عندما كنت مشاركا مع شركتي التي أعمل بها في معرض صنعاء الاخير لتقنية المعلومات و بينما كنت مستلقيا بعد يوم عمل طويل فوق احد الكراسي متاملا في كل المعروضات و الاجهزة الرقمية الحديثة، راح ذهني يسبح في اثر الثورة الرقمية على العشق والعاشقين، فالعشاق على مدى التاريخ كانوا يبحثون أكثر من غيرهم عن وسائل الاتصال الاكثر فعالية من حيث السرعة في الاتصال و الامان من بقية رجال القبيلة.
منذ أن بدأت اللغة تكون وسيلة الاتصال الاولى، حتى بدأ العاشقون يستخدموها كوسيلة للاستدراج، وعلى مدى السنوات طور العاشقون الاسلوب اللساني، فكانوا ينتطرون الفتيات عند مضارب القبيلة ليكلموهن و يغازلوهن بالشعر كاول وسيلة للتعارف و الاتصال، فهاهو مثلا عمر بن ربيعة يكلم 3 فتيات دفعة واحدة...فيقول :
قالت الثالثة وقد تيمتها....قد عرفناك وهل يخفى القمر.
ولكن هذه الطريقة لم تكون ناجحة جدا بسبب ضرورة بقاء العاشق في بعد جغرافي قريب جدا حتى يمكنه الاتصال فكان البعض منهم يتذمرون من البعد كقيس ليلى الذي قال "يقولون ليلى في العراق مريضة ...فيا ليتني كنت الطبيب المداويا" ، كما أن هذه الطريقة لم تكن الاكثر امانا أبدا و يكفي ما تعرض له جميل بثينة من الاذى حين راه اخوها معها ((و لكنه لم ينتقم لنفسه من أخيها الذي طالبه ابناء حيه بضربه ذات يوم فقال " قالوا يا جميل أتى أخوها ...فقلت أتى الحبيب أخو الحبيب")).
كان لاختراع البريد أثر عظيم في تقليل المسافات بين العاشقين و ابتكار تقنية رسائل الغرام التي كانت تتحمل بأعذب كلمات الحب و العشق، وابرز من كان يكتبها ((غير averroes ايام الثانوية)) هما مي زيادة وجبران خليل جبران العاشقان المولهان و المبتعدان عن بعضهما، تقول مي لجبران "ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب.." ويقول جبران لمي "انظري يا محبوبتي العذبة إلى قدس أقداس الحياة، عندما بلغت هذه الكلمة "رفيقة" ارتعش قلبي في صدري".
ولكن "جراهام بل" كان هو من قدم اكبر هدية للعاشقين، "الهاتف" الذي ظل منذ العام 1876 الرفيق الاكثر وفاء للعاشقين لانه قصر بينهم المسافات كثيرا و قلل المخاطر الامنية ، يكفي أن يغير الشخص صوته حتى لا يعرف المستمع من هو المتكلم ((قمة الامان للعشاق))، ومن منا ينسى عبدالحليم يغني و هو ماسك الهاتف "قولي حاجة ...أي حاجة...قول بحبك ....قول كرهتك...قول ولا يهمكش حاجة" ((أتمنى أني لم اكن غلطان في الاغنية و الفلم)).
صحيح أن خدمة الكاشف التي بدأت في التسعينات من القرن الماضي كانت تهدد راحة العاشقين و تكاد تحددهم، ولكن هولاء ما لبثوا أن أخترعوا طريقة "الرنة الواحدة" على أعتبار أن كاشف الرقم يحتاج لاكثر من رنة ليظهر هوية المتصل، وهكذا كان الكثيرون دائما ما يسمعون رنة واحدة فقط ،ولا يعرفون السبب.
كانت الانترنت وسيلة أخرى من وسائل الاتصال بالطبع و خصوصا عن طريق الويب كام((وما ادراك ما الويب كام))، كلام بين العشاق بالصوت والصورة، ولكن الانترنت أفتقدت لعاملي "القدرة على التنقل" و "خلق الخطوة الاولى".
هنا جاء الجيل الاول من الهواتف النقالة ليشكل النقلة الكبرى في مسار العاشقين وبداية الثورة الترقيمية، لا مجال للمطاردة او الخطر بعد اليوم، فقط أقذف بالورقة الصغيرة ذات الرقم الكبير لاحدهن ((أو أحدهم إذا كنت فتاة )) وينتهي كل شيء، أصبح الان بينك و بين الاخر أتصال متنقل بالصوت والكتابة، بل و بالصورة لو كنت مشتركا بخدمة الوسائط المتعددة.
وجاء ال"blue tooth " ليشكل رفاهية أكثر للعاشقين ، ليس هناك أي حاجة بعد اليوم للارقام المكتوبة أو الاوراق المرمية، فالاتصال بالاخر أصبح لاسلكيا الان لمسافة أمتار مع دعم كامل للتواصل النصي أيضا.
ترى ما سيكون اثر تقنية الواي فاي في العشق و الهوى؟؟، الى أن أجد الجواب أترككم مع هذه الابيات لوضاح اليمن:
يا رَوضُ جيرانُكُمُ الباكِرُ...................فالقَلْبُ لا لاهٍ ولا صابِرُ
قَالَتْ: ألا، لا تَلِجَنْ دَارَنا...................إنَّ أبانا رجلٌ غائرُ
قُلتُ: فإنِّي طالبٌ غِرَّة ً...................منهُ وَسَيْفِي صارِمٌ باتِرُ
قَالَتْ: فإنَّ القصرَ مِنْ دُونِنا................... قُلْتُ: فإنّي فوقَهُ ظاهِرُ
قَالَتْ: فَإِنَّ البَحْرَ مِنْ دُونِنَا...................قُلْتُ: فَإِنِّي سابِحٌ ماهِرُ
قَالَتْ: فَحَوْلي إخْوة ٌ سبْعَة...................قُلْتُ: فإنِّي غالِبٌ قاهِرُ
قَالَتْ: فلَيثٌ رابضٌ بينَنا...................قُلْتُ: فإنِّي أسَدٌ عاقِرُ
قَالَتْ: فإنَّ اللَّه مِنْ فوْقِنا...................قُلْتُ: فَرَبِّي راحِمٌ غافِرُ
قالتْ : لقدْ أعييتنا حجة...................فأتِ إذا ما هجعَ السامرُ
فاسقطْ علينا كسقوطِ الندى...................ليلَة َ لا ناهٍ ولا زاجِرُ
Bookmarks