1- المصائب منها ما هو عقوبة ومنها ما هو بلاء. 2- فوائد البلاء للعبد المؤمن. 3- الزلازل سنن كونية يقدرها الله متى شاء. 4- الزلازل عقوبة إلهية لمعاصي البشر. 5- الزلزال الأكبر يوم القيامة
أما بعد:
فإن المصائب من سنة الله تعالى في الكون، وكل إنسان لابد أن يصاب بشيء منها، يقول الله تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، ويقول: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب، والمصائب ليست بالضرورة للانتقام والإهانة، قال الله تعالى: وأما إذا ما ابتلاه ربه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا.. وإنما هي امتحان له حكم كثيرة، ومن أهم هذه الحكم:
1 – إقامة الحجة، لأن الله سبحانه لايحاسب الإنسان إلا على ماقدم من نية أو قول أو عمل بعد أن بين الله له ما يجب عليه وما يستحب، ولو أن الله خلق الناس دون أن يدخلهم الامتحان في هذه الحياة، وقال لفئة منهم: أدخلوا النار لقالوا ياربنا أعطنا فرصة، مرنا بما شئت وسنفعل كل ما تأمرنا به، وإن لم يعطوا هذه الفرصة فسيشعرون بأنهم ظلموا، فأراد الله أن يعطيهم هذه الفرصة لإقامة الحجة عليهم، ومع ذلك يقسم المشركون يوم القيامة أنهم ما أشركوا، يقول الله: قالوا والله ربنا ما كنا مشركين.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله فضحك، فقال هل تدرون مم أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((من مخاطبة العبد ربه، يقول: يارب ألم تجرني من الظلم؟ يقول: بلى، فيقول: فإني لا أجيز (أي لا أقبل) على نفسي إلا شاهداً مني، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، فيختم على فيه فيقال لأركانه: أنطقي، فتنطق بأعماله ثم يخلي بينه وبين الكلام، فيقول: بعداً لك وسحقاً، فعنكن كنت أناضل)) وهو معنى قوله تعالى: اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون وقوله تعالى: حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء، فكل هذا الإنكار بعد أن أشركوا وعصوا وشهدت عليهم جوارحهم، فكيف لو لم يعطوا هذه الفرصة؟
أيها الإخوة المؤمنون: ومن حكم هذه الإبتلاءات والمصائب: التمحيص، فالشدائد تكشف حقائق الناس وتميز الطيب من الخبيث، والصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، وفي ذلك فائدة عظيمة للمجتمع الإسلامي، يقول الله سبحانه وتعالى في الآيات التي تتحدث عن غزوة أحد وما نال المسلمين فيها، مبيناً جانباً من الحكمة في هذا الإبتلاء: ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب كما أن الشدائد تميز للإنسان الأصدقاء الحقيقيين من أصدقاء المصلحة كما قال الشاعر:
جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقـي
وما شكري لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي
ومن حكم المصائب: تكفير الذنوب والسيئات، فقد يختار الله تعالى للإنسان أن يعاقب بذنبه في الدنيا وأن لا يؤجل له إلى الآخرة، ولا شك أن عذاب الدنيا مهما عظم فهو أخف من عذاب الآخرة مهما صغر، قال تعالى: ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعملون والرسول يقول: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)).
ومن فوائد وحكم هذه الابتلاءات: رفع الدرجات كما في بلاء الأنبياء وغيرهم من الصالحين الذين إذا ابتلاهم الله صبروا، فترتفع بالصبر درجاتهم عند الله سبحانه وتعالى يقول الرسول : ((ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)).
ومن فوائد المصائب أيها الإخوة: التذكير بنعم الله تعالى على الإنسان، لأن الإنسان الذي خلق مبصراً – مثلاً – ينسى نعمة البصر ولايقدرها حق قدرها، فإن ابتلاه الله بعمى مؤقت ثم عاد إليه بصره أحس بكل مشاعره بقيمة هذه النعمة، فدوام النعم قد ينسي الإنسان هذه النعم فلا يشكرها، فيقبضها الله ثم يعيدها إليه تذكيراً له بها ليشكرها.
بل إن في المصائب تذكيراً للإنسان ولغيره بنعم الله، فإذا رأى الإنسان مجنوناً أحس بنعمة العقل، وإن رأى مريضاً أحس بالصحة، وإن رأى كافراً يعيش كالأنعام أحس بنعمة الإيمان وإن رأى جاهلاً أحس بنعمة العلم، هكذا يشعر من كان له قلب متفتح يقظ، أما الذين لا قلوب لهم فلا يشكرون نعم الله بل يبطرون، ويتكبرون على خلق الله.
ومن حكم المصائب عدم الركون إلى الدنيا، فلو خلت الدنيا من المصائب لأحبها الإنسان أكثر ولركن إليها وغفل عن الآخرة، ولكن المصائب توقظه من غفلته وتجعله يعمل لدار لامصائب فيها ولا ابتلاءات.
ومن حكمها: صقل شخصية المؤمن، فالمصائب تصقل الشخصية وتقويها، ولذلك لم يكن عبثاً أن اختار الله لنبيه أن يكون يتيماً، وأما الأطفال المدللون كما نرى في واقع الحياة – فغالباُ ما تفسد شخصياتهم وتتميع، فالابتلاءات كالدورات التدريبية القاسية التي تبرز الطاقات وتنميها.
ومن أعظم حكم المصائب والابتلاءات: التنبيه والتحذير عن التقصير في بعض الأمور ليتدارك الإنسان ما قصد فيه، وهذا كالإنذار الذي يصدر إلى الموظف أو الطالب المقصر، والهدف منه تدارك التقصير، فإن فعل بها ونعمت، وإلا فإنه يستحق العقاب، ولعل من الأدلة على ذلك قوله تعالى: فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ماكانوا يعملون.
ومن الحكم المترتبة على سابقتها – أيها المؤمنون – الإهلاك عقاباً لمن جاءته النذر، ولكنه لم يستفد منها ولم يغير من سلوكه، واستمر على ذنوبه قال تعالى: فأهلكناهم بذنوبهم وقال تعالى: ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين، وقال تعالى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً، نسأل الله أن يرزقنا الصبر عند المصائب وحسن الإستفادة منها، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
Bookmarks