عـش الحربَ بالمقلوب
عبد الرزاق الجمل ـ المصدر اونلاين
سبحان مقلب القلوب ومغير الأحوال.. لا أحد غيره يعلم خبايا الأشياء وتفاصيلها الصغيرة والكبيرة، أما نحن فنحلل الأحداث، ونقيس بعضها على بعض، ثم نكتشف أننا غردنا كثيرا خارج سرب تلك الأحداث.. لهذا دعوني أغرد خارج السرب ابتداءً..
بعد عودة اتفاقية الدوحة، قال الرئيس، وبثقة مفرطة، إن الحرب لن تعود إلى محافظة صعدة من جديد، ومن جديد عادتْ الحرب إلى الحرف، والحرف منطقة حدودية تقع بين الجمهورية اليمنية ومملكة صعدة التي تشهد استقرارا نسبيا أو كبيرا هذه الأيام..
لنعد إلى تصريح الرئيس صالح.. فقد فهم البعض من لغة التصريح أو من أسلوبه ما يشبه "المحاكنة" للملكة العربية السعودية، لهذا لم يتردد البعض في اتهام المملكة العربية السعودية بدعم بعض القبائل كقبيلة بن عزيز التي خاضت خلال الأيام الماضية معاركة شرسة مع جماعة الحوثي، من باب "المحانكة" أيضا.. لسان الحال : حرب وعلى عينك..
من باب "المحانكة" قد يضطر النظام لدعم جماعة الحوثي، حتى يُضعف القبائل التي يُظن أن المملكة العربية السعودية تقدم لها الدعم، لتشعل بها الحرب، وهي القبائل ذاتها التي وقفت مع النظام في كل حروبه ضد الحوثيين..
إن لم يتحقق للنظام مراده من هذا الدعم (إضعاف الأجندة السعودية وإحياء اتفاقية الدوحة) ربما تدخل الأزمة منعطفا آخر، قد يكون المنعطف الأخطر.. ستبدأ الحكومة اليمنية بتوجيه التهم، ولو تلميحا، للمملكة العربية السعودية بتدخلها في شئون البلد الداخلية..
إن جاز لي أن أشطح، وكل ما تقدم شطح طبعا، فسأتوقع تبادلا للتهم بين البلدين وبشكل علني على مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وحينها ستتنفس جمهورية إيران الصعداء، فقد كان يزعجها التقارب اليمني السعودي كثيرا، كونه يحول بينها وبين لعب بعض الأدوار في المنطقة..
ومثلما تلتْ، اتهام إيران بالتدخل في الشأن اليمني، إجراءاتٌ عملية، ستتلو اتهام المملكة إجراءات عملية مشابهة. أي أن الأمور ستنقلب رأسا على عقب، أو عقبا على رأس، كونها مقلوبة "من بيتهم" رأسا على عقب.. ربما تأتي هكذا :
أغلقت السلطات اليمنية اليوم المستشفى السعودي الألماني في العاصمة صنعاء بعد اتهامها له بدعم جهات تخريبية تعيق جهود إحلال السلام في محافظة صعدة، وهي ذات التهمة التي أُغلق بسببها المستشفى الإيراني في السابق..
على صعيد آخر منعت السلطات اليمنية صحيفتي أخبار اليوم والشموع من الصدور إثر اتهامها لهما بإثارة القلاقل في البلد من خلال نشر مواد تشجع على العنف وتثير النعرات الطائفية والمناطقية.. الجدير بالذكر أن هاتين الصحيفتين كانتا قد وقفتا مع النظام طيلة حروبه الست، وكان الحوثيون يوجهون لها ذات التهم حينها..
قال وزير الخارجية السعودي \ سعود الفيصل، في تصريح لقناة العربية إن المملكة العربية السعودية تحترم حـق الجـوار* وهي بعيدة كل البعد عن التصريحات أو الترهات التي يدلي بها بعض المسئولين اليمنيين لبعض وسـائل الإعـلام، واستغرب الفيصل : كيف يصرح بمثل الكلام غير المسئول، مسئولون كبار..؟!!..
ما تقدم مجرد مثال، وما تأخر مجرد مزاح ثقيل على هذه الشاكلة :
لا أستبعد أن تستجوب السلطات اليمنية بعض الكتاب الذي هاجموا جماعة الحوثي في الحروب الست السابقة، كالأستاذ عبد الفتاح البتول، وعادل الأحمدي، ومحمد العشملي، وكمال البعداني، وغيرهم. بعضهم بتهمة تزعم خلايا إرهابية تخريبية، وبعضهم بتهمة التخابر مع جهات خارجية (السعودية) وبعضهم بتهمة التردد المشبوه على بعض السفارات الأجنبية (السفارة السعودية)..
ستصاحب الحرب حركة ثقافية فكرية واسعة، رغم استجواب أو سجن، من ذكرناهم قـبل قليل، لكنها ستكون على النقيض من الحركة الثقافية التي صاحبت الحروب الست. سيكون الحديث، مثلا، عن الغزو الوهابي لشافعية اليمن المعتدلة، وعن الدعم السعودي لهذا الغزو، وعن المآرب الإقليمية من وراء هكذا دعم..
لا أدري.. ربما يتطور الأمر إلى تبادل طرد السفراء، وربما يُمنع اليمنيون من دخول المملكة لأداء فريضة الحج، خوفا من تكرار حادثة إيرانية سابقة..
بالمختصر المفيد، وبعيدا عن كل هذا الرفاس.. خذ إيران، وضع السعودية مكانها، وخذ الخيواني والمقالح وضع البتول والبعداني مكانهما، وخذ حسن زيد وضع الشيخ محمد المهدي مكانه، إضافة إلى السفارات والمستشفيات والصحف والمجلات والقنوات ودور النشر.. فقط خذ وضع.. وأخيرا خذ الفرقة الأولى مدرع وضع الحرس الجمهوري، أو حتى جماعة الحوثي، مكانها..
نسيت شيئا.. إغلاق مكتب قناة العربية وتهديد مراسلها وطاقم العمل في مكتب القناة بالتصفية الجسدية.. فتح مكاتب جديدة لكل من قناة العالم والمنار..
أعلم أنني كتبت أشياء أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، لكن بما أن السياسة فن الممكن، وفن المتناقضات، وفن تقديم المصالح على المبادئ، وفن التشكٌّـل من وجهة نظر صديقي الدكتور محمد السراجي، هل يمكن أن تأتي لنا بهذا السيناريو أو بسيناريو شبيه، خصوصا وأن هناك بوادر أزمة بين البلدين..؟!!..
Bookmarks