لقد ذكرتـك والرمـاح نواهـل ... مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيـل السيـوف لأنهـا... لمعت كبـارق ثغـرك المتبسـم
لا زلت أتعجب من هذا البيتين الذين قالهما عبد أسود قبل الف و خمس مئة عام وهو يقاتل عدو له في صحراء العربية، هل من الممكن أن يكون أحدنا رومانسي لهذه الدرجة فيتذكر حبيبته وقت النزال ويوشك أن يقبل السيوف شوقا لثغرها؟؟؟
ليس عنترة وحده الرومنسي الوحيد في عالم مليء بالمشاغل!!!
كان أمروء القيس مثله أيضا _، كيف لا وهو الصادح حين بلغه مقتل الوالد و ضياع العرش..
"اليوم خمر و غدا أمر" ..._
فعشق بنت القيصر كما يقولون في عز إنشغاله بمطالبة عرشه.
قد يقول قائل أن الشعراء متفردون بحالات الحب المستمرة ، و لكن ليس الشعراء وحدهم من لا يجدون هما في الدنيا يأخذهم من براثن الهوى و العشق.
فهاهو الخليفة يزيد بن معاوية يجد وقت مخصصا للهيام في خضم مشاكل الحكم و ثورات الحسين و الزبير و الخوارج المتأججة ضده، فلا يكف عن مغازلة حبيباته محاورا إحداها :
قالت وقد فتكت فينا لواحظها ...ما أرى لقتيل الحب من قود
قد خلفتي طريحا وهي قائلة ...تأملوا كيف فعل الظبي بالأسد
وهاهو هارون الرشيد حاكم الدولة التي لا يرى سحابة في الدنيا الا كان فيها خراجها ، و الحاج عاما و المجاهد عاما ، ينشد في صبا ثلات من الجواري :
ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان
مالي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن في عصياني
ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ...وبه قوين أعز من سلطاني
و قد يحتج أحدهم بأن الخلفاء ( و الشعراء من قبل) وحدهم من يجدون وقتا للتيم وسط مشاغلهم،لكن الحجة هنا تبدو واهية عندما نعلم مثلا أن الطبيب الاعظم و الفيلسوف الأكبر ابن سيناء يجد وقتا للشجون على الرغم من مشاغله بالطب و الفلسفة فيكتب " رسالة في العشق" ، وكفى بالأسم حديث!.
وبالطبع ليس الشعراء و الخلفاء و العلماء وحدهم من يجدون للصبابة وقتا ، بل والفقهاء أيضا .
كيف لا والأمام ابن حزم الاندلسي أشهر فقهاء "الظاهرية" و الرائد بكتابه "المحلى"يخصص للوجد واللوعة حيزا وسط البحث الفقهي فيجمع حكاياته في رائعته "طوق الحمامة" ، وعلى ذاك سار الامام ابن القيم (على وزنه السلفي كتلميذ أبن تيمية الاشهر) في مؤلفه " روضة المحبين و نزهة المشتاقين " ، ولعل الاسم الرومنسي لكلا الكتابين أكبر دليل على أن العالمين كانا من محبي الود ورقة المشاعر ، ناهيك عن المضمون !؟
يقول نزار ...
ما يسمى ذلك الحب الذي ظل قروناً وقرونا ..
يقتل القتلى .. ويحتل الحصونا
ويذل الأقوياء القادرينا
ويذيب البسطاء الطيبينا
كيف يغدو شعر من نهوى سريراً من ذهب ؟
وفم المحبوب خمراً وعنب
كيف نمشي وسط النار ..
ونلتذ بألوان اللهب ؟
كيف نغدو - عندما نعشق - أسرى
بعدما كنا ملوكاً فاتحينا ..
دمتم في حب ...في كل وقت ...
Bookmarks