بينما كنت جالسا مع رفاقي في أحد طاولات مخبازة صيرة ....كان "كعبوش" يتقدم قليلا قليلا و هو يتأمل في السمك المقرب على الطاولة...
و كعبوش هذا_ المتخن بالجراح_ هو "عري" مخبازة أصيل ، وهو أشهر ذكر قط سكن الأماكن القريبة من أشهر مطعم للسمك في عدن ، وقضى معظم عمره مكافحا للظفر بقطعة سمك من هنا و هناك.
لكن طبعا محاولات كعبوش لا تتكلل دوما بالنجاح ، فهو كشأن بقية "عراري المخبازة" يتلقى الكثير والكثير من ضربات أحذية الرجال و النساء والصيادين وعمال المطبخ، بحيث أصبح أعورا و ذا وجه كبير من كثر "الزباط" ، نموذج ما من الوجوه صورته أغنية الأطفال الشهيرة في عدن ...
يا وليدة لما أشوفك بيجلي و جع بالرأس
شكلك عري مخبازة فجعت عيال الناس.
كان وجه كعبوش يخبرني الكثير ليس عنه فقط ، بل عن تاريخ القطط كأول حيوان بري يستأنس في تاريخ البشرية منذ حوالي 9500 عام.
كانت عينا كعبوش تتحدث عن أيام العز في مصر الفرعونية يوم أن كانت القطة "بست" هي الهة تمتد سلطتها من والدها الأله رع، كان أجداد كعبوش الفراعنة هم ألهة الخصوبة عند البشر وحراس الدار الأخرة ، يومها كان من يتجرأ على كعبوش سيلقى عقوبة قد تصل إلى القتل ، كيف لا والقطط أنذاك حيوانات ألهية تصور أصنامها في المعابد و توضع كموميات داخل القبور الملكية ، ويجبر العامة حتى على حلق حواجبهم ، لدرجة أن أسم "بست " أنطلق إلى كثير من الحضارات ومنها العربية ليشتق منه أسم "بس" الذي يطلق على القط حتى اليوم.
حتى في الأسلام كان أجداد كعبوش ذوي مكانة تفوق مكانة الكلب جدا جدا ، وألا يكفي الهررة أجداد عكبوش فخرا أن يحمل كنيتهم أحد أشهر رواة الحديث من الصحابة وهو عبد الرحمن بن صخر الذي لقب بأبي هريرة لفرط ما كان يحمل هرته معه في كل مكان، لكن من يقدر كعبوش و أجداده اليوم!!؟؟؟؟.
كانت الجراح على وجه كعبوش تشتكي بكل الألم الذي يتعرض له ، ماساة ما يلقاه عكبوش تمتد تاريخيا للعصور الوسطى يوم أن أتهم أجداده زورا في أوروبا بأنهم معاونين للسحرة و رمزا للحظ السيء ، لدرجة أن قاض أنجليزي أتهم قطة ذات يوم بأنها سرقت أنفاس طفل رضيع فمات خنقا.
طوال العصور الوسطى تواصلت أذية القطط في أوروبا فكانوا يحرقون و يقتلون ، لكن الظلم لا يستمر أبدا ، فقد أدت مذابح الهررة أجداد القط "توم" لأزدياد القوارض أجداد الفأر "جيري" مما أدى للطاعون الشهير الذي قتل الكثيرين أيام القرون الوسطى، لترجع سمعة القطط كصياد منقذ للبشرية من الافات من جديد خصوصا عندما سن أحد أمراء ويلز قانونا يقضي بمنع قتل القطط.
صحيح أن القرون الأخرى شهدت أزدياد شعبية القطط ، ففي اليابان أعتبرت القطة رمزا للحظ السعيد عندما كانت تؤشر لملك ياباني ، فلما قام يتبعها ضربت صاعقة المكان الذي كان جالسا فيه من قبل ، وفي أمريكا دخل القط الشهرة من أوسع أبوابها وتصدر الكثير من أفلام الرسوم المتحركة، بل وتشبهت الممثلة الأمريكية الحائزة على الأوسكار "هال بيري" بأحدى القطط لتمثل فلمها الشهير "Cat Woman"، لكن يبقى كعبوش الأعور وغيره من القطط العرب أسيرين للأهمال و لأحترام حقوق الحيوان .
كعبوش كان لا يزال يتقدم للطاولة بكل براءة، و بينما هم أحد أصدقائي برمي قطعة من السمك له ، سبقته أنا بركلة في وجه كعبوش الذي فر وهو يموء ، و رحت أذكر صديقي بأبيات نزار قباني الشهيرة من قصيدته هرة.
أشك في شكي إذا ما أقبلت
باكية شارحة ذلها
فإن ترفقت بها أستكبرت
وجررت ضاحكة ذيلها
لكم تحياتي و تحيات كعبوش الأعور.
Bookmarks