الصورة المشوهة للإنسان


الكتاب: مدرسة الدكتاتور

مسرحية من الأدب الألماني

تأليف: إيريش كيستنر

ترجمة: إقبال القزويني

مراجعة: د. عطية العقاد

الناشر: المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب

هذه مسرحية استغرق مشروع كتابتها عشرين عاما، وفي ذلك الوقت، فقد الكثيرون ـ ومنهم المؤلف ـ الآمال في النجاح. لقد خبروا، بفضل التجربة الألمانية في الكتابة المسرحية، أن الإنسان معرض للمسخ والتغيير إلى درجة عدم التعرف عليه، هذا مع الاحتفاظ بطابعه الشكلي. إن منظر الكلاب التي ترتدي ملابس الدمى، والمدربة على القفز بأطرافها الخلفية هو منظر مقزز وحزين، ولكن منظر من دربت كرامته، وشد ضميره إلى حبل، هذا الإنسان المتلبس شكل إنسان هو المنظر المرعب حقا... ورغم أنه عصي على الوصف، فهناك محاولة لوصفه.

هذه المسرحية يمكن اعتبارها ساخرة، ولكنها ليست كذلك. إنها تظهر الإنسان بصورته المشوهة ومن دون أدنى مبالغة. وهذه الصورة المشوهة هي لوحة الشخصية له، فهل يمكن لمسرحية كهذه أن تمنح أدوارا كبيرة؟ لا... هل هو الحوار الذي يلقي ظلالا مختلفة الدرجات على الشخوص؟ لا... هل هو تطور الشخوص في الحدث؟ لا... صراع مأساوي؟ لا... إن كل هذا ليس مسموحا به لإنسان مهان يقفز بأطرافه الخلفية، حسب ما تقترح هذه المسرحية!

وما تحاول هذه المسرحية إيصاله أن العظمة والذنب، المعاناة وتطهير النفس... معالم دراما أصيلة يعلوها الغبار، وبالتالي يجب أن يرفع الإنسان صوته احتجاجا، ولكن قبل ذلك يجب أن يتعرف عليها... أن يدركها.

هذا الكتاب يروي حدث دولة مهماً: دكتاتور دموي هزلي يقضى عليه بواسطة انتفاضة شريفة، ثم يغتال الثائر، ويأتي دكتاتور آخر لم يكن بالنسبة إلى المهيمنين على الحكم بأكثر من عربة قديمة، أو حمار طروادة.

حكومتان يطاح بهما.. بالطريقة نفسها وحسب التقاليد الكلاسيكية للانقلابات، وتنضاف طرق جديدة إلى القديمة، وتدخل أسلحة جديدة إلى الحرب الأهلية. والقائد الذي كان يتحدث إلى خمسة آلاف شخص، بات يتحدث إلى عشرة ملايين، وإذا أدار أحدهم زرا في كابينة الصوت، فإن حديثه لن يصل إلى أحد، إنه يظن نفسه حيا وهو ميت منذ زمن.

عمل مسرحي يرى أن على تقنية الانقلاب أن تضع في حساباتها انقلاب التقنية.

هذا النص هو مسرحية، ولها موضوع، والموضوع، وللأسف، لا يزال شابا. هناك إلحاح تاريخي (زمني)... إنه موضوع الساعة، كما يرى إيريش كيستنر.

إيريش كيستنر مسرحي ألماني (1899 ـ 1975) عاش حياته مستقلا، لا يرتبط بحزب سياسي بعينه يوظف له قلمه، فهو لا يعرف غير ألمانيا، وقد عبر في أعماله عما رآه في مصلحة الأمة بأسلوبه الساخر الذي يصل إلى العقول بيسر وسهولة، وليس معنى ذلك أنه كان بعيدا عن الأحداث، بل على العكس كان في قلب الأحداث، ولكنه كان يرفض أن يؤجر قلمه لأحد. ورغم أنه تعرض للاعتقال مرات كثيرة، لكنه لم يفكر أبدا في الهجرة من ألمانيا، ورغم تعرض كتبه للحرق والمصادرة، لكنه لم يكن يعدم الوسيلة لنشرها خارج ألمانيا، بل كانت تتلقفها شركات الإنتاج السينمائية، مثل روايته >رجال ثلاثة وسط الجليد< التي قدمتها شركة مترو غولدن ماير. كما تحولت روايته >أميل والمخبرون< إلى فيلم. ولقد عانى أهوال الحربين، إذ أصيب بعد الحرب العالمية الأولى بمرض القلب، لكنه لم يتخل أبدا عن عزيمته، وإرادته الحديدية أبدا لم تلن. درس الأدب والتاريخ والفلسفة حتى حصل على درجة الدكتوراه في الأدب. وكتاباته نالت نجاحا وشهرة عالمية واسعة النطاق.

كان يجد السلوى والعزاء عندما يكتب القصص القصيرة للأطفال، فقد كان يجد فيها الترويح عن النفس من عناء الكتابة في النقد اللاذع للكبار، الذين لا تستجيب عقولهم للتعلم. كان هذا الأمر يضنيه لدرجة كبيرة فيجد في نفسه حاجة ماسة للترويح عن النفس وطرد التعب عنها، فيلوذ بالكتابة للأطفال.

اكتسب كيستنر مكانته الأدبية من خلال نشاطه الأدبي ككاتب قصة وروائي وكاتب سيناريو وشاعر وكاتب قصص أطفال وناقد مسرحي. أما كتاباته المسرحية فلم يعرف منها سوى المسرحية التي بين أيدينا فقط.

أما أهم المحطات في حياة الكاتب، فهي على النحو التالي:

1899 ولد كيستنر في مدينة درسدن. 0291 بدأ الكتابة والنشر في درسدن. 1925 حصل على درجة الدكتوراه. 1927 انتقل إلى برلين وبدأ نشاطه الأدبي صحافيا وأديبا وناقدا حرا في العديد من الجرائد والمجلات. 1928 كتب مجموعة من القصائد >القلب الخصر<، وكتب >أميل والمخبرون< (كتاب للأطفال). كما ظهر له أيضا أجمل ما كتب للأطفال كتاب >من التاسعة حتى التسعين< 1929. حققت له رواية >أميل والمخبرون< أول نجاح كبير في ألمانيا وخارجها، وقد قدمت للسينما عدة مرات، وما زال يقبل عليها المنتجون والمخرجون حتى الآن.



هل حقاً العالم إمرأة ؟!


الكتاب: العالم امرأة

مقالات.. في جدلية العلاقة بين المرأة والسياسة

المؤلف: السعد عمر المنهالي

الناشر: السلام للنشر والتوزيع

منذ أن خلق الله المرأة من ضلع آدم عليه السلام، لم تتكرر هذه المعجزة مرة أخرى، في حين أن العالم وفي كل يوم يشهد آلاف المعجزات، فمن رحم المرأة خلق الله العالم بأسره. ولذا فالقول بأن >العالم امرأة< كما يقترح هذا الكتاب، لا يحمل أي مبالغة أو تحيز يذكر، وسواء كان هذا العالم بمعناه الإنساني أو السياسي.

عندما اقتُرح على مؤلف هذا الكتاب كتابة عمود أسبوعي عن المرأة في الصحافة راح يتناول أسبوعيا شخصية نسائية تقوم بعمل ما له أبعاده السياسية، لا سيما على المستوى الدولي. ويعترف المؤلف أنه في البداية لم ترق الفكرة للكاتب ولم يكن ليقتنع بها لشعوره الدائم بأن من حوله يدفعون به في اتجاه الكتابة في الشأن النسوي بعيداً عن السياسة، كما أن إمكانية التواجد الفعلي لامرأة على الساحة السياسية والدولية أسبوعيا أمر طالما بدا له مستحيلا. ولكن وبعد ما يقارب العامين من الكتابة في هذا الحقل وجد أولاً: أن رصد تحرك المرأة في المحيط السياسي العام، يكون في أغلب الأحيان تطلعاً إلى أفق أوسع ونظرة أعمق للكثير من خفايا السياسة.

وثانيا: أن المستحيل بالفعل هو أن يخلو يوم على مستوى العالم وأحداثه من أنثى تمردت على كل ما جعلوه حولها من قيود لتقول للعالم أنها فوق كل القيود.

ولذا فإن القارئ سيجد من خلال شخصيات هذا الكتاب إناثا ذوات قدرات عالية، استطعن بها اختراق الأحداث والعبور إلى العالمية، وهذا ما حاول المؤلف تعقبه في الشخصيات من خلال متابعة البيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية التي خرجن منها، ليصل بها مع القارئ إلى الموقع الذي تتصدره في لحظة الكتابة عنها، والذي استطاعت من خلاله التأثير على الحدث محل التناول، والذي له مكانة في كل مقال لا تقل عن مكانة الشخصية، مع مراعاة البعد التحليلي والاعتماد قدر المستطاع على الموضوعية في رصد تصريحات الشخصية وجمع الأرقام المتعلقة بالحدث، وذلك في تمازج للخروج في النهاية بنتيجة قد تثبت أو تنفي الفكرة التي انطلق منها الكاتب.

إن مجرد مراجعة أسماء شخصيات الكتاب وحدها كفيلة بأن تضع القارئ أمام جملة من التباينات والاختلافات التي يشعر بها أي متأمل لخريطة العالم، توضح فيها الأقاليم الجغرافية والمناخية، فبين مرتفع ومنخفض، ومتجمد واستوائي، وبحر ويابس، وجاف وممطر، تعيش شخصيات هذا الكتاب.. فمن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. رحلة لا تقل متعتها عن متعة النظر إلى الأرض من الفضاء. ومن خلال نظرة المؤلف لتلك الشخصيات. يقول المؤلف: لا أدري ما الذي اجزم بأني علمته علم اليقين، إذ يبقى سؤالي بعد هذه الرحلة الطويلة حائرا بين النساء والسياسة، فهل ما اكتشفته السياسة.. أم النساء؟!



كتاب أساسي في الحضارة الأندلسية


الكتاب: في تاريخ إسبانيا الإسلامية

المؤلف: مونتغمري وات

ترجمة: د. محمد رضا المصري

يقدم >مونتغمري وات<، في هذا الكتاب، موجزاً في تاريخ اسبانيا الاسلامية السياسي والحضاري، مع فصول في الأدب الأندلسي بقلم المستشرق بيير كاكيا. والكتاب، بقسميه، التاريخي والأدبي، لا يبدو أنه يحاول الاحاطة بكل حقب التاريخ الأندلسي وحوادثها، ولا يبدو أن يكون بديلا عن تلك التواريخ التي تتبع تفاصيل الحوادث وتطورها، وتحاول أن تعيد نسج كل ما جرى بل هو، كما يتبين من عنوانه، تاريخ معين عرض بطريقة خاصة، يضاف إلى التواريخ العديدة التي خصصت لزمن المسلمين في اسبانيا، والتي وصفها القدامى والمحدثون، مثل ابن عذارى، وابن الخطيب، ودوزي، وليفي بروفنسال، ومحمد عبد الله عنان، وسواهم لكنه يقدم لمحة تشمل الحقب الممتدة من الفتح حتى نهاية الوجود الإسلامي بطرد الموريسكيين منها، وتقتصر على الأساسي من الحوادث، والظواهر، والخصائص التي تكشف عن حقائق هامة، ونواميس تحكمت بمصير الدولة الأندلسيّة بخاصة، والدولة العربية الاسلامية بعامة.

يحلل المؤلف طبيعة الدولة العربية، ناظراً في الأفكار والمفاهيم التي قامت عليها، مُوليا التاريخ الاجتماعي اهتماماً خاصاً من دون أن يهمل التحقيق في الحوادث التاريخية الكبرى وتواريخها وأسبابها ونتائجها ولذلك، فإن الذي يميز هذه الدراسة بصفة خاصة: أنها دراسة غير وصفية تصور من الخارج وتقف عند حدود السرد والرواية، بل هي دراسة في العمق رائدها التحليل والتفسير والتعليل، أي الكشف عن النواميس والعلل الكامنة وراء الحوادث والظواهر. وإيجازها لا يحصرها ضمن دائرة اهتمام القارئ العادي، بل تتجاوز هذه الدائرة لتثير اهتمام المختصين بالدراسات العربية ـ الاسلامية والأندلسية بنوع خاص.

يرى وات أن الدولة العربية كانت عبارة عن قبيلة، أو حلف يضم مجموعة من القبائل، وأنها، في علاقاتها مع الدول الأخرى المعاصرة، لم تستطع، في جوهرها، أن تتجاوز كثيراً العلاقات التي كانت تربط القبيلة بحلفائها أو خصومها من القبائل الأخرى. وفي أحسن الأحوال، كانت تلك العلاقات صورة مطورة من علاقات القبائل بعضها ببعض، مستوحاة، إلى حد بعيد، من الشكل الذي اتخذته تلك العلاقات، إبان نشوء الدولة الإسلامية في المدينة، أيام النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وانطلاقاً من هذا التصور، يحاول المؤلف أن يعلل انهيار الدولة الأندلسية التي هي، في نظره، نموذج من الدولة العربية ـ الإسلامية في خطوطها وملامحها العامة. والسبب الأساسي لهذا الانهيار، في رأيه، هو الإخفاق في تكييف الأفكار الإسلامية المتعلقة ببناء الدولة مع مشاكل العصر، وعدم وجود طبقة وسطى راسخة الأساس ومهتمة بالمحافظة على حكومة مركزية فاعلة.

غير أن وات، على الرغم من اعتباره دولة الأندلس، نموذجا من الدولة العربية ـ الاسلامية، فإنه يجهد في ابراز الطابع الخاص لهذه الدولة التي قامت على بقعة مسرفة البعد عن مهد العروبة والاسلام، لها صورة اجتماعية وسياسية وثقافية مختلفة عما عرفه الفاتحون في سائر الأقطار. وفضلاً عن ذلك، كان الفاتحون، وبخاصة العرب، حمَلة الراية وبُناة الدولة وإيديولوجيا المجتمع، أقلية بعيدة عن جذورها الجغرافية والإتنية، في ذلك البحر الغامر من البشر والعادات والتقاليد والأعراف الخ... وعلى رأس ما يميز الأندلس، أو إسبانيا الإسلامية، تبرز الأهمية التي تتبوأها هناك الروابط الاجتماعية والسياسية وأواصر الرحم والدم بين الأسر عريقة المولدة وانسبائها من مسيحيي الشمال، وأثر ذلك على العلاقات السياسية وتطور الحوادث في بعض مناطق الشمال الأندلسي المتصل بأراضي النصارى المستقلين عن الدولة الإسلامية ولعل من أبرز تلك العلاقات غير المألوفة، في الدولة والمجتمع الإسلامي، تطبيق أعراف غير إسلامية في إسبانيا الإسلامية المتزمتة، الحريصة على وحدة المذهب بين رعاياها المسلمين، مثل دخول أسر مسيحية في طاعة أسر إسلامية، وولاء أسر إسلامية لأخرى مسيحية تربطها بها أواصر القربى؛ مما يثبت، في بعض الأحوال، تقدم العامل الاجتماعي أو السياسي على العامل الديني، وعدم قدرة الدين على محو كل الروابط الأخرى التي كانت تشد الجماعات أو الأفراد بعضهم إلى بعض، قبل اعتناق بعض أفرادها للإسلام، كالتي كانت تربط بني قسي بحكام مملكة نبرة النصرانية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الكاتب دائم التنبه إلى كل وضع يرى أن الأندلس تميزت به وكان له أثر على أحوالها المادية أوالروحية. فهو، على هذا الصعيد، يرى أن للبربر وضعا خاصا وأثراً هاما في توجيه الحياة الفكرية في الأندلس، إذ ساعدوا، في نظره، على منع انتشار البدع، لأنهم اضطروا إلى التضامن مع العرب، لمواجهة قدْر من العدائية كانوا يلقونه من جانب الإسبان.

كذلك يحاول المؤلف أن يحلل الأسس الفكرية والاجتماعية للدول البربرية التي حكمت الأندلس، مثل دولتي المرابطين والموحدين وتفاعل الأندلس معها.

أما الوجه الحضاري لإسبانيا الإسلامية، فيرسم المؤلف ملامحه الفكرية والروحية والعلمية والفنية، في لمحات مأخوذة من مراحل في تاريخها، يبدو أنه يعتبرها أساسية، ويوردها على النحو التالي: الانجازات الحضارية في ظل الأمويين، العظمة الحضارية إبان الانحطاط السياسي (أواخر عصر الموحدين)؛ الأدب والفن في العصر الغرناطي (نهاية إسبانيا الإسلامية)، وأخيراً يحاول أن يصدر حكماً عاما على أهمية إسبانيا الإسلامية الخاصة ودورها في التاريخ الأوروبي مستجلياً عظمتها الذاتية.

وفي كل الفصول التي كتبها >وات< يهيمن عليه هاجس التفسير والتعليل فهو حريص على تعليل كل ظاهرة أو حادثة بل كل شيء، مما لا يؤدي به في بعض الأحيان إلى تكوين نظرة عامة متماسكة جلية المرتكزات والنواميس، كما أن اغفال الكثير من التفاصيل التاريخية والحوادث يزرع البلبلة أحياناً في ذهن القارئ غير المطلع والعاجز، أمام الصورة المتقطعة، عن ربط خطوطها، بعضها ببعض وكأن الكاتب هنا ينسى هذا القارئ، ويتوجه بكلامه، إلى المتخصصين الذين هم على علم بهذه التفاصيل ويرمون، من القراءة، إلى تفسير التاريخ لا الاطلاع على ما حفل به الكتاب من وقائع وظواهر.

أخيراً، فإن تاريخ إسبانيا الاسلامية، كما يراه >وات<، وعلى الرغم من إيجازه، إنما يتسم بكثير من المزايا التي قد لا تتوافر في العديد من الكتب التي تناولت الموضوع ذاته.





استعادة فن مغربي عريق


الكتاب: فن العيطة بالمغرب

المؤلف: حسن بحراوي

الناشر: اتحاد كتاب المغرب

تأخذ فصول هذا الكتاب على عاتقها التعريف الأولي بفن من أعرق الفنون الغنائية الشعبية في المغرب هو فن العيطة.. ففي خضم الاهتمام الراهن والمتواصل بهذا النمط من الغناء الأصيل من طرف أجيال المستمعين والمولعين تتزايد الحاجة إلى تبصير شباب القراء بجذور هذا الفن وألوانه وموضوعاته.. كما تتأكد أهمية توثيق ذلك المتن القليل الذي وصلنا منه وعرضه في صياغة أدبية تعامل تراث العيطة بوصفه إنتاجا فنيا قام بالتعبير عن هموم وأفراح الإنسان الشعبي خلال فترة حاسمة من تاريخه.. وسجل لنا مظاهر حية من معيشه وطقوسه وأحلامه..

فعن طريق النظر في أنواع العيطات الرائجة ونسبتها إلى مواطنها وتحديد مميزاتها المضمونية وقوالبها الفنية.. سوف يكون بوسعنا أن نبلور صورة تقريبية وشديدة النسبية عن هذا الفن الذي عانى من التجاهل واللامبالاة لحقبة طويلة دون أن يجد اليد الرحيمة التي تربت عليه وتخفف ما نزل به..

حول دواعي تأليف الكتاب يقول الباحث أنه حتى لا نستمر في الاعتذار بتقاعس الآخرين من أصدقائنا الذين يعلمون كم ألححنا في مناشدتهم بالتصدي المنهجي للتعريف بهذا الفن وتوسيع دائرة مناقشته وتحليله والعمل على تقريبه من الأوساط المثقفة والعالمة.. على الأقل بذلك القدر الذي يواكب تغلغله في وجدان المغاربة.. وحتى نلقي بحجر صغير في هذه البقعة الخاملة من ذاكرتنا الجماعية فكرنا أن تكون هذه الصفحات استلهاما واستطالة لنقاش عام طال به الأمد بين زمرة من المشتغلين على فن العيطة ومنهم باحثون محنكون كالراحل محمد بوحميد وعلال الركوك وحسن نجمي.. وآخرون منجذبون لعلاقة العيطة بالمسرح كمحمد بهجاجي ومحمد قاوتي وبنسالم كويندي وسعد الله عبد المجيد.. ومنهم باحثون أجانب جذبتهم أوتار العيطة من كل القارات كالباحثة الأمريكية ديبورا كابشن التي أنجزت عملا هاما في موضوع العيطة ضمن رخصة بحث من جامعتها بالتيكساس.. والباحثة الموسيقية الإيطالية آلسندرا توتشي الموفدة من جامعة أميركية لدراسة هذا الفن وتقعيده موسيقيا وأكاديميا..

وإدراكاً من المؤلف أن فن العيطة هو بالضرورة ملك جماعي مشترك للشعب المغربي.. يرى أنه إلى الباحثين المغاربة يعود أمر رعايته وصيانته من الضياع والتمييع.. وأول خطوة لتحقيق ذلك هي التصالح معه وإعادته إلى مكانه الأثير في الذاكرة والوجدان..

هذا الكتاب بمثابة الصفحات الأولى في رصد هذا الفن لعلها كما يرى الباحث أن تكون الخطوة الأولى التي.. تتبعها خطوات.





المشاهد السياسي