ها أنا أعود إلى عدن بدونك …
أوّل مساء أقضيه بعيدة عنك بعد سفري …
أسحب كرسيا و اجلس في الشرفة الشرقية التي تطل على الحديقة ،ذلك المكان الذي تحبّه و الذي طالما جلسنا فيه معا …. كان الوقت غروبا و كانت الشمس تتباطأ في لمّ أشّعتها و الرحيل لا تريد أن تفارق النهار بسرعة
و أنا كيف فارقتك بتلك السرعة ؟
مازال عتابك يرّن معذبا في أذني :
" ببساطة ترحلين و بصعوبة تعودين " أذكر أيضا أنك كتبت لي في إ حدى رسائلك : " …………آلان منتصف الليل أستمع إلى فيروز … أرى عينيك …. و هما أجمل ما رأيت في هذا النهار…. غدا صباحا أتّصل بك ….إشتقت إلى سماع صوتك … أنت يا من لا تشتاقين لشئ ….."
هكذا ختمت رسالتك
أطوي ورقات الرسالة ،أعيدها لظرفها
أبتسم !…
أصحيح أنني لاأشتاق لشئ ؟ أم أنني أمتحن بك الإخلاص ؟ و أكذب بك ذلك المثل الفرنسي القائل " بعيد عن العين بعيد عن القلب "
ألست أ نت القائل في كتابك "عين السحاب " :
" ….نسافر لنبلغ الذين نحبهم أننا لا نزال نحبهم و ان البعد لايقوى على دهشتنا و أن المنافي لذيذة و طازجة كالاوطان نسافر ليكون الوداع مليئا بالوعود …."
بين طائرة و طائرة أحاول عبثا حفر هوة لأردم بها حبا لا أريده ان يعيش على أسلاك الكهرباء …و إنتظار رنين الهواتف و إذا كان الفلاسفة قد إكتشفوا أن الانسان إنما خلق اللغة ليخفي بها مشاعره فالانسان أيضا قد إخترع السفر للهرب من مشاعره …. و لكن ها أنا كلما تدثرت بالسفر يعرّيني الحنين …
من قال أننا نسافر لننسى ؟ في السفر نحمل معنا حقائبنا ووجوه من نحب تندس خلسة بين طيّات ثيابنا ….
و ها أنا أراك في كلَ فستان ألبسه …و في رائحة كلّ قميص … فكل سفر و انت حبيبي !
(2)
الى عينيك
حبيبتى
تحية صباحية مشرقة كشمس السواحل فى الجنوب..
رسالتكِ لم تصل مظلمة فالمرآة قد عكست ومضات طيفكِ في غربتي الجديدة. لا تعجبي من كلمة "غربتي" التي أصبَحَت في وطني قارورة ً مختنقة في أنهر ٍ مرتحلة .. فالقبلات تسقط في المسافات القريبة قبل أن تفوح، والأرواح تتوق الى التحليق في مساحات الحرية حين يصبح الوطن سجناً كبيراً.
أستمع الى خربشات قلمكِ في وحشة الظلام .. هي نغمات تحادثُ وحدتي وحفيفُ أوراقِك ِ همسات تؤنس فراغ َ غرفتي الصامتة.
آه لو تدرين كم من مرة ٍ حاولتُ جمعَ أبطال روايتي التي لم أكتب نهايتها بعد .. إستحضرتُ كل ما آمن به الملايين من البشر: .."الآلهة وتعاويذها" أغنيات المطر على ساحل البريقه وبساط الخريف المتألم تحت أقدام الغرباء والتجار، في عدن … وفكرتُ .. كم يلزمنا من الوقت كي ننسى ونرتاد جزر الصمت ؟! كم بقيَ لنا من الأناشيد قبل أن تهجرنا ترسبات الحنين ؟!
عدن! يا صيحة مجنون واستغاثة غريق في زمن شحَّ فيه كل شيئ الا الدين.
تسألين عن فتاتي أم عن الكرة التي تدحرجت مثل قلبي في عري المدن وفوهات غدرها ؟! فتاتي المستيقظة الحاضرة كالملاك في حلمي ..الهاربة دائماً .. راكضة ً محتضنة ً كرتها في ضجيج يقظتي، لم أُسقِطها في الإمتحان إنما فشلتُ أنا في الإختبار والإختيار.. وها اني اليوم أعتلي كرة تسبح في حمم بركان الرحيل أو اللارحيل من جديد.
كم أوهَمَـتني شجرة ُ التاريخ بالحياة ! أراها واقفة ً على حافة تلك البحيرة، تنده لحياتها التائهة بين صفقات اتفاقات شائكة واحتضارات الأحلام في خيبات "تسميات" شعبي المنتظر آلهة جديدة متمردة !
شجرتي .. لم تمت لكنها أصبحت خشباً عتيقاً في حانات تصحو وتغفو على "وشوشات" التاريخ.
نعم .. لا زال الماضي يتراقص مع الحاضر على "قشعريرة" مياهك غير الصامتة في فكري.. تمطرين وجوهاً، تستحمـّين بالصور وتراقصين مدني على رؤوس أصابعك قبل نضوج الفجر، فتنهرني الشمس لحبسي لها في حلمي وحلمكِ حتى الصباح.
عزيزتى
افتقدتك دائما"
فهل تتكرمين بوصالى الليله على قارعه الاحلام
مازلت اتوق كثيرا" لضمك الى صدرى والنوم بين ذراعيك
رائعه انتى كمدينتى عدن لا تجيد سوى لغه الحب
وهادئه انتى كعصافير الكمسرى تغرد صباحا" على نوافذ بيتنا
فلا تنسى انت تكون الليله فى الموعد
نورس الجنوب
ميتشجن
الى من تنتظر عودتى للجنوب فى ذكرى عيدنا الحزين (الاهداء الثانى )
Bookmarks