العرضـــــة والزامــــــــل
في كتاب ( الزامل في الحرب والمناسبات )للاستاذ الباحث بدر احمد بامحرز
لقد كان المبحث الثاني في كتاب الزامل في الحرب والمناسبات للأخ الكاتب/ صالح بن أحمد الحارثي ، يتعلق بالعلاقة فيما بين العرضة والزامل ، والعرضة : هي رقصة شعبية معروفة في مناطق نجد والحجاز ومناطق الخليج ، أما الزامل : فهو لونٌ فني معروف لدينا ، كما أنه غنيٌ عن التعريف .
ولقد استعرض الأخ الحارثي في مبحثه ذاك ، ما قاله الأخ الأديب/ عاتق بن غيث البلادي في كتابه ، الأدب الشعبي في الحجاز ، وما كتبه الأخ الكاتب/ طلال العثمان المزعل السعيد في كتابه – الشعر النبطي – الصادر عن ذات السلاسل بالكويت فنقل عن الأخ عاتق البلادي ما قاله عن العرضة في كتابه ذاك :
لا يختلف شعر العرضة ولحنها عن الزوامل – الزامل – أو الهزج فشعرهما بمناسبات الأفراح ، أو عرض قوة القبيلة ، أو إظهار عددها ، وما تملك من سلاح ومهارة استعماله ، ويبدأ القوم في صفٍ طويل وهم يهزجون ، وبناقدهم بأيديهم معبأة بالعتاد ، ويجعلون علامة في مكان قرب الصف وعلى يساره ، ويجعل كل من وصل إليها أطلق من بندقيته فيها ، ثم يأخذ الناس شكل دائرة تكون العلامة مركزها – ونقل عنه مقا ل: ( قد يصحب العرضة قرع الطبول بإيقاعات نظامية معروفة لديهم مما يضفي عليها منظراً بديعاً ويطرب الحاضرين طرباً شديداً ) ، وعلى الرغم من أن ما قاله الأخ البلادي هنا ، لم يتجاوز القول بعدم اختلاف الشعر واللحن في كل من الزمل أو الهزج والعرضة ، إلا أن الأخ الحارثي قد تجاوز ذلك كثيراً إلى القول : ( بأن الزامل والعرضة ، مسميان مختلفان لشيءٍ واحد ) ، ولإثبات رأيه هذا فقد أورد العديد من الأمثلة لذلك ، ولكن كل الأمثلة التي أوردها لإثبات رأيه ذاك ، لم تـتجاوز إيراد العديد من الأبيات الشعرية التي نظمت في إطار الزامل لمقارنتها بالعديد من الأبيات الشعرية المنظومة في إطار العرضة ، بالإضافة إلى شرح بعض المظاهر المشتركة فيما بين الزامل والعرضة .
إلا أن كل ذلك لا يثبت بأي حال من الأحوال التطابق أو القول بأن الزامل والعرضة شيٌ واحد ، كما أن ما نقله عن الأخ طلال العثمان ، حول العرضة لم يتجاوزها للحديث عن الزامل والعلاقة بينهما .
وفيما يبدو لي بأن الأخ الحارثي ، قد اعتبر أن وحدة الفرض في كل من الزامل والعرضة وتشابه الألحان أحياناً ، وبعض مظاهرهما المشتركة يجعل منهما
شيء واحد .
وأنا هنا لا أعتقد بما قاله الأخ الحارثي ، بل ولا أظنه مصيباً في ذلك ، وإنما أظنه قد أخطأ في ذلك خطأً واضحاً ، ودليل على ذلك أن الأركان الخاصة بالعرضة ليست هي أركان الزامل ، وإنما هما على شيءٍ كبير من الاختلاف فيما بينهما ، فلنرى معاً الأركان الخاصة بالعرضة ، والأركان الخاصة بالزامل ، ليتضح لنا ذلك الأمر ، ولسوف يظهر لنا الفارق الموجود بينهما ، وأن الزامل هو : فن يمني خاص لا يُشاركنا فيه أحد آخر إلا إذا كان ناقلاً أو مقلداً .
أركــان العرضـة :
1- الشعر أو المبارزة الشعرية . 2- اللحـــــــــــن .
3- الغنــاء الجماعــــي . 4- الــرقــــــــص .
5- الاصطفاف في صفين متقابلين. 6-الثبات في دائرة واحدة وعدم الحركة
7- استخدام الآلة الموسيقية
(الطبول – الطيران) .
8- تعــدد الأغــــراض
أركـان الزامـل :
أما أركان الزامل فهي كالآتـي :-
1- الشعر والمبارزة الشعرية . 2- اللحــــــــــن .
3- الأداء الجماعـــــي . 4-الثبات والحركةوالسيرمن الأغراض الحربية
ومن خلال المقارنة بين أركان العرضة والزامل نرى بأن من أهم الخواص الموجودة في العرضة خاصية الرقص التعبيري ، وهي خاصية غير موجودة في الزامل ، ثم إن الخاصية الأخرى الموجودة في العرضة ، خاصية استخدام الآلات الموسيقية – قرع الطبول- هي غير موجودة في الزامل وبالإضافة إلى هذا فإن هناك اختلافات أخرى فيما بينها ، وهي اختلافات واضحة ومنها : أن العرضة يتم تأديتها في موقع واحد وهو أشبه ما يكون بحلبة الرقص ، ويكون فيها المشاركون على شكل صفين متقابلين أو في شكل دائري ، وهم يعدون عن طرف واحد أي أن كل صف لا يمثل قبيلة واحدة وإنما هم طرف واحد أو في أفضل الأحوال خليط لا يمثل التناظر وذلك لا يدل أو لا يعبر عن الأغراض الحربية أو العسكرية وعلى الأقل من الناحية الفنية التعبيرية ، أما الزامل فإن كل شيء فيه يعبر عن ذلك من خاصية الحركة والتنقل الذي يرمز إلى الاجتياح أو اقتحام مواقع الخصوم ، إلى بقية الخواص الأخرى مثل الاصطفاف ، والانتقال من وضع الرتل للقوم إلى وضع آخر موضع الانتشار أو خط الانتشار في حالة المواجهة مع الخصوم أو الطرف الآخر .
ويتجسد ذلك في حالة ( المسندين والمستقبلين ) وعلاوةً على ذلك فإن التجسيد الحربي للزامل يتمثل في عملية التناظر أو التقابل بين الطرفين وكذلك في المناقضة الشعرية بين الطرفين .
ثم إن الزامل وفي إطار الإشعار المتبادلة فيه ، لا يحتمل إلا التعبير الجاد والقوي الذي يعبر عن القضايا القبلية والقضايا العامة التي تهم الجميع ، فهو لا يحتمل المضامين الغزلية إطلاقاً إلا إذا كانت بشكلٍ ررمزي ، أما العرضة فهي في أشعارها تـتناول الكثير من القضايا الغزلية ، وهو أمر يُعاب في الزامل .
ونخلص من كل هـذا إلى أن :
تشابه البحور الشعرية بين كلٍ من العرضة والزامل والتشابه في بعض الأغراض الموجودة فيهما ليست مبرراً كافياً للقول بأن العرضة والزامل هما مسميان لشيءٍ واحد ، كما نخلص إلى القول بأن الزامل فن يمني خالص ولا يُشاركنا فيه أحد إلا من كان نقالاً له .
ومع ذلك فإن التراث الشعبي اليمني ما يمكن أن نراه مقابلاً للعرضة الموجود في المناطق المجاورة من الجزيرة العربية ، ومن ذلك رقصة – السمرة – وهي رقصة شعبية معروفة في أغلب مناطق محافظة شبوة ، وسوف نوضح أوجه الشبه الكبير بين كل من العرضة والسمرة في الحديث القادم .
أوجـه الشبه بين العرضة والسمرة :-
كنا في الحديث السابق ، قد نفينا ما قاله الأخ الحارثي في كتابه ( الزامل في الحرب والمناسبات ) بأن الزامل والعرضة هما شيء واحد ، وبيَّـنا وجهة نظرنا من ذلك معتمدين على المقارنة فيما بينهما وتفنيد الأقوال التي اعتمد عليها الأخ الحارثي ، ومع ذلك فقد أوضحنا باب في الموروث الفني الشعبي لنا ما يقابل العرضة ، وذلك المقابل للعرضة يتمثل لدينا في رقصة – السمرة – الموجودة في أغلب مناطق محافظة شبوة ، وفي حديثنا هنا سنحاول إيضاح ذلك الشبه أو التقابل فيما بين العرضة والسمرة ، ولكن من الأهمية بمكان وللدخول في ذلك أن نبدأ الحديث هنا بتقديم بعض المعلومات العامة عن السمرة .
والسمرة هي : رقصة شعبية تنتشر في أغلب مناطق محافظتنا شبوة ، وهي رقصة جماعية ، تـتم فيها المساجلات الشعرية المختلفة بين شاعرين أو أكثر من ذلك ، وتسمى هذه الرقصة في بعض مناطق من المحافظة مثل منطقة باسم آخر هو : الهوب .. أما في حضرموت فإن هذه الرقصة تسمى : شبواني – ويدل اسمها هذا والمنتشر في حضرموت على أن أصل هذه الرقصة قد وفدت إلى مناطق حضرموت من مناطق شبوة ، ومن المؤكد بأن هذه الرقصة كانت هي الرقصة الشعبية الأولى في بعض مناطق المحافظة ، وإن الرقصات الأخرى كانت تأتي في القائمة السفلي من حيث الأهمية ، ومن تلك الرقصات ، الشرح والبرع والمياح والمحفوسة ، والدراج ، .. إلخ ، ويعود السبب في ذلك إلى تأصل جذور هذه الرقصة لدى أبناء المحافظة وإلى ما يجدونه فيها من قدرة واضحة في المزج بين الغنى التعبيري الشكلي المتمثل في الرقص واللحن وبين الفنون التعبيرية القولية المتمثلة في الشعر .
ولو تـتبعنا الأشعار الشعبية هنا ، لوجدنا بأن غالبية تلك الأشعار الشعبية قد تم نظمها في الألحان الخاصة بالسمرة ، وقد تعددت الأغراض الشعرية التي نظمت في لون السمرة من الأغراض الحربية القبلية إلى الأغراض الغزلية والاجتماعية والسياسية وغير ذلك من الأغراض التي تناولها الشعر العامي عموماً .
وتؤدي هذه الرقصة – السمرة – من قبل الراقصين في موقعٍ ثابت هو : المدارة – أو حلبة الرقص ويكون فيها الراقصون على شكل صفين متقابلين ، حيث تبدأ جوقه صغيرة من الراقصين في ترديد لحنٍ معين أو مختار ، ويتم ترديد ذلك اللحن في أول الأمر على شكل موال بطيء هو البال ، أو الدندنة ، ثم يدخل أحد الشعراء فيُلقي إلى تلك الجوقة بعدد من الأبيات المنظومة على ذلك اللحن ، وتـتراوح تلك الأبيات ما بيين أربعة إلى ثمانية أبيات ، وتردد تلك الأبيات على ذلك النحو البطيء (الموال) وحيث يخلص الشاعر من أبياته تلك يتم ترديد البيتين الأخيرين من أبياته الشعرية ، بعد أن تكون تلك الجوقة الصغيرة ، قد غيرت ذلك اللحن إلى لحنٍ سريع ، وهو ما يسمونه بالكسرة للحن – أي تحويله إلى لحنٍ راقص ، فيكون البيت الأول مردد من قبل كل الراقصين الذين هم في صف الجوقة والبيت الثاني للصف الآخر المقابل لهم ، حينذاك تقرع الطبول الهواجر التي تكون اثنين أو ثلاثة ، ويكون قارعي الطبول متنقلين فيما بين الراقصين ، ويكون الراقصون حينها ينشدون ذلك اللحن مصحوباً بالحركات الإيمائية الرقصة للراقصين مع شيءٍ من الإيقاع المعتمد على الأرجل والتصفيق وبروز بعض الراقصين إلى رأس الحلبة ، للرقص بالسلاح ، ويستمر الراقصون على ذلك النحو ، إلى أن يدخل الشاعر المبارز ليلقي بأبياته التي عادةً ما تكون مناقضة لأبيات الشاعر الأول ، وقد يكون عدد الشعراء أكثر من شاعرين .
وبعد هذه المعلومات العامة عن رقصة السمرة فلننتقل إلى المقارنة فيما بين رقصتي السمرة والعرضة ، وذلك من خلال تبيان الأركان الخاصة بهاتين الرقصتين .
أركـان السمـرة :1-
المبارزة الشعرية 2- الأداء الجماعي
3- اللحــــــن 4- الرقص التعبيري
5- الاصطفاف في صفين متقابلين 6- الثبات أو الأداء في موقع واحد
7- استخدام الآلة الموسيقية – الهواجر – الطبول . 8- الانتقال باللحن من بطيء – موال – إلى اللحن السريع ، الرقص
أما الأغراض التي يتم تناولها في السمرة ، فهي أغراض مشابهة لأغراض العرضة ، من الأغراض القبلية والحربية إلى الأغراض الغزلية .
أركـان العرضـة :
1- المبارزة الشعرية 2- الأداء الجماعي
3- اللحــــــن 4- الرقص التعبيري
5- الاصطفاف في صفين متقابلين 6- الثبات أو الأداء في موقع واحد
7- استخدام الآلة الموسيقية ،
الطيران 8- الانتقال باللحن من بطيء – موال – إلى اللحن السريع ، الرقص
أما الأغراض فهي نفس الأغراض الموجودة في السمرة .
ومن هذا يتضح لنا بأن الأركان الخاصة بين كلٍ من السمرة والعرضة هي أركان واحدة ، وأن السمرة لدينا هي التي تقابل العرضة ، وليس الزامل
Reply With Quote
Originally Posted by بامحرز
Bookmarks