دكتور عماد البياتي
منذ الصغر..
وأنا أسمع عن كتاب غينيس للأرقام القياسية والذي يضم أعلى الأرقام التي وصلها بعض الناس من ذوي المواهب المميزة وفي مختلف مجالات الحياة. فهذا الكتاب يظهر مقدرة الإنسان الذهنية والبدنية الخارقة والقدرة على الصبر والاحتمال والمثابرة المتميزة في أنواع وأشكال وطرق وفنون وجنون شتى، ويتضمن كذلك بعض الأمور العجيبة جدا والتي تمثل مستوى الانحطاط الاجتماعي والاخلاقي الذي وصل إليه بعض الناس وبعض المجتمعات وبتشجيع ومباركة من طبول الإعلام العالمي النافذ ومقلديه بغباوة عجيبة دون تمييز وتمحيص.
قبل فترة من الزمن..
وأنا أتجول في مكتبة مدينتنا العامة وقع نظري على طبعة جديدة من هذا الكتاب الموسوعة، ورحت أقلبه بدافع الفضول وبحذر، لأني أعرف ما يمكن أن أجد فيه من صور بذيئة مخلة بالدين والشرف والغيرة، فوجدت الكتاب غاية في الروعة من حيث الطباعة والتنضيد والإخراج، ولم أرى من قبل كتابا بهيئته وترتيبه المميز جدا. ولكن المحتوى فيه الغث والسمين وفيه المندوب والمباح والمكروه والحرام (ملاحظة: استعرت هنا بعض المصطلحات الشرعية لقوتها اللغوية في التعبير عن المعنى المراد ولا أريد بها عين المصطلح الشرعي لأني غير مؤهل علميا وشرعيا لاستعمال هكذا مصطلحات شرعية) وفيه الأمور المهمة التي تستحق الاهتمام والتشجيع وأمورا عامة وأمورا تافهة وضيعة وأخرى أقيمها كجرائم أخلاقية واجتماعية مميزة سطرت في هذا الكتاب الشهير كأفعال مميزة تستحق الإعجاب والاحترام!!.
أغلقت الكتاب..
ووضعته في مكانه وذهبت إلى غايتي وشغلي ولكن بعض الأفكار الدائرة حول هذه الجولة السريعة في الكتاب بقيت تعمل وتتطور.
حاولت..
أن أركز فكري على الأمور المهمة والمميزة حقا والتي تستحق الاهتمام العالمي والتشجيع والتسجيل لدفع الناس إلى التنافس فيها وتطوير المواهب والقدرات للوصول إلى هكذا تميز محمود ومفيد ومثمر.
فكرت أولا..
في العلم وفي مختلف مجالاته واختصاصاته وفروعه، وقلت: نعم، هذا الذي يجدر بالإنسانية ومجتمعات العالم المختلفة أن تهتم به وتسخر له هكذا مشاريع وموسوعات. ولكن هذا هو ما موجود حقا ومعظم دول العالم بمؤسساتها العلمية والبحثية والتجارية تجري الآن في سباق محموم وتنافس قوي وعلى أشده من أجل التسابق العلمي والاكتشافات والاختراعات العلمية الجديدة ولغايات سياسية وعسكرية واقتصادية أو ذاتية مختلفة.
وبعد تشوش ذهني..
وارتباك فكري وحيرة بليدة تذكرت بأن أرجع إلى الله لأطلب منه العون في ترتيب هذه الأفكار والتصورات لأخرج منها بتصور صحيح وراسخ لا جدال معه فتذكرت الآيات الكريمة في القرآن الكريم، سورة المطففين، والتي تتحدث عن صنف مميز من الناس يوم القيامة وهم الأبرار وما لهم من منازل عالية ومن نعيم عند ربهم ثم تأتي الآية الكريمة الفاصلة لتقرر، بسم الله الرحمن الرحيم: (ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.) (المطففين:26).
نعم، الآن فهمت..
فكل عمل مميز في الدنيا وموافق لشرع الإسلام الذي أمرنا الله الخالق باتباعه ويرفع صاحبه ويؤهله بأن يكون في درجة الأبرار يوم القيامة هو الذي يستحق التشجيع والاحترام وايجاد المشاريع التي تحث عليه وتدفع له وطباعة موسوعات راقية جميلة لتدوينه دفعا للتنافس الصادق الصحيح فيه، وهذه الأعمال قد تكون عبادية أو أخلاقية وضمن باب المعاملات أو علمية فكرية أو رياضية بدنية أو غيرها، المهم أن تكون موافقة للشرع ومفيدة للناس ومثمرة (ملاحظة: جزء الجملة الذي جاء بعد كلمة "الشرع" لا يضيف معنا جديدا لأن الشرع لا يأمرنا إلا بالخير والمفيد والمثمر وإنما قلته للتأكيد والتوضيح).
وكل عمل مميز في الدنيا يخالف الشرع ويضر بالناس وبحياتهم وصحتهم وأخلاقهم بكافة مجالات حياتهم (إنظر إلى الملاحظة السابقة التي تنطبق هنا أيضا ولكن ضمن المفهوم السلبي لا الإيجابي) هو عمل تافه حقير مهلك لا يستحق التشجيع والتسجيل والاهتمام وانما يستحق المحاربة والمكافحة ـ محاربة ومكافحة الأفكار والأعمال لا الأرواح وضمن ضوابط الشرع الحنيف ـ وإيجاد المشاريع والمطبوعات والموسوعات للتحذير منه وفضح شروره ومساوءه.
تمنيت بعد هذه الأفكار..
لو عندي موسوعة كموسوعة غينيس أقرأ فيها أعمال وأفعال الناس المميزين حقا فأفرح بها واندفع لها وتهديني لكل خير لأكون من الأبرار وأحضى بمرتبتهم العالية واتنعم بنعيمهم الجميل وأتنافس مع هؤلاء المميزون في ذلك.
وبعد انتباهة..
من غفلة عميقة ضحكت على نفسي وعلى غفلتي العجيبة. أعلى الناس مرتبة وتميزا هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولكنهم مصطفين من قبل الخالق ولا يملك أحد منافستهم ولكن باب الاقتداء مفتوح للعقال الأذكياء المميزون من البشر. ثم الصحابة الكرام وهاهي موسوعات سيرهم وأفعالهم المميزة موجودة بين أيدينا فهلا انتبهت لذلك. ثم تابعيهم والمقتدون بهم وصفوة الخلق بعدهم، إقرأ أفعالهم وصفاتهم وتنافس معهم إن شئت في ذلك.
نعم.. موسوعة "صفة الصفوة"..
العظيمة المفيدة المثمرة خير لي من ملء الأرض من موسوعات غينيس التافهة الوضيعة الغبية ومن أمثالها وأشباهها.
نعم..
علي أن أكون منتبها وعاقلا وذكيا ولا أنخدع بالمظاهر والقشور والطباعة الجميلة المميزة والاهتمام الاعلامي العالمي المضلل، فـ "صفة الصفوة" يكفيني ويغنيني وينجيني إن أردت التنافس في الخير والنجاة في الدنيا والآخرة.
Reply With Quote
Bookmarks