وليمة كانت ... فاخرة كانت ...
روادها هم علية القوم .... الذين نسمع عنهم ولا نرى سوى قصورهم الفارهة وسياراتهم الفخمة ذات النوافذ المعتمة .. ونتخيل أشكالهم أهم بشر مثلنا ؟؟
لا تسألونني كيف دعيت ... فانتم تعرفون انه يكفي ان يكون احد معارفك هناك ... مدعواً كان ام جرسوناً ...
رأيت هناك مالم اكن اصدق انني ساراه .... متعت عيني بالماء والخضرة والوجه الحسن ...
ودعينا للمائدة ... التي حوت ما تشتهية الانفس وتلذ الاعين ...
وقدم الي انا المواطن البسيط طبق ملئ بالفاكهة المحرمة ...
ثملت وانا اتلمض مذاقها ...
ثملت وانا اتمطق بصوت مسموع آذى اسماع علية القوم ...
اسكرتني النشوة ...
احسست بنفسي اتعاظم واكبر رويداً رويدا .,..
احسست بالحواجز الطبقية تزول حاجزاً حاجزاً ...
احسست ان نيتشه كان يخاطبني ويتمثل بي في عرض نظرياته ...
احسست بعقدة لساني تنحل ... وحيائي يضمحل ...
فلم ادر بنفسي الا وانا اعتلي احدى الطاولات ...
وقفت بين الناس خطيباً ... رفعت صوتي لاجذب انتباههم ...
شخصت الابصار للواقف على الطاولة .. وانصتت الاذان ..
حدثتهم عن الامبريالية وتهالكها المزعوم ... وان الامبريالية اثبتت انها الاصلح والابقى مادامت الطبقات موجودة ... وشتمت البولتاريا الحمقاء الساعية بغباء الى الخروج من عنق الزجاجة ... التي اتضح انها عبارة عن فوهة مدفعية ...
حدثتهم عن ملهاة دانتي و ان الطريق نحو الفردوس لا يمر عبر المطهر بل عبر عملية غسيل دماغ يزال فيها العفن من ادمغتنا ...
حدثتهم عن اوهام هاملت وسعية المحموم نحو الوهم وان جلجامش كان يسعى وراء سراب وان الصداقة ما هي الا احاديث الجدات حول الموقد في ليالي الشتاء ...
حدثتهم عن عبد الناصر وصديقه عبدالحكيم عامر وان نكسة الامة كان سببها راقصة ... وحدثتهم عن نكبة 48 وان سبب الهزيمة كان العرب وليس الأسلحة الفاسدة ...
حدثتهم عن ثورة يونيو هل هي انقلاب ام ثورة واسهبت في شرح هل كل ثورة هي ثورة ام انقلاب سعى المنتصر الى تسميته بالثورة ... فاكيد انها لو فشلت لسميت انقلاباً ...
هل الهزيمة نكسة ام ان النكسة هو تنميق للقذارة التي صرنا فيها ..
حدثتهم عن فاوست وعن آخر ثمن رسى عليه مزاد بيع الروح للشيطان ... واننا نمثل فاوست في سعينا المحموم عن اوهام الثروة والمجد ...
حدثتهم ان سبب الحرب العالمية الثانية كان بسمارك وليس هتلر .. وان سبب الحروب دائماً اسخف من الحرب ذاتها ..
حدثتهم عن وطني الذي خرجت منه ولم يخرج مني ...
حدثتهم عن حمام الدم الذي سبحنا فيها وكدنا نغرق لولا ان لاحت لنا قشة امتطيناها وقطعناها اجزاء صغيرة نجدف بها ...
حدثتهم عن وطني وسبب تخلفه عن الركب وان السبب هو ما قيل لنا في كل مرحلة ... ان من كان قبلنا اعطونا ارثاً ثقيلاً ...
فما قمنا بالارث حق القيام ولا تركنا الارث لمن يستطيع حمله ...
وان بريطانيا كانت أول من اعطانا ارثنا ثقيلا ثم جائت قوى التآمر ثم الزمرة ثم الانفصاليين وهكذا كلما جائت امة لعنت اختها ...
حدثتهم عن بيتي المسكين الذي امموه وطردوني منه فسكنه احد الثوريين الذي طرد منه بعد أن قيل أنه من الزمرة لياتي احد المنتصرين ليحتله ثم طرد منه ليعود الثوري الذي صار شرعيا وانا اتفرج على بيتي وهو يقف امامي شامخاً واحسه يناديني واخاف تلبية النداء لئلا اصير شهيد الحماقة ...
حدثتهم عن اختلافي مع احد العساكر وانه عمد لغرز فوهة بندقيته على صدغي لتقنعني بالحجة ...
حدثتهم ما اخبرتني به الماسورة الباردة الملتصقة بصدغي وانها قالت انني لا اساوي الا بضعة قروش هي قيمة الرصاصة ذاتها ...
حدثتهم حتى مل لساني وحاول تقديم استقالته من فمي ...
سكت حينها ... لاجد نفسي وحيداً ... منبوذاً اكلم الجدران ...
لكن الجدران الخبيثة كان لها الف اذن واذن ...
وان الجدران لها عادة قبيحة الا وهي حب النميمة ... فوشت بي ...
وتم اعتقالي بتهمة حمل لسان يدعي زوراً انه قد تبرأ مني ...
فتمت محاكمتي ...
وافرجوا عني بعد اعدام لساني ...
Bookmarks