هذه المقالة كنت اود المشاركة بها في مجلة المنتدى لكنها كانت طويلة فأضعها هنا
نبذة عن علم إدارة الموارد البشرية
بدأت الدول المتقدمة في خضم سياستها الاقتصادية القائمة على تنافس السوق الحر في البحث والتنقيب أكثر عن أسرار النجاح في أي عمل تجاري أو اقتصادي. وفي هذا المجال تمكنت العلوم الإدارية والاقتصادية من فتح الكثير من الأبواب الجديدة التي تساعد على كشف عوامل النجاح والاعتناء بها وتنميتها للوصول إلى النجاح المطلوب وهو ما يتمثل في مجال إدارة الأعمال بالنمو الدائم والربح.
ومن بين هذه الأبواب نلحظ في حياتنا التطور الرهيب في المجالات الخدمية والتقنية والتكنولوجية خلال العشر سنوات الأخيرة وكل هذا ما كان ليظهر لولا التنافس الشديد بين الشركات في تقديم الأفضل ورفع مركزها في السوق وحجمها وربحها.
لكن بقي السؤال الدائم والعالق في رؤوس الكثير من رؤساء هذه الشركات والمعنيين بالبحوث حول أساليب التطور والتنمية هو عن المفتاح الأساسي إلى كل التطور والنجاح في كل هذه المجالات المذكورة (التكنولوجية * الخدمية * الخ). انتبه الباحثون إلى أن كل تطور غالبا ما يبدأ بفكرة أو بحث يوجده إنسان أو موظف ويتطور على يد الإنسان كذلك ليصل إلى عامل نجاح للشركة.
من هنا بدأت أنظار الباحثين والمهتمين بمجال إدارة الأعمال تتوجه إلى الموظفين والعاملين باعتبارهم مصدر ومنبع كل فكرة وعمل يؤدي للنجاح والتفوق والربح. وهنا بدأ التنافس الشديد بين هذه الشركات أو بين الدول الكبرى على حيازة العقول المميزة وهذا التنافس الشديد وزيادة الطلب أدى إلى ارتفاع أجور هذه العقول وارتفاع تكلفتها على الشركات أنفسها.
هنا بدأ علم الإدارة بالبحث عن حل للمشكلة هذه بأن أعتبرها نوع من الموارد العامة للعمل التي يجب الاعتناء بها وبمصادرها وتحسينها مثلها مثل أي موارد أخرى تدخل في عملية الإنتاج والعمل وتم تسميتها بالموارد البشرية.
اقتصر الأمر في البداية على طريقة تأهيل هذه الموارد عن طريق الدورات التدريبية وبرامج التأهيل وغيرها ثم توسع ليشمل جوانب كثيرة ليغطي كافة المشاكل التي ظهرت على السطح لدى القائمين على قسم الاهتمام بعناية وتأهيل الموارد البشرية * فشمل هذا المجال أفكارا عن الطريقة المثلى لاختيار الموارد البشرية وطريقة ربطها بالعمل حتى لا يتم جذبها من قبل المنافسين وكذلك طريقة الإعداد للتخلص منها أو تبديلها في حالة لزم الأمر * ومع هذا التوسع في المهام لزم كذلك التطرق إلى طرق ابتكار سياسات وأنظمة تساعد على تنظيم كل هذه المهام والحفاظ عليها من التداخل والاختلاط وإهمال احدها على حساب الآخر.
أدى هذا التوسع الكبير في مجال عناية الموارد البشرية إلى خلق علم جديد متخصص في هذا المجال يسمى "إدارة الموارد البشرية" * ويمكن تقسيم مراحل إدارة الموارد البشرية إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي اختيار وخلق الموارد البشرية * رعاية وتأهيل وربط الموارد البشرية وتبديل وترحيل (التخلص) الموارد البشرية.
في اختيار الموارد البشرية بدأ البحث عن طرق تمكن العمل من إيجاد الشخص المناسب للمكان المناسب * وقد أتضح بأن أفضل الطرق هو أن يبدأ العمل البحث عن الخصائص المطلوبة لهذه الوظيفة أو العمل * ويتم تقسيم هذه الخصائص وترتيبها على شكل نقاط وصفات يجب توافرها في من يشغل هذه الوظيفة * ثم يتم فحص أوراق المتقدمين لها لتنقية واختيار أقربهم لحيازة الصفات المتطلب توافرها.
بعض الصفات مثل القيادة والقدرة على التحليل والتصرف تحت الضغط لا يمكن قياسها من خلال أوراق المتقدمين ولذلك يوجد طرق للاختيار اشهرها ما يسمى بالـ Assessment Center ويطلق عليه اختصارا AC.
هذا النظام هو من اختراع الجيش الأمريكي في الحرب العالمية الثانية كان يستخدم لاختيار القادة * فبعد أن يتم تنقية المرشحين حسب المهارات تبقى بعض الصفات التي يحتاجها الجيش مثل القيادة والكياسة تحت الضغوط والتماسك وهذا يمكن قياسه في الـ AC.
الفكرة عبارة عن جمع المرشحين في غرفة واحدة مثلا مع مجموعة من المراقبين ويتم إعطاء المرشحين أي مهمة معينة تختلف هذه المهمة حسب الصفة التي يريد المراقبون اكتشافها في المرشحين . ويكون المراقبين قد اتفقوا مسبقا على هذه المهمة وعما يريدون مراقبته من صفة في المرشحين ويقوموا بتسجيل مشاهدتهم وإعطاء المرشحين نقاطا حسب تصرفاتهم . مثلا أن يوضع للمرشحين إبريق شاي في الأمام وعند وصول أي مرشح وبعد تحيته يطلب منه أن يخدم نفسه ويصب لنفسه فنجانا إن أراد ويتم مراقبة تصرفه فيما إذا كان سيرتبك أو سيرفض أو سيصب فنجانا لنفسه ويكتفي أم أن سيسأل البقية فيما إذا كانوا كذلك يريدون فنجانا من الشاي.
وهنالك أيضا طرق كثيرة بجانب الـ AC لاختيار الموارد البشرية ولكن هذه كانت أشهرها وقد توسع علم إدارة الموارد البشرية في كلٍ منها.
أما بالنسبة لرعاية وتأهيل وربط الموارد البشرية فقد تم ابتكار سياسات تدريبية تختلف حسب اختلاف مجال عمل الشركة ودرجة تعقيد أعمالها * فنجد المستشفيات مثلا تقيم دورات تدريبية لأخصائيها وطاقمها التمريضي لإبقائه على إطلاع بكل جديد * وتدعم إقامة مؤتمرات دولية يشارك فيها طاقمها ليطلع على ما وصل إليه المنافسين. وفي هذا الباب فإن صياغة سياسة تأهيل وتدريب شأن خاص يختلف من مجال إلى آخر وهذه مهمة تحتاج لمدير موارد بشرية محترف ومتقن لعمله.
أما ربط الموارد البشرية في العمل وحمايتها من الانتقال إلى المنافسين فذلك عن طريق إقامة نظام اجتماعي جيد داخل العمل * ويختلف ذلك حسب قدرات العمل ومدى أهمية هذه الموارد * فقد يلجأ البعض إلى عرض تأمينات طبية أو اجتماعية خاصة أو عرض خدمات خاصة مثل سيارة أو فيلا . وهذا كذلك حسب إمكانيات الشركة مع مقارنة ما يقدمه المنافسين وما تفرضه القوانين في كل بلد.
وأخيرا بالنسبة لتبديل وترحيل الموارد البشرية فقد كان هذا الجانب مهملا إلى الخمس سنوات الأخيرة * حيث فوجئت الكثير من الشركات العالمية بأنها أمام مشكلة ستحدث لها خلال العشر السنوات القادمة بسبب إهمالها لهذا الجانب . اهتمت الشركات الكبرى كما سبق باختيار الموارد البشرية الجيدة وقامت بالاعتناء بها وتدريبها وتأهيلها حتى وصلت إلى درجة كبير من الكفاءة وهذا أوصل هذه الشركات إلى درجات كبيرة من القوة التنافسية عالميا لفترة طويلة من الزمن. ولكن مع مرور الوقت بدأت هذه الكفاءات بالتقدم في السن وأصبحت قريبة من سن التقاعد . وتتوقع كثير من الشركات العالمية بأن ثلثي كفاءاتها ستنتقل للتقاعد خلال العشر سنوات القادمة وهي لا تملك بعد البديل الذي تحتاج لفترة زمنية طويلة لإيجاده ثم تأهيله وتدريبه حتى يصل إلى مستوى يصبح فيه قادرا على تولي أماكن الكفاءات القديمة . فبرزت الحاجة لبناء نظام كامل لتوقع الحاجة المستقبلية من الموارد البشرية والبدء بتدريبها وتأهيلها تحسبا لفقدان الكفاءات الموجودة حاليا.
هذه كانت أكبر مشكلة في مجال تبديل وترحيل الموارد البشرية بجانب الأمور التي يفرضها القانون من تقاعد وما شابه.
علم الموارد البشرية بدأ الآن في الازدهار ويتوقع له مزيد من الازدهار والتنوع في خضم العولمة وارتفاع نسبة المنافسة عالميا ولذا فقد توجهت الكثير من الجامعات بفتح أقسام كثيرة لإدارة الموارد البشرية في كثير من الاتجاهات * فهنالك إدارة للموارد البشرية من الناحية التجارية * وهنالك إدارة للموارد البشرية من الناحية القانونية * وهنالك إدارة للموارد البشرية من الناحية التقنية * ولذا نجد أن من يطرق هذا المجال في الدراسات العليا فهم قادمون من كافة المجالات الهندسية والتجارية والطبية والفنية.
أخيرا أود أن اذكر مثالا لمجال جديد ومهم بدأ في البروز في علوم إدارة الموارد البشرية وهو تأهيل وعناية الفرق Team Coaching * هذا المجال ما يزال في مهده ولمن أراد التوسع في مجال إدارة الموارد البشرية فهذا المجال جديد ويتوقع له النجاح الكبير كون كثير من الشركات الآن تعمل بنظام المشاريع Projects ويتم إنشاء فرق عمل لهذه المشاريع من أفضل الخبرات * ولكن دائما ما يحدث أن هذه الخبرات والكفاءات لا تتمكن من العمل في إطار فريق معين * وهذا المجال يعنى بحل هذه المشاكل.
نشوان بن سعيد الحميري
Bookmarks