مدينة ريبون الآثرية :
تـقـع أطـلال وخـرائـب مدينة ريبون إلى الجنوب الغربي من مدينة سيئون ، على بعد نحو (94 كيلو متر) اسفل وادي دوعن ، وتعتبر من أقدم المدن التاريخية في وادي حضرموت وتشكل أطلالها وخرائبها عدة تلال آثرية وأعداد كثيرة من شبكات الري المتفرقة في عدة أماكن .
تزيد مساحتها على ( 10 هكتار ) ، يعود تاريخ هذه المدينة إلى ما قبل القرن السابع قبل الميلاد وأستمر فيها الاستيطان حتى القرون الميلادية الأولى ، جرت في خرائب هذه المدينة حفريات وأبحاث ودراسات أثرية من قبل البعثة الآثرية اليمنية السوفيتية في الفترة من ( 83-1988م ) ، وتوصلت إلى أن سكان المدينة كانوا قد زاولوا الزراعة ، وتربية الحيوانات ، وبنوا مجمعات سكنية جميلة خاصة للسكن ، وأبنية أخرى خاصة لأنشطتهم الدينية كالمعابد ، وقد كانت كل الأراضي المحيطة بالمدينة مغطاة بشبكات الري والقنوات والسدود وأحواض المياه ، وتدل كلها على ازدهار بلغ أوجه ، ومن أهم المعالم الخاصة بالمدينة والتي تمت فيها الحفريات الآثرية هي كالأتي :
- معبد الإلهة ( ذات حميم ) .
- معبد الإله ( سين ) .
- شبكات وقنوات الري .
1-معبد الإلهة (ذات حميم ) :
يتكون هذا المعبد من مجمع تعبدي يضم أربعة مباني ، بنيت أساساتها من الأحجار وجدرانها من الهياكل الخشبية التي ملئت فراغاتها باللبن لتصبح الجدران قوية ، ويعتبر اللبن ـ الطين ـ المادة الرئيسية للبناء في حضرموت منذ ما قبل القرن السابع قبل الميلاد ، وجدران هذا المعبد أقيمت بهذه المادة ، ويتميز بخفته وقوة تماسكه ، ولم يكن اللبن فقط المادة الوحيدة ، بل كان للأخشاب مكانة هامة في بناء الجدران والسقوف .
وفي هذا المجمع التعبدي عُثر أثناء التنقيب على بقايا هياكل خشبية وساعدت النيران التي التهمت المعبد على حـفـظ تصاميم هياكل الأخشاب واستعملت أعمـدة خشبية ذات مقاطع دائرية ومستطيلة ومربعة ، وكان المعماريون يضعون على أسس البناء الحجرية أعمدة قصيرة متوازية تفصل بينها فواصل غير كبيرة ، وعليها توضع عوارض خشبية طويلة ومع هذه العوارض توضع أعمدة خشبية مقاطعها دائرية وأقطارها حوالي (12 سم) ، وتربطها في أسفل وفي أعلى عوارض خشبية والتي بدورها مثبتة بأعمدة طويلة وبهذا يشكل الهيكل الخشبي التي تستند عليه جدران اللبن الني .
وقد تم عمل نموذج تخيلي للكيفية التي كان بها هذا المجمع التعبدي الذي يكاد أن تكون معالمه اليوم مطموسة .
وقد عثرت البعثة الآثرية أثناء التنقيب في هذا المعبد على الكثير من النقوش وجدت متناثرة داخل مباني المعبد ، في واجهة الجدران التي غطيت بقطع حجرية مصقولة منحوتة بشكل جميل ومتقن ، وملصقة واحدة جنب الأخرى ، بطريقة متناسقة ، وعليها حفرت النقوش المكرسة للإلهة التي يتحدث فيها أصحابها عن تقديم القرابين للمعبد ، ويضعون أنفسهم وأولادهم وما يملكون تحت حمايتها .
فما هي يا ترى نوع القرابين التى يقدمها هؤلاء للإلهة ؟
يحتمل أن الأحجار ـ المنحوتة والمصقولة ـ التي تغطي الجدران ، وقد عملت على حساب المتعبدين لهذه الإلهة في هذه المدينة وخصوصاً العائلات الغنية وبعض الأسر ذات الوجاهة ، ومن بين كتّاب هذه النقوش يبدن بصورة خاصة نساء كثيرات ، ولهذا فأن تقديم الأحجار المصقولة للزينة الجدارية للمعبد كانت تعد تضحية للإلهة وتـقديم قربـانـاً لها ، لـذا فالنقوش التـي كـتـب عـلـيـهـا ( فلان الفلاني قـدم ـ ضحى ـ للإلهة ذات حميم ) ، ولم يوضح ذلك الشخص ماذا قدم بالضبط ، فهي لا تدعوا للدهشة لأنه في الواقع قدم مبلغاً من المال لتجهيز جزء من الحجارة للزينة الجدارية للمعبد ، وهو الجزء الذي كتب عليه إهداؤه ، وهكذا كان ما يقدمه المتعبدون عبارة عن تجهيزات معمارية ومواد بناء وغيره ، أما المتعبدين الأغنياء والوجهاء ، فقد قدموا مبالغ مالية سخية لتغطية أجزاء كبيرة من الجدار بالأحجار المصقولة للزينة الجدارية .
ومن خلال معطيات النقوش ، فقد وقف معبد الإلهة ( ذات حميم ) ، متحدياً للزمن لفترة تزيد عن ستة قرون قبل أن يتعرض للهدم والتخريب وعلى امتداد هذه الحقبة الزمنية أعيد بناؤه وترميمه وتغيير قطاع الحجارة التي تزين جدرانية مراراً وتكراراً ، والنقوش التي تعود إلى الفترة المتأخرة والتي قدمت معطيات أكثر تفصيلاً في محتواها، كالنقش الذي قدمه شخص يدعى(ث م أ ك هـ م و) وهو نقش وجد في جدران المعبد الداخلية ، وفي مثل هذه النقوش المتأخرة ، تتحدث عن تقديم قرابين لتحقيق ما وعد به الشخص الإلهة ، أو لأجل تقديم اعتذار لما أرتكبه الشخص من أخطاء أو ذنوب
Bookmarks