أمي اليمن من شمالها الى جنوبها - موضوع وثائقي ضخم كتاب المقامات لعايض القرني
أمي اليمن من شمالها للجنوب
بداية
يآ نسيمآت الصبآ... روّحي آرض اليمَن
غنِّي في لحن الصبآ...آو نُغيمآت اليمَن
وآنشدي صبًآ صبآ .. وآنعشي آهل االيمن
المقـامَــة الـيمـانيـَّــة
(( الإيمـان والحكمـة يمـانيـة ))
(( قبـلات على جـبين صنعـاء ))
دخلنا صنعاء ، بعد ما قرأنا الدعاء ، فوجدنا صالح بن مقبول ، ينشد ويقول :
نزلنـا على قيسيّــة يمنيــّة
فقالت وأرخت جانب الستر بيننا
فقلت لها : أمـا رفيـقي فقومـه
رفيقانِ شتّـى ألّف الدهر بيـننا
لها نسب في الصالحين هِجانِ
لأية أرض أمْ من الرجلانِ
تميـم وأما أسرتي فيمانــي
وقد يلتقي الشتـّى فيـأتلِفانِ
فقال أهل اليمن : أنت من ؟ قلت النسبة أزدية ، والملّة محمّدية ، قالوا : انزل غير بئيس ، ولا تعيس ، فإن منكم القرني أويس ، قلنا كفاكم قول من جاء بالشرائع الإيمانية، حيث يقول : الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ، قالوا : صلى الله عليه وسلم كلما فاح ورد ، وثار وجد ، وتلي حمد ، وحلّ سعد ، قلنا كيف الحال ؟ يا معاشر الأقيال ، يا أهل الخطب الطوال ، ويا أصحاب البديهة والارتجال ، ويا رواد الأشعار والأزجال .
ألا أيها الركب اليمانون عرِّجوا
علينا فقد أضحى هوانا يمانياّ
نُسائلكم هل سال نعمان بعدنا
وحب إلينا بطن نعمان واديا
وقد قيلت فيكم المدائح ، التي سالت بها القرائح ، وحفظها عنكم التأريخ ، فوصل بها مجدكم المريخ ، أنسيتم ما ذكره في مدحكم الهمداني ، وما سجله في مجدكم صاحب الديباج الخسرواني ، أليس ينسب إليكم السيف الهندواني ، وسمي باسمكم ركن البيت اليماني ، وسهيل أحد النجوم الدواني ، ومنكم محدث العصر الأمير الصنعاني ، والعلامة الرباني الإمام الشوكاني ، وتاج العلماء الكوكباني ، وسيد الأولياء أبو إدريس الخولاني ، ومفتي الديار العلامة العمراني ، وابن الديبع الشيباني ، وشيخ الشيوخ الأرياني ، والقاضي أحمد الحضراني ، وخطيب الخطباء البيحاني ، وأستاذ الإعجاز الزنداني ، وقد أثنى عليكم شيخ الإسلام ابن تيمية الحرَّاني ، لما شرح حديث الإيمان يماني ، ومجّدكم ابن رجب بالفقه في المعاني ، وحسبكم مدح الرسول العدناني ، فإنه خصّكم بعلم الحكمة في المثاني ، ومنكم شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسّان ، وملك العرب النعمان ، وخطيب الدنيا سحبان ، ومنكم سيف ذي يزن في غمدان ، أما سمعت الشاعر حيث يقول :
ألا لا أحب السير إلا مصاعداً
ولا البرق إلا أن يكون يمانيا
فميّز برقكم عن كل برق لأنه صدق ، يأتي بالغيث والودق ، وذكر امرؤ القيس التاجر اليمني في لاميته فقال :
فألقى بصحراء العبيط بعاعه
كفعل اليماني ذي العياب المحمّلِ
يا أهل الخطب الطوال ، ويا أصحاب البديهة والارتجال ، ويا رواد الأشعار والأزجال .
ألا أيها الركب اليمانون عرِّجوا ::::: علينا فقد أضحى هوانا يمانياّ
نُسائلكم هل سال نعمان بعدنا ::::: وحب إلينا بطن نعمان واديا
فيا أنصار الرسالة في قديم الزمان ، أنتم أنصارها الآن ، فعضوا على التوحيد بالنواجذ ، فأنتم الأبطال الجهابذ ، وانصروا سنة المختار ، في تلك الديار، وانهجوا نهج السلف ، فإنكم نعم الخلف ، وارفعوا للملة العلم، فمن يشابه أَبَهُ فما ظلم ، ففيكم علماء وعباد ، ولكم نوافل وأوراد ، وتديُّنكُم سريع ، وفهمكم بديع ، وقد قلتُ في صنعاء ، من قصيدة لي تحمل الحب والوفاء .
صنعاءَ صغنا لكِ الأشعار والكتبــا ::::: لكِ الوفاء فلا تبدي لنا العتبــــا
على جفونكِ قتلى الحب قد صرعوا ::::: حتى الذين بقوا قتلى ومن ذهبـــا
رواية السحر في عينيكِ أغنيــة ::::: والحسن في وجهكِ الوضّاح قد سكبا
ليت الهوى ترك الأرواح سالمـة ::::: فهو الذي رد بالألحاظ ما وهبـــا
إن كنتِ تبكين يا صنعاء من ولهٍ ::::: فقد سكبنا عليكِ الغيث والسُّحبـــا
استغفري أنتِ مما تفعليـن بنــا ::::: هذا الجمال اليماني يقتل العربـــا
منكم الأوس والخزرج ، والملكان الحارث والأعرج ، وعمر بن معد يكرب المقدام المدجج ، ومنكم الملكة بلقيس ، وأسماء بنت عميس ، وأبو موسى عبد الله بن قيس ، وعلى ألسنتكم تسيل القوافي ، وفي ضيافتكم تشبع العوافي ، بديهتكم سريعة ، وذاكرتكم بديعة ، وفيكم الفصاحة والصباحة ، والسماحة والملاحة ، ودعا لكم المعصوم فقال : اللهم بارك لنا في يمننا ، وأقول : ووفق أهل صنعانا وعدننا .
قال الزبيري في قصيدة الوطن ، يخاطب اليمن :
مزقيني يا ريح ثم انثري ::::: أشلاء جسمي في جو تلك المعاني
وزعيني على الجبال والغدران ::::: بين الحقول والأغصان
وصلي جيرتي وأحبابي ::::: وقصِّي عليهموا ما دهاني
هل بكاني هزارها هل رثاني ::::: طيرها هل شجاه ما قد شجاني
ليت للروض مقلة فلعل الدهر ::::: يبكيه مثلما أبكاني
وقد ذكر الذهبي في النبلاء ، في سيرة همام بن منبه أحد العلماء
أن رجلاً من قريش ، صاحب سفاهة وطيش ، قال لأحد أهل اليمن ، وكان اليمني ثقة مؤتمن : ما فعلت عجوزكم قال : عجوزنا بلقيس أسلمت مع سليمان لله رب العالمين ، وعجوزكم يا قرشي حمَّالة الحطب دخلت النار مع الداخلين ، فغلب القرشي وأفحمه ، وفي كل كرب أقحمه
وذكروني بشاعر معاصر وإليه ردوني ، أعني به شاعركم عبد الله البردوني ،
حيث يقول مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم :
نحن اليمانين يا طه تطير بنا ::::: إلى روابي العلا أرواح أنصارِ
إذا تذكرت عماراً وسيرته ::::: فافخر بنا أننا أحفاد عمارِ
وقد رفعتم رؤوس العرب ، لما انتصر سيف بن ذي يزن وغلب ، على أبرهة حامل الكذب ، فزارتكم الوفود بما فيهم عبد المطلب
وأطعتم معاذ بن جبل ، ورفعتموه في المحل الأجل
ونصرتم علي بن أبي طالب ، صاحب المناقب والمواهب ، فقال :
ولو كنت بوابًا على باب جنةٍ ::::: لقلت لهمدان ادخلوا بسلامٍ
وقتلتم الكذاب الأسود العنسي ، فصار في التأريخ المنسي ، ومنكم المقدام يوم القادسية ، الذي سحق الجموع الفارسية ، ومنكم الشاعر وضّاح ، الذي هزّ بشعره الأرواح ، وأنتم أرق الأمة قلوباً ، وأقلها عيوباً ، وأطهرها جنوباً ، وفيكم سكينة ووقار ، وفقه واعتبار ، ومنكم أولياء وأبرار ، وكفاكم أن منكم الأنصار ، مع تواضع فيكم وانكسار ، ومنكم مؤلف الأزهار ، وصاحب السيل الجرَّار ، ومدبج الغطمطم التيّار ، ومنكم المحقق الشهير ، والمجتهد الكبير ، أعني ابن الوزير ، صاحب العواصم والقواصم والروض الباسم ، خطيبكم إذا تكلم بز الخطباء ، وأسرها وسحرها فإما منّاً بعد وإما فداء ، وشاعركم إذا حضر غلب الشعراء ، وصارت أفئدتهم من الذهول هواء ، الضاد بأرضكم ميلادها
والعروبة عندكم أولادها ، والحميريّة أنتم أحفادها ،
أما قال الشاعر :
يمنيــّون غيـر أنّا حفـاة ::::: قد روينا الأمجاد جيلاً فجيلاً
قد وطئنا تيجان كسرى وقيصرْ ::::: جدنا صـاحب الحضارات حميرْ
اليمن مشتق من الإيمان لأنهم صدّقوا بالرسالة ، وأظهروا البسالة ، وأكرموا رسول الرسول ، وقابلوه بالقبول ، وجمعوا بين المعقول والمنقول
شكراً لتلك الأرض لو أن الدما ::::: تسقى بها الأوطان أسقيناها
واعلم أنني ما أسرفت في المديح بل قصرت ، وما طولت في الثناء بل اختصرت ، وكفى لأهل اليمن مدح المصطفى ، وإنما أردنا أن نكتب في ديوان الوفاء ، وفي سجل الصفاء
وقد قال الشاعر يفتخر بكم :
نحن وجه الشمس إيمان وقوة ::::: نسب حر ومجد وفتوة
كَربُ عمي وقحطان أبي ::::: وهبوا لي المجد من تلك الأبوّة
والسيوف البيض في وجه الدجى :::::: يوم ضرب الهام من دون النبوّة
يا صنعاء نريد منك جيلاً ربانياً ، وشباباً محمديّاً ، وعزماً يمانياً ، وشكراً يا عدن ، على ترحابك بأتباع النبي الأمين ، وطردك لعبيد لينين ، واذناب استالين ، لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين .
سلِّم على الدار من شجو ومن شجن ::::: وانظر إلى الروض من سحر ومن حسنِ
يا لوحة نسخت فيها مدامعنا :::::: قلبي بروعة هذا الوجد في اليمنِ
واليمن مورد عذب ، وميدان رحب ، فالقومي باليمن يفخر ، لأنها بلد الجد حمير ، والمؤرخ يتشجع ، لأنه عثر على موطن تبع ، وصاحب الآثار له من اليمن أمداد ، لأن فيها إرم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد ، وحملة القرآن ، لهم ميل إلى تلك الأوطان ، لأن الإيمان يمانِ ، فاحفظ أخبارهم ، وردد أشعارهم ، واكتب إنشاءهم ، ولا تبخس الناس أشياءهم .
ولله تاريخهم ما أحسنه ، لأن هناك لين القلوب وصدق الألسنة ، وشجرة مجدهم لا تنبت إلا على الأنهار الشرعية ، ولذلك اجتثوا من بلادهم جرثومة الشيوعية ، لأنهم موحدون لا ملحدون ، فهم بلد الإيمان والإنفاق ، لا بلد الرفاق والنفاق ، فيا حمام بلغهم منا السلام ، وقل إلى الأمام ، والصلاة والسلام على صفوة الأنام ، وآله وصحبه الكرام .
الدكتور : عايض القرني
Bookmarks