عبد الباري عطوان

اعتراض اسبانيا لسفينة كورية شمالية تحمل صواريخ سكود في المياه الدولية المقابلة للشواطيء اليمنية، وتسليمها للولايات المتحدة الامريكية، يشكل ابشع انواع القرصنة، مثلما يضيف اهانة جديدة الى النظام الرسمي العربي، والشق الاكثر حماساً فيه للتحالف مع واشنطن والمشاركة في حروبها في المنطقة والعالم.
نحن نفهم ان تعترض واشنطن وحلفاؤها سفينة تحمل شحنة مخدرات، او اسلحة محظورة عالميا، ولكن ان تعترض سفينة تحمل صواريخ مجهزة بتكنولوجيا متخلفة وتثير حولها كل هذه الضجة، فهذا امر يستحق من الحكومة اليمنية ما هو اكثر من استدعاء سفير وتحميله احتجاجا شديد اللهجة لحكومته، والمطالبة بالافراج عن هذه الصواريخ لانها خاصة بالجيش اليمني.
صحيح ان الحكومة الامريكية افرجت عن السفينة وحمولتها، وتركتها تواصل رحلتها الى وجهتها الاخيرة في عدن او الحديدية، ولكن الصحيح ايضا ان ما يمكن استخلاصه من حادثة القرصنة هذه، ان لا خصوصية ولا كرامة للسيادة العربية، ولذلك لم يعد بمقدور اي حكومة عربية استيراد صفقة نعاج او ابقار من اي دولة في العالم دون اخذ موافقة واشنطن المسبقة، ناهيك عن صفقات اسلحة.
الرسالة الامريكية الاسبانية واضحة للعرب، تقول مفرداتها انه ممنوع على العرب امتلاك اي نوع من الاسلحة، الدمار الشامل او غير الشامل، دفاعية كانت او هجومية، حتي تظل ضعيفة مستباحة لا تملك القدرة في الدفاع عن نفسها او تحقيق التوازن العسكري مع جيرانها، وتظل اسيرة الحماية الامريكية من خلال معاهدات ابتزازية مهينة.
فمن المؤكد ان الاستخبارات الامريكية تعرف مسبقا ان هذه السفينة تحمل اسلحة الى اليمن، والا لما اوعزت للسفن الاسبانية لاعتراضها في عرض البحر، وهذا يعني انها تقصدت ايصال رسالة ما الى اليمن، والى كل الانظمة العربية الاخرى من خلاله، بغض النظر عن كون النظام اليمني هو الاكثر تعاونا في الحرب الامريكية ضد ما يسمي بالارهاب، فقد فتح أراضيه وقواعده وملفاته الامنية لاجهزة المخابرات الامريكية، واعطاها الحرية المطلقة لمطاردة مواطنيه واعتقالهم بل وقتلهم مثلما حدث في مأرب مؤخراً.
فاذا كان ممنوعا على حكومة صديقة للولايات المتحدة، او مجبرة على هذه الصداقة، مثل اليمن، استيراد مثل هذه الصواريخ (15 صاروخا) لحماية نفسها، فما هو المسموح اذن؟ استيراد السيوف والخناجر، وعربات مدرعة تجرها الحمير والخيول؟ وبعد الحصول على تصريح من البيت الابيض.

ہ ہ ہ

انه ارهاب امريكي غربي بكل المقاييس ويستهدف العرب والمسلمين دون غيرهم من البشر، ومن يقول غير ذلك اما جاهل او متواطىء ولا حل وسط بينهما.
وهذا الارهاب ما كان يمكن ان يحدث لولا وجود انظمة عربية خانعة مستسلمة متنازلة عن سيادتها وكرامتها امام هذا الطغيان الامريكي.
الدولة العبرية تستورد صواريخ الباتريوت وترسل اقمارا صناعية الى الفضاء وتتنعم بتكنولوجيا صناعة الاسلحة الامريكية المتقدمة، وتضيف يوميا رؤوسا نووية وكيماوية وبيولوجية جديدة الى ترسانتها الضخمة بينما ممنوع على العرب استيراد صواريخ قديمة متهالكة من دولة مثل كوريا الشمالية تعتبر في عداد الدول النامية.
كوريا ليست دولة اوروبية متقدمة، وهي تواجه حصاراً امريكياً خانقاً، ورغم ذلك نجحت في تطوير اسلحة نووية، وصناعة عسكرية متقدمة، اما نحن الذين نملك عوائد نفطية تزيد عن مئة وعشرين مليار دولار سنويا، وندعي اننا ننتمي الى خير امة اخرجت للناس فما زلنا عاجزين عن صناعة اي نوع من الاسلحة ونستورد حتى العقُل والكوفيات، ونتعالى على كل شعوب الارض الاخرى من موقع الجهل والاذلال، جهلنا نحن طبعا.

ہ ہ ہ

اللهم لا شماتة في هذه الانظمة العربية، وكل ما يلحق بها من اهانات فقد اوصلتنا واوصلت نفسها الى هذه الدرجة السفلية من الانحطاط على الاصـــــعدة كافة، لانها راهنت دائما على حماية الاجنبي على حساب قـــمع شعوبها ومصادرة حقوقها الاساسية المشروعة في المشاركة والتعبير الحر والتعددية السياسية.
فعندما نجح العراق في تطوير قدراته العسكرية وانتاج اسلحة متقدمة، وبناء برنامج نووي واعد، لتحقيق توازن الرعب مع الدولة العبرية، كانت هذه الانظمة الاكثر حماسا في الانضمام للتحالف الدولي الذي اقامته امريكا لتجريده من هذه الاسلحة، وابقاء الحصار عليه، ومطالبته ليل نهار بتطبيق قرارات مجلس الامن الدولي واضفاء شرعية عربية واسلامية لتدميره وقتل الملايين من ابنائه.

ہ ہ ہ

العرب أُكلوا يوم أُكل الثور الابيض العراقي، وفي غضون بضعة اشهر، اذا ما نجح العدوان الامريكي على العراق، سيتحولون الى سبايا، دون ان تكون لهم حقوق السبى لانهم لا يستحقونها.
اتألم لهذا الشعب اليمني الاصيل الذي كان وما زال رمز الكرامة والشهامة من بين اقرانه العرب، اتألم ان يتعرض لمثل هذه الاهانات، الواحدة تلو الاخرى، ويجد نفسه في مواجهة ثور امريكي هائج وحكومة تحاول تقديم كل تنازل ممكن من اجل البقاء، ولكن اي بقاء هذا!