحديثة ... تجد أن أمام كل واحد من الأعضاء جرة من الطين للضــــرب
عليها وأحيانا يمكر علينا المخرج من خلف الكواليس فيشرك آلة اضافية
حزينة كالكمان على وتر هادئ حتى تخرج السهرة في أحســـــن
أحوالـــها ....
وهناك فرق بسيط في جلسة هذه الفرق بالنسبة للفرق الحديثــة
حيث يوجد عدد من الشيوخ في وسط الحلقة بجراتهم ومن هؤلاء
من يقوم للرقص عند الطرب والبقية الذين في الوسط آمنون أنه لن
يصيبهم شيئا برقصه من اصطدام مفاجئ أو ما شابه لبطئ الرقص
ووقته....
ومن أغاني هذه الفرقة المشهورة ( جادك الغيث اذا الغيث لما يا
زمـان الوصـل ِ بالأندلس ِ ... لم يكن وصلك الا حلـما.....الأبيات )
وأنا على يقين أن أكثر هؤلاء ان لم يكن كلهم لا يعي معاني هـــذه
المقطوعة الجميـلة وما أوحت إليه من رقيق الألفاظ ...
والغريب أن هذه الأبيات الموجعـــة والحزينــة تجد من هؤلاء القوم
من يهتز ويطــرب لها ولا يمنعه الطـــرب على مجاهدة النفـــس
والقيام بصعـــوبة للرقص وهز الردف وتحريك الرقبة و طرقعة الأصابع
واظهار حالة السرور والابتهاج على وجه متهالك وأسنان مكركبة
والله يعين أهله وهم يرونه ويدعون الله ألا يكون هلاكه في هــذه
الجلسة بما يبذله من جهد وعناء....
المنشد يبدأ بصوته الحاد ( جادك الغيث اذا الغيث لما )ويخفض
صوته بعد ذلك ليتابع رفاقه ( يا زمان الوصل ِ بالأندلس ) وهكذا في
كل بيت...
ويا ليت شعري... هل يعلم هؤلاء كيف كان زمان الوصل بالأنــدلس؟
والله لو كانوا يعلمون ما أنشدوا هذه الأغنية في آخر حياتهــــــــم
ولتمنــــــوا أن الأرض تنشق وتبلعــــهم قبل أن تنتقـل هذه الأغنية
بلسانهم وصورتهم الى من حولهم ومن خلال الفضائية الى العالم!
ولعل المخرج هنا لم يأت بفرقة من الشباب حتى لا يتهم بالكذب
والنفاق وجاء بهؤلاء الشيــوخ ليوحي للجميع أن هذه الفئــــــة
العمريــة ممن عاشت تلك الأيام المظلمة في الأندلس...
حبذا لو تم الالتقاء بالفرقة ومحاورة قائدها وبعض الأعضاء المهمين
من خلال برنامج خاص ولكنهم مغيبون عن هذه الفكرة .. ولو فتح
خط الاتصالات ورأينا العجــائز يتصلن ويثنين على هذا النشاط وووو
وتدرون ياجمـــــــــــــاعة .....
حالنا أو أكثرنا - في هذا الزمن المتخلف- لا يختلف عن حال
هذه الفرقة ....
يصيـــــــــــح....... ويصفــــــق..... ويهتــف ....
وهناك من يحمل الشعـــــــارات.....
ومن يحشر نفسه بين الصفـــــــوف.....
وهو يعتقد أنه وافق السنة وكسب رضا الرب والناس !!
( خرابيط مودع قلبه 1/2004)
Reply With Quote
YeMenYah 
~ في صـــنــعــاء عنواني
Bookmarks