اليمن الامريكي
شيء اسمه اليمن
سحر مندور
ستة أصدقاء يعيشون الحياة السريعة في مدينة نيويورك. ذلك هو موضوع برنامج
<<فريندز>> (أصدقاء) الكوميدي الذي يبث منذ العام 1994، وهو من إنتاج شركة
<<وارنر براذرز>>. هو مسلسل كوميدي عرفه شباب العالم أجمع، على مر عشرة مواسم
انتهى آخرها العام الماضي نهاية سعيدة ومستقرة بعد طول <<مغامرة>>.
ما الذي يمكن أن يربط هذا المسلسل بجمهورية اليمن العربية التي تقع في جنوب شبه
الجزيرة العربية، وعاصمتها صنعاء؟!
في حلقة الأسبوع الماضي، وقد بثتها شاشة <<وان>> الفضائية، يضطر <<تشاندلر>>
(أحد الأصدقاء) إلى الكذب على حبيبة سابقة، في محاولة للهرب من علاقة تأبى
إنهاءها، بأقل كلفة نفسية ممكنة. يخبرها بأن شركته انتدبته للعمل في أحد فروعها
خارج الولايات المتحدة. يعتري الصديقة حبور شديد وهي تعدد العواصم التي ستنتقل
إليها برفقته: باريس، لندن، فيينا، روما، أثينا.. وفي محاولة يائسة لفصل مصيره
قدر المستطاع عن مصيرها، حدد لها بلداً بسرعة: اليمن. اليمن؟! أصيبت بالإحباط.
كأنه سيرسل إلى سجن بلا ماء ولا هواء، إلى منطقة لا ينمو فيها الهامبرغر، كأنه
ذاهب إلى الحرب، وتالياً من المستحيل على الأنثى اللحاق به. إنه الحب الذي يقوى
على كل شيء إلا على صعوبة
العيش في شيء يسمّى <<اليمن>>.
تتطور الكذبة وهي تصر على مشاركته اللحظات التي تفصله عن السفر كلها. يوضّب
شنطته، يتوجه إلى المطار، يبتاع تذكرة السفر، ينتظر موعد إقلاع الطائرة، وهي
معه. يحاول أن يتهرب منها، لكنها هنا. تحين اللحظة الحاسمة، الخطر يقترب، فيبدأ
العرب بالظهور في المشهد:
كوفيات حمراء وسوداء، رجال ببشرة سمراء، بطون منتفخة، سيدات محجبات، جلابيات...
إنه المشهد العربي، وهو فعلاً عربي، ينذر بما <<يتربص>> بالشاب النيويوركي في
المستقبل. مشهد عربي يمكنك أن تعرفه سريعاً ما إن تراه، و<<تشاندلر>> مظلوم
بينهم، لا يبدو جلياً في المشهد ما إذا كان حزنه ناتجاً عن اضطراره للسفر تحت
ضغط الصديقة أم أنها وجهة السفر ونوعية زملائه في الطائرة. تنتهي الحلقة به
معلناً: إلى اليمن. يبدو من شكله أن الحزن مرتبط باليمن، تحديداً. أوصلته كذبته
إلى قعر الهاوية: اليمن.
خلال الثمانينيات، كانت بيروت تحتل هذه المرتبة في الأفلام الأميركية، بين حين
وآخر. تجد ضابطاً يروي مأساته في <<بيروت التي تقتل الأميركيين>>، تجد آخر
يُعاقب بالنفي إلى بيروت <<الجهنم المفتوحة على أهلها وعلى الوافدين>>. في هذه
الأثناء، كنا نحن نعيش بيروت. كان ممتعاً ورود اسم عاصمتنا في فيلم أميركي بعيد
وطويل. وكان مزعجاً وروده على هذا النحو في حين أننا نجتهد لعيش الأيام وكأنها
عادية.
<<فريندز>> مسلسل كوميدي، الحياة فيه تشبه كثيراً الحياة التي يشتهيها كل
<<الأصدقاء>> في العالم، يضحكون كثيراً، يتعاونون دائماً، ليسوا <<ملائكة>>،
لكنهم شديدو العلاقة بالحياة الحسية، يكذبون، يخطئون، يخونون، يضحكون، والنهاية
كالبداية سعيدة.
المتفرج العربي الشاب يتواطأ دائماً و<<الأصدقاء>>، مثله مثل معظم المتابعين
لهذا البرنامج في العالم، والذين يحفظون تفاصيل النكات ويبنون مواقع على
الإنترنت تؤمن، لمن ينقصه خبر، الخبر. هل سيضحك هؤلاء مجتمعين، العرب والآخرين،
من اليمن، بينما اليمن يقبع بهدوء فوق أرضه، لم يتحرّش بأحد، يعيش إيقاعه
البطيء، لا يفجّر أبراج أحد؟
يصاب الصديق بالصدمة إذ أن صديقه ذاهب إلى اليمن من دون أن يبلغه، يخبره الصديق
بأن الأمر كذبة، فيضحك قائلاً: <<حتى اسم البلد يبدو وكأنه حقيقي!>>. اليمن
ليست موجودة بالنسبة إلى الصديق الأقل ذكاء، وهي منفى بالنسبة إلى أكثرهم ذكاء.
لكنها تقع في جنوب شبه الجزيرة العربية، بالنسبة إلى متفرج يتشارك واليمن
حدوداً أو لغة أو اهتماماً.
هذا اعتداء على اليمن.. لم يشجبه أحد، افليس فيه ما ينذر بلا سامية المسلسل
منقووووووووووووول عن مجموعة arab nationalist
Bookmarks