حكاية بلال


الداعية الجوال
الاستاذ اسماعيل حمدان الكبيسي يرحمه الله
الانبار
وقف سائق سيارة الأجرة على حافة بحيرة صغيرة في وسط مدينة (برلين) ووقف حولها كثير من الناس بعضهم يمضي وقته سائراً بجانب فتى أو فتاة وكان السائق يقطّع بعض الخبز ويلقي فتاته في الماء فتهوي إليه الطيور أو تصعد إليه الأسماك في منظر جميل، فتقدم شاب صغير من السائق ليقول بنبرة المتسول: ألا أعطيتني هذا الخبز فإني جائع ؟! التفت السائق إليه فوجده قد هده التعب وبان عليه الشحوب وقد اتسخت ملابسه وأهمل شعره ولحيته فقال السائق: ليس هذا طعامك ولكن تعال معي : وكان السائق مسلماً من دعاة الاسلام فاخذه إلى المسجد فوجد جماعة هناك يقومون على الخدمة والتعليم والعبادة فاجلس الشاب وقدم له الطعام ولكن الشاب قال : أنا لا أستطع أن أدفع ثمن الطعام وطمأنه السائق بأن لا حاجة للمال لأن المسلم من أدبه أن يكرم الناس ويخدمهم لأننا خير أمة أخرجت للناس. فأكل الشاب ثم قال: أريد أن أنام فوضعوا له الفراش واستلقى عليه وكأنه ما نام من أيام عدّة فاستغرق بنومه يومين كاملين (ثمانية وأربعين ساعة) في إحدى غرف المسجد وعندما استيقظ طلب أهل المسجد منه الاغتسال وتبديل ملابسه وهو متعجب من هذه الحفاوة..طعام ولباس وخدمة: هؤلاء المسلمون؟!! أفراد فكيف لو كانت لهم دولة؟ ألا تكون نموذجاً لسعادة الإنسان ..هكذا ورد على خاطره..فتمنى أن يكون مسلماً لأن هؤلاء كان اهتمامهم به أكثر من والديه وبعد اختلاطه بهم بعدة أيام كان ينطق الشهادة ويلبس العمامة والجلباب ويسموه بلال. قال: إني مدمن مخدرات انفصلت أمي عن أبي منذ أكثر من أربع سنوات فطلبوا منه الذهاب إليهم لأن الإسلام يأمر بصلة الرحم وإن كانا على غير دين الإسلام.
ذهب بلال إلى أمه وطرق الباب وعندما سمعت صوت ابنها غضبت لأنه لا يأتيها إلا سكران يكاد يرتمي على عتبة الباب ويطلب مزيداً من المال ليزداد سكراً أما الآن فنظرت إليه متعجبة هل هذا ابنها، وما هذا اللباس الغريب؟! هل هذا معقول؟ كانت غاضبة عليه لسلوكه ومتلهفة لرؤيته لأنه غاب عنها أياماً طويلة؛ ووراءها شقيقته فاغرة فاها تعجباً أنه أخوها ولكن في غير ما اعتادت أن تراه ، فإن وجهه يشع منه نور الإيمان والجذع منتصب بتلك القامة التي كانت لا تراها إلا مترنحة مهزوزة ولم يمهلهم بلال وإنما تقدم ليحتضن أمه ويقبلها معتذراً عما سلف وعندما أبعدته برفق وقف وسط الدار وهي تدور حوله متعجبة ما الذي غيرك؟ قال الإسلام..قالت مرحباً بالإسلام ثم جلس ليقص عليها ما جرى له خلال غيابه عنها وكيف هداه الله للإسلام فغسل كل أوراق الماضي وهو يبكي وامتزج إحساس الفرح بشعور التعجب. ومن هناك ذهب إلى والده الذي كان يسكن في إحدى دور السكن في الجامعة إذ إنه أحد أساتذتها وكان بلال لا يزور والده إلا لطلب المال وهو الآن يأتي بهدية لأبيه متواضعة كما أهداها لأمه فيراه الأب فيتعجب من لباسه وظهور الرجولة على وجهه فيقبل رأس والده ويجلس يتكلم معه بأدب فيقول الوالد لقد أصبحت طيباً يا... فيقول الأب . ما اسمك ؟ .. يسأل الوالد فيقول بلال هكذا أصبح اسمي بعد أن أصبحت مسلماً. أرجوك يا والدي...ماذا يا ..بلال؟ أن تتصل بأمي فقد أحزنها تركك البيت فقد ظلمت قلبها. خذ – خذ الهاتف ..تردد الوالد ثم قال وهو يرتجف . وهل ستقبل أمك اعتذاري؟ افعل ربما يعود الزمن كما كان . وبيد ترتجف قليلاً كان الوالد يدير القرص ومن الطرف الثاني كان صوت امرأة يجيب: من؟ ألو : من؟ أبو بلال.. فسمع بلال بكاء الأم فاحتضن والده ووضع فمه مع فم والده على سماعة الهاتف ليقول لأمه: إننا قادمون إليك يا أماه.. وبعد مسافة الطريق كانت السيارة تقف على باب الأم ليتعانق الزوجان والأخ وأخت يبكيان لمشهد الفرح والتئام شمل العائلة.ٍ
وبلال يقول إن أمي أقرب من أبي للإسلام فأما أختي على وشك أن تنطق الشهادة وأنا أعمل مع بعض الشباب المسلمين وأنام في المسجد وما اكسبه من العمل اقدم بعضه لعائلتي التي ما زالت على النصرانية وأنا أطمع بإسلامهم.