أنصت لكلام الله
د . عائض القرني
هدئ اعصابك بالإنصات إلى كتاب الله * تلاوة ممتعة حسنة
مؤترة من كتاب الله * تسمعها من قارئ مجود حسن الصوت
تصلك إلى رضوان الله عز وجل * وتضفي على نفسك السكينة
وعلى قلبك يقيناً وبرداً وسلاماً .
كان صلى الله عليه وسلم يسمع القرآن من غيره * وكان صلى
الله عليه وسلم يتأثر إذا سمع القرآن من سواه * وكان يطلب من
أصحابه أن يقرؤوا عليه * وقد أنزل عليه القرآن هو * فيستأنس
صلى الله عليه وسلم ويخشع ويرتاح .
إن لك فيه أسوة أن يكون لك دقائق * أو وقت من اليوم أو الليل
تفتح فيه المذياع أو المسجل * لتستمع إلى القارئ الذي يعجبك
وهو يتلو كلام الله عز وجل .
إن ضجة الحياة وبلبلة الناس * وتشويش الآخرين * كفيل بإزعاجك
وهد قواك * وبتشتيت خاطرك . وليس لك سكينة ولا طمأنينة * إلا
في كتاب ربك وفي ذكر مولاك :
{ الَّذِيْن آَمَنُوْا وَتَطْمَئِن قُلُوْبُهُم بِذِكْر الْلَّه أَلَا بِذِكْر الْلَّه تَطْمَئِن الْقُلُوْب } .
يأمر صلى الله عليه وسلم ابن مسعود * فيقرأ عليه من سورة النساء فيبكي صلى الله عليه وسلم حتى تنهمر دموعه على خده * ويقول :
[ حسبك الآن ] .
ويمر يأبي موسى الأشعري * وهو يقرأ في المسجد
فينصت له * فيقول له في الصباح : " لو رأيتني البارحة
وأنا أستمع لقراءتك " * قال أبو موسى : لو أعلم يا رسول
الله أنك تستمع لي * لحبرته لك تحبيراً .
عند ابن أبي حاتم يمر صلى الله عليه وسلم بعجوز * فينصت
إليها من وراء بابها * وهي تقرأ
{ هَل أَتَاك حَدِيْث الْغَاشِيَة }
تعيدها وتكررها * فيقول : [ نعم أتاني * نعم أتاني ] .
إن للاستماع حلاوة * وللإنصات طلاوة .
إن للقرآن سلطاناً على القلوب وهيبة على الأرواح * وقوة
مؤثرة فاعلة على النفوس .
عجبت لأناس من السلف الأخيار * ومن المتقدمين الأبرار
انهدوا أمام تأثير القرآن * وأمام إيقاعاته الهائلة الصادقة
النافذة :{ لَو أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْأَن عَلَى جَبَل لَّرَأَيْتَه خَاشِعَا مُّتَصَدِّعا
مِن خَشْيَة الْلَّه } .
إن التشويش الذي يعيشه الإنسان في الأربع والعشرين ساعة
كفيل أن يفقده وعيه * وأن يقلقه * وأن يصيبه بالإحباط * فإذا
رجع وأنصت وسمع وتدبر كلام المولى * بصوت حسن من
قارئ خاشع * ثاب إليه رشده * وعادت إليه نفسه * وقرت
بلابله * وسكنت لواعجه . إنني أحذرك بهذا الكلام عن قوم جعلوا الموسيقى أسباب أنسهم وسعادتهم وارتياحهم * وكتبوا في ذلك
كتباً * وتبجح كثير منهم بأن أجمل الأوقات وأفضل الساعات يوم
ينصت إلى الموسيقى * بل إن الكتاب الغربيين الذين كتبوا عن
السعادة وطرد القلق * يجعلون من عوامل السعادة الموسيقى .
{ وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } .
{ سامراً تهجرون } .
إن هذا بديل آثم واستماع محرم * عندنا الخير الذي نزل على
محمد صلى الله عليه وسلم * والصدق والتوجيه الراشد الحكيم
الذي تضمنه كتاب الله عز وجل :
{ لَا يَأْتِيَه الْبَاطِل مِن بَيْن يَدَيْه وَلَا مِن خَلْفِه تَنْزِيْل مِن حَكِيْم حَمِيْد } .
فسماعنا للقرآن سماع إيماني شرعي محمدي سني
{ تَرَى أَعْيُنَهُم تَفِيْض مِن الْدَّمْع مِمَّا عَرَفُوْا مِن الْحَق }
وسماعهم للموسيقى سماع لاه عابث * لا يقوم به إلا الجهلة
والحمقى والسفهاء من الناس
{ وَمِن الْنَّاس مَن يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيْث لِيُضِل عَن سَبِيِل الْلَّه } .
دمتم برعاية لله وحفظه
مما تصفحت ...
Bookmarks