لماذا توقف استهداف الجنود في الجنوب..؟!!.
عبد الرزاق الجمل ـ صحيفة الناس
طوال شهر رمضان المبارك واستهداف الجنود في بعض المحافظات الجنوبية، قائم على قدم وساق، إلى درجة أن أكثر من ثمانين جنديا لقوا حتفهم في أكثر من ثلاثين عملية متتالية، مع العلم أن مقتل هذا العدد الكبير من الجنود لم يكن خلال اشتباكات أو ملاحقات أمنية، كما يحدث عادةً..
كنت قد تناولت الموضوع النقيض في وقت سابق تحت عنوان "من يقتل الجنود في الجنوب.؟" وحاولت أن أبرئ القاعدة من مثل تلك الأعمال، مستندا إلى التاريخ والأدبيات الخاصة بالجماعة، إضافة إلى تاريخ وأدبيات الفوضى ومناطقها ومنطقها، كما قمت بالرد على الذين تحدثوا عن التغيير في إستراتيجية القاعدة..
وأنا هنا لا أعود لأدلل على صحة ما ذهبتُ إليه، بل لأتحدث عن ظروف الفوضى الملائمة لكل ما هو خارج عن القانون، ولأقول بأن اللاعبين في مثل هذه الظروف قد يكونون بعيدين عمن توجه لهم التهمة، فكشوف الماضي مليئة بالخصوم، والإنسان، بغريزته، انتقامي ولا ينسى بسهولة، إضافة إلى وجود مشاريع أخرى خفية تعمل على هامش الخصومات والمشاريع الموجودة، وهي قادرة على تجاوز الاحتياطات، لأنها لم توجد لها أصلا، ولهذا حضر مضمون هذا المثل بقوة: "من مأمنه يؤتى الحذِر"..
حتى التجمعات الظاهرة التي تتبنى النضال السلمي، ستستغل تلك الحالة لصالحها، وستمرر الكثير من العمليات مادام أن تهمتها ستُوجه رأسا، وحتى قبل إجراء أية تحقيقات فيها، إلى جهات معروفة، وهو ما يحدث تماما، ولنفس الأسباب، بدليل أن ظهور أية شكوك حول علاقة تلك التجمعات بالعمليات، سيجعلها تخف أو تقلع، وسيضطرها كذلك إلى التأكيد على التزامها بمبادئها وخياراتها المعلنة..
وهذا يفاقم الأمر جدا، لأن الإجراءات الأمنية ستُتخذ ضد جهات قد تكون بعيدة كليا عن تلك العمليات، وفتح جبهة مع عدو آخر في ظل حالة أمنية متدهورة، سيُعقد الأمر على السلطات، تماما كما سيسهله على الجهات الأخرى..
وما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن عمليات استهداف الجنود في الجنود، وبتلك الطريقة، خفت كثيرا بعد شهر رمضان، وتزامن ذلك مع توتر غير مسبوق للعلاقة بين الحكومة اليمنية وتنظيم القاعدة، وكان يُفترض، في مثل هذه الأجواء، أن ترتفع وتيرة العمليات ضد الجنود في الجنوب والشمال، إن كانت القاعدة تقف وراءها فعلا..
لكننا شاهدنا عمليات من نوع آخر تماما، وتحمل بصمات القاعدة دون ريب، أي أن هذه العمليات ليستْ امتدادا لما حدث في رمضان على الإطلاق، بل كانت وليدة للإجراءات الرسمية التي تلت تلك العمليات..
لقد كثَّفت القاعدة من عملياتها ضد المسئولين الأمنيين، وأثبتت قدرتها على الوصول والرد بقوة، في الوقت الذي تريد وبالطريقة التي عُرفت بها. أقول هذا حتى لا يُقال بأن توقف العمليات ضد الجنود كان له علاقة بتأثير الضربات العسكرية عليها..
وعلى الرغم من أن إعلان إخراج تنظيم القاعدة من لودر والحوطة قد يقضي عليها كشماعة يعلق عليها الآخرون عملياتهم، وهذا أمر إيجابي بطبيعة الحال، إلا أن عملياتها وهي خارج تلك المناطق، باتت أشد وطأة..
الشاهد أن ردة فعل القاعدة لم تتجه صوب الجنود، رغم سهولة الأمر، ورغم أن الإجراء ضدها من قبل السلطات كان ردة فعل على عمليات استهداف الجنود، بل اتجهت نحو أهداف كبيرة وصعبة، داخل تلك المحافظات وخارجها، فخلال شهر واحد، تم استهداف أكثر من مسئول أمني في محافظات أبين ولحج وشبوة وحضرموت وصنعاء..
وفي تسجيل صدى الملاحم الأخير، قال القيادي القاعدي قاسم الصنعاني، بما معناه، إن عملية صنعاء ضد موظفي الأمن السياسي، جاءت كردة فعل على ما قامت به الحكومة مؤخرا في بعض المحافظات الجنوبية ضدهم..
كان بإمكان عمليات القاعدة الأخيرة ضد المسئولين الأمنيين أن تكون "فعلا" لا ردة فعل، كالتي استهدفت الجنود في شهر رمضان، كما كان بإمكانها أن تكون امتدادا لتلك وتستهدف جنودا آخرين، في الجنوب أو الشمال، لكنها لم تكن بذاك الشكل..
استهداف القيادات الأمنية مشروع قاعدي بحت، ولا يعني وصفنا للعمليات الأخيرة بأنها ردة فعل، أنها لم تكن لتحدث لو لم يثرها الفعل الرسمي، فالفعل الرسمي الذي جعل القاعدة تتبنى مشروع الاستهداف هذا، آخر تماما، وله علاقة بمشروع صراع القاعدة مع الغرب وبمشروع الغرب في المنطقة العربية، لكن العمليات كانت ستتأجل قليلا، أي أن الحكومة كانت ستوفر على نفسها صراعا شرسا مع جبهة أخرى شرسة..
قد يقول قائل: ولكن ما الذي كان يتوجب على السلطات فعله لإيقاف تلك العمليات ضد الجنود إذا بقيت تلك الشماعة.؟.. كان بمقدور الحكومة أن تقوم بهذا الدور إعلاميا، لكن إعلامها الرسمي لعب الدور النقيض تماما..
المهم في الأمر هو أن استهداف الجنود في تلك المحافظات انحسر كثيرا في الآونة الأخـيرة، وبطبيعة الحال فلا علاقة لذلك بالمعارك التي خيضت مؤخرا، والأهم من كل ما تقدم أن تفرق السلطات بين استهداف وآخر، حتى لا يتكرر الخطأ، على أن بقاء حالة الفوضى في تلك المناطق على ما هي عليه، سيُـبقي الأمر على ما هو عليه، فما الذي يمنع الحراك أو غيره من اللاعبين الموجودين في الجنوب، من مسايرة الموضة للبدء بعمليات تستهدف المسئولين الأمنيين، على طريقة تنظيم القاعدة تماما..؟!.
ولهذا أقول بأن تكرار تجربة "صحوات العراق" في محافظة شبوة، من خلال تجنيد مواطنين من ذات المحافظة كمليشيات لمجابهة القاعدة، لن يكون مفيدا، بل سيلعب الدور النقيض تماما، لحساسية موقف عامة السكان المحليين من العمل مع الحكومة، ولحساسية القضية أيضا، كون المتبني الأصل لهذه الحرب، هو من قتل كثيرا من النساء والأطفال في منطقة باكازم بمحافظة شبوة وفي قرية المعجلة بمحافظة أبين قبل سنة من الآن.. الولايات المتحدة الأمريكية..
والمشكلة أن للحكومة اليمنية تجربةً سابقة قريبة من هذه، حين أشركت الجيش الشعبي في قتالها ضد جماعة الحوثي بمحافظة صعدة في الشمال، لكن يبدو بأنها لا تعتبر بما تم ولا تهتم بما سيتم..
عموما.. كان توقف استهداف الجنود في الجنوب مثار أسئلة كثيرة، كما كان استهدافهم مثار أخرى، وقد حاولت في هذا المقال أن أقرب الصورة أكثر، كما حاولت أن أقربها في المقال السابق حول الأمر النقيض: "من يقتل الجنود في الجنوب.؟".
Bookmarks