بــــسم الله الرحمن الرحيـــم


مشروع الوثيقة الوطنية المقدمة للملتقى الوطني

للتصالح والتسامح والتضامن في محافظة حضرموت

المنعقد في مدينة المكلا بتاريخ 22مايو2007م

المقدمــــــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الكريم محمد بن عبد الله الصادق الأمين واله الطاهرين وصحبه الصادقين ومن والاه وتبعهم بإحسان إلى يوم الدين... وبعد نتوسل إلى العلي القدير خاضعين ونبتهل إليه ضارعين أن يمن علينا بالعون والإلهام والتوفيق حتى نتمكن من إنجاز المهمة الوطنية النبيلة * التي نتصدى لتحقيقها متضامنين* متعاونين ومخلصين آملين بالمشاركة الفاعلة في ذلك من كل الإرادات الخيرة والحرة في أوساط شعبنا العظيم* المهمة المتجسدة في تحقيق المصالحة الحقة والتسامح الصادق بين فئات ومكونات وأفراد شعبنا الطيب الصابر كمقدمة لابد منها لتحقيق وإيجاد تضامن وتعاون صادقين بين كل هذه الفئات والمكونات يكفلان استعادة الحقوق المنهوبة والأملاك المتفيدة والكرامة المستباحة .. على طريق إنجاز المهام العظيمة وتذليل الصعاب المعقدة التي تنتصب في طريق شعبنا ومستقبله الزاهر السعيد ..إن الله سميع مجيب وخير ناصر ومعين لعباده اللذين يعرفون كيف يعينون أنفسهم وأهلهم وأمتهم..

من دون أدني شك تظل قيم التسامح والتصالح والتضامن بين أبناء شعبنا وفئات مجتمعنا من القيم الأصيلة الخالدة التي يحث عليها ديننا الإسلامي الحنيف على الدوام. فقد قال تعالى ((واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمة أخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)) وقال تعالى ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)) وقال تعالى ((إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم وتقوا الله لعلكم ترحمون)) صدق الله العظيم، فيالها من تجارة وياله من ربح عظيم .. وحث الصادق الأمين عليه الصلاة والتسليم في أحاديث عديدة على قيم التعاون والتسامح والألفة والوحدة والتضامن بين جماعة المسلمين.. التي فيها صلاح الدنيا والآخرة لكل المؤمنين .. فهذه ليست قيما تعبدية فحسب * يتطلع المؤمن بها إلى رضاء الله وغفرانه * بل وأضحت معاني ودلالات هذه القيم والمبادئ السامية ضرورة وطنية وسياسية ملحة ذات أهمية بالغة في النضال والعمل الجاد المفضي لاستعادة الحقوق المنهوبة والكرامة المستباحة وإنجاز المعضلات الوطنية المعقدة والشائكة بالعمل المشترك . والتضامن الصادق بين كل الإرادات الخيرة في هذا الشعب حتى ينهض الوطن من تحت أثقال الصعوبات والمشاكل الكبيرة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . التي أضحت تسحق الموطنين سحقا .. فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل الشروع الجدي في حل هذه المعضلات بصورة فعلية دون إرادة سياسية حقيقية تمكن من حشد كل الجهود والطاقات المخلصة لكل أبناء الوطن.. فإذا كان مستحيلا بناء الأوطان دون مشاركة جميع أبنائها * فمن باب أولى يستحيل إنجاز شيء مفيد وذا قيمة في حياة الشعوب على الضد من إرادة ومصلحة وحقوق قطاعات واسعة وهامة فيها .. ولهذا فان الاستمرار في تجاهل وإنكار هذه القضايا والإشكاليات* لن يجدي نفعا وسيفا قم المخاطر التي تهدد الوطن ومستقبله

Ii المحددات الموجبة للتصالح والتسامح الوطني: ـ

1- دون الصعود بعيدا في التاريخ الوطني ما قبل الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967 م الذي إتسم بوجود أكثر من عشرين كيان سياسي ـاجتماعي على مساحة أرض الجنوب* بكل مايعكسة ذلك الواقع السياسي ـ الاجتماعي من تجزئة وتشر ذم وضعف وخور في جسم الوطن ؛وكل ما يعبر عنة ذلك الواقع من خلافات وصراعات اجتماعية وسياسية كانت في أساس ذلك الواقع المتشظي .. نقول دون الصعود بعيدا في ذلك التاريخ فان الصراعات الحادة بين أطراف الحركة الوطنية التي شهدتها مرحلة التحرر الوطني والتي بلغت ذروتها عشية الاستقلال الوطني ؛في صراعات مسلحة دامية تجسدت في حربين أهليتين عام 67م بين أطراف وطنية حملت السلاح في الأصل للعمل الفدائي المسلح ضد الاستعمار البريطاني لطرده مع قواته من ارض الوطن ... إن تلك الصراعات الدامية وذيولها قد أسست في الجنوب للعديد من المشاكل والصعوبات التي ظل شعبنا في الجنوب يعاني منها ولذلك فأن نتائج وتداعيات تلك الصراعات من القضايا الملحة التي تتطلب المعالجة بمسؤولية واهتمام بالغين من كل الغيورين على الوطن ومستقبلة مستخدمين في ذلك قيم التصالح والتسامح والمعالجات العقلانية الممكنة .. وذلك حتى تتم بلسمة جراحاتها وحتى يوضع حد نهائي لعمليات الاستغلال السياسي الخبيثة لآثارها وتداعياتها التي تكررت كثيرا في تاريخنا الحديث بهدف خدمة أهداف أنانية وآنية لبعض الأطراف السياسية تتعارض مع المصالح الحقيقية للوطن والمواطنين وفي المقدمة منهم المصالح الحقيقية لضحايا تلك الصراعات الذين ظلوا يعانون من نتائجها وتداعياتها .

2ــ ولما كانت النتيجة المباشرة لصراعات أطراف العمل الوطني عشية الاستقلال السياسي في 30 نوفمبر 1967م تمثلت في هيمنة مطلقة لأحد أطراف العمل الوطني على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الجنوب .. وترافق ذلك بأقصاه ء حقيقي وفعلي لبقية الأطراف الواقعة خارج التنظيم السياسي الجبهة القومية من ساحة العمل السياسي والاجتماعي المشروع في حياة شعبنا في سائر مناطق الجنوب .. لما كانت تلك هي النتيجة العملية للصراعات عشية الاستقلال الوطني فمن الطبيعي إنتقال تلك الصراعات كتعبير عن قضايا حقيقية وعن مصالح قوى اجتماعية مختلفة وكتعبير عن رؤى سياسية متباينة ومختلفة ومتعارضة أحيانا لحل إشكاليات وقضايا البلاد في ظل دولة الاستقلال الوطني .. ولهذا إنتقلت تلك الصراعات والخلافات إلى داخل التنظيم السياسي الذي تمتع بالمشروعية الرسمية للعمل السياسي في البلاد بعد أن تم إقصاء بقية أطراف العمل الوطني من الحياة السياسية في البداية إلى داخل صفوف التنظيم السياسي الجبهة القومية ،ثم التنظيم السياسي الموحد وأخيرا إلى صفوف الحزب الاشتراكي اليمني .. وهكذا نلاحظ إن تاريخ البلاد قد شهد سلسلة من الصراعات الحادة* الدموية أحيانا في إطار التنظيم السياسي الوحيد* والتي امتدت آثارها وتداعياتها لتطال النسيج الاجتماعي للوطن .. من أحداث المؤتمر الرابع للجبهة القومية 1968م إلى أحداث أغسطس 68م ثم أحداث يونيو 1969م وما رافقها من أقصاه وابعاد لأول رئيس لدولة الاستقلال مع عدد من رفاقه وقيادات الدولة .. ومن ثم حفظ الرئيس( قحطان محمد الشعبي مسجونا حتى وافته المنية مطلع ثمانينات القرن الماضي وتصفية عدد من قيادات دولة الاستقلال كالزعيم الوطني ( فيصل عبد اللطيف الشعبي )خارج الإجراءات القانونية المتبعة .. ثم أحداث يونيو 1978م وما رافقها من إعدام الرئيس( سالم ربيع علي) مع عدد من رفاقه وسجن آخرين لمدد مختلفة دون محاكمات قانونية سليمة.. ثم الإقصاء السلمي لعبد الفتاح إسماعيل علي في أبريل 1980 م.. وقد بلغت تلك الصراعات التي تمت في إطار التنظيم والحزب الواحد ذروتها المأساوية في أحداث 13 يناير 1986م الدموية بما شهدته وخلفته من قتل وتشريد لآلاف الكوادر والقيادات والمواطنين .. ومن سفك للدماء بلغ حد التصفية على الهوية وفق الانتماء المناطقي .. وفد نتج عن تلك الصراعات وبالذات أحداث يناير 86م ارتدادات خطيرة تجلت بأوضح معانيها في اصطفا فات حرب أبريل 1994 م التوسعية الاقصائية وتستمر أثارها الوخيمة حتى اليوم بصورة جلية للعيان لايمكن التغاضي عنه إلا من قبل مزايد أو مكابر أو من قبل إنتهازي صريح لهدف في نفس يعقوب.. ولهذا فان تلك الصراعات ونتائجها هي مما يوجب العمل على التصالح والتسامح بين أفراد المجتمع وبعض مناطقه وهو مما يطرح على الوطنيين المساهمة في حل وتجاوز آثارها وتداعياتها وبالذات الإنسانية منها ...

3 ــ إذا كانت حرب صيف 94م قد مثلت كارثة وطنية في حياة البلاد على اكثر من صعيد .. فان آثار وجراحات وتداعيات هذه الحرب الظالمة كانت مضاعفة على الجنوب وآهلة ومناطقه لمرات عديدة كون الجنوب مثل الساحة الفعلية لهذه الحرب الطاحنة التي امتدت على مساحة عدد من محافظاته ومناطقه .. وأبناؤه كانوا جل وقود وحطب هذه الحرب.. وعلى الرغم مما رافقها وتلاها من صور للنهب والفيد والانتقام والتصفية للحسابات القديمة ،ومما أسست له من أحقاد وثارات جديدة بين أبناء الجنوب وبين أبناء الوطن ككل .. فأن النتيجة الأخطر لهذه الحرب قد تجسدت في عمليات الفيد والنهب المنظم والتصفية الممنهجة للممتلكات العامة في الجنوب ولكل ماله صلة سابقة على الوحدة بتاريخه ،وقد طالت عمليات النهب والفيد الممتلكات المنقولة وغير المنقولة الكثير من الممتلكات والحقوق الخاصة بابنا ء الجنوب بالتحديد .. وبلغت هذه العمليات من البشاعة والانتقام حد تغيير ونهب الوظيفة العامة لأبنا الجنوب بالكامل تقريبا وكذا التسريح القسري لآلاف القيادات والكادرات العسكرية والأمنية والمدنية الجنوبية من المواقع المؤثرة في اتخاذ القرار وكذا غير المؤثرة وبأعداد كبيرة ومخيفة وإحلال أبناء المناطق الشمالية ممن يثق النظام في مناصرتهم وإخلاصهم له في مواقع تلك القيادات والكادرات. ويمكن القول دون مبالغة كبيرة إن أبناء الجنوب قد غدوا غرباء ولاجئين في وطنهم بما فيهم العديد من أبناء الجنوب ممن قاتلوا أثناء حرب 94م في صفوف القوات الحكومية كتصفية لحسابات وثارات قديمة. وإذا حصل ونال البعض القليل من أبناء الجنوب شيئا من حقوقهم الطبيعية والمشروعة في الوظيفة العامة وغيرها.. فان ذلك يترافق بالمن والأذى والإذلال لهولاء البعض ويستخدم هذا الأمر كثيرا كوسيلة وآداه لبث الفرقة والشقاق بين صفوف أبناء الجنوب لإطالة أمد الهيمنة غير المشروعة عليهم ونهب حقوقهم وممتلكاتهم الخاصة والعامة .. ان هذه الحرب بتداعياتها ونتائجها المأساوية على النسيج لاجتماعي وآثارها السيئة على الوطن واستقراره من أهم القضايا إن لم تكن أهمها على الإطلاق التي تتطلب المعالجة والحلول العادلة والسريعة على قاعدة نيل الحقوق والتعويض العادل عن المظالم والتسامح والتصالح الوطني وكذا جبر الخواطر الإنسانية ...

4ــ وقد ترافقت الصراعات السياسية السابقة بصراع أيديولوجي حاد كان كالصدى للصراع العالمي بين القوى الاشتراكية والرأسمالية .. وقد استخدم هذا الصراع الإيديولوجي من جانب قوى داخلية وإقليمية ودولية لتأجيج الصراع السياسي وكتأصيل له حتى تسهل الهيمنة على أطراف الصراع وعلى البلاد لمصلحة القوى الإقليمية والدولية بمساعدة أدواتها المحلية المتواطئة الواعية منها وغير الواعية لأبعاد اللعبة الدولية ... وعلى الرغم من تلاشي ذلك الصراع الأيديولوجي الآن وتناقص مخاطرة .. إلا إن هناك مخاطر جمة جديدة من تأجيج صراعات أيديولوجية جديدة في إطار الدين الواحد بين ما يسمى بالقوى السلفية والصوفية وغيرها .. إن هذه المخاطر في ظل الجهود الحثيثة التي تبذلها قوى محلية وإقليمية ودولية لتأجيج هذه الصراعات الجديدة تستدعي التنبه واليقظة من قبل أبناء الوطن المخلصين وبالذات في المناطق المهمشة والمستتبعة من أجل إحباطها وتجنيب شعبنا مخاطر القسمة وضياع عقود جديدة من حياته في صراعات تتعارض مع مصالحة وقيمه الحقيقية ،وليس هناك أي طائل من وراءها. فشعبنا موحد الدين والعقيدة ولا يجوز تجزئته إلى ملل وطوائف متناحرة..

5ــ أما على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي فقد شهدت السنين التي تلت الاستقلال الوطني عددا من القرارات التي جانبت الحكمة ولم تستند على أسس علمية صحيحه والتي لأزالت العديد من مناطق الجنوب تعاني من بعض نتائجها السلبية حتى الآن و تعمل القوى المهيمنة حاليا على أوضاع البلاد والماسكة بمصائر البلاد والعباد على استغلال آثار وتداعيات تلك القرارات من وقت لآخر لأحداث الفرقة والشقاق بين أبناء الجنوب حتى تسهل هيمنتها على الجميع بما يخدم مصالحها الآنية والأنانية. وتعمل على إبقاء المعضلات والإشكاليات الباقية الناتجة عن تلك القرارات دون حلول حقيقية كي تستغلها وتستخدمها كذخائر في صراعاتها القادمة مع الشعب وقواه الحية من وقت لآخر وعند الحاجة... ومن ابرز هذه الإشكاليات عدد من القضايا الناتجة عن قرارات التأميم الاقتصادية وبالذات تأميم المساكن والبيوت الخاصة وكذا بعض الإشكاليات والصعوبات الناتجة عن معالجة قضايا الأراضي الزراعية عبر قانون الإصلاح الزراعي والانتفاضات الفلاحية والقضايا القائمة بين بعض الملاك والمزارعين المنتفعين بالأرض والعمال الزراعيين ولهذا يجب الخوض في مجمل هذه المشكلات والقضايا والعمل على حلها بصوره عادلة كي يتمكن شعبنا من التفرغ موحدا لقضايا مستقبلة ومصيره .

Iii إعلان الوحدة وأزمة المرحلة الانتقالية

نوقشت ووقعت اتفاقيات الوحدة في عامي 1989م و 1990م وتم إعلان الوحدة السلمية في 22 مايو 1990 م من قبل قيادتي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية دون إشراك فعلي للقوى السياسية خارج الحزب الاشتراكي في الجنوب ،والمؤتمر الشعبي الغام في الشمال ، وكانت تلك القوى حتى إعلان الوحدة لا تتمتع بأية شرعية قانونية للنشاط والعمل السياسي في الساحتين.. وقد كانت الشفافية أولى ضحايا هذه الاتفاقيات ونتج عن ذلك ضياع المراقبة والمشاركة الشعبية والجماهيرية على عملية التنفيذ والتحقق من التزام الأطراف بالالتزامات وشرف الكلمة.. ومن المفيد التذكير بحقيقة إن توقيع اتفاقات الوحدة وإعلانها تم في ظل أزمة عميقة وشاملة كان يعيشها كل واحد من النظامين الشطريين السابقين ،ولم يكن أيا منهما واثقا ومطمئنا على مصيره ومستقبلة عند إعلان الوحدة .

لقد أتت وحدة 22مايو السلمية مشوبة بعواطف نبيلة وأحلام عريضة وكانت مستعجلة لم تسبقها دراسة علمية جديه لأبعادها ومتطلبات وشروط نجاحها والمراحل الواقعية لإنجازها وتحقيقها.. وكانت من الناحية العملية هي اقرب إلى عملية هروب للنظامين إلى الأمام من أزمتهما المستفحلة منها إلى عملية إنجاز وتجسيد لمهمة نضالية كبيرة ومعقدة يترتب على طريقة إنجازها ونجاحها أو فشلها مصير شعب ومستقبل وطن في منطقة ذات أهميه إستراتيجية بالغة وعرضه لكل إشكال التدخلات الدولية والإقليمية.. ولكل ذلك حفلت المرحلة الانتقالية بالعديد من الشعارات البراقة دون تجسيد حقيقي لمضامينها ومعانيها في الواقع العملي وفي الحياة اليومية للناس والوطن.. كشعار الأخذ بالأفضل في التجربتين الشطريتين السابقتين وشعارات التوجه الديمقراطي والمشاركة السياسية والانتخابات الديمقراطية والقبول بالأخر.. الخ إلا أن المرحلة الانتقالية قد حافظت على حالة من شبة التوازن الوطني بفعل بقاء جهازي ومؤسسات النظامين السابقين على الوحدة إلى جوار بعضهما البعض طوال المرحلة الانتقالية باءستثناء وحيد ذو أهمية بالغة تمثل في القضاء الفعلي والفوري على المؤسسة المالية والنقدية لدولة الجنوب فور إعلان الوحدة وتشكيل أول حكوماتها بكل ماحمله وعبر عنه هذا الاستثناء الهام والنتائج التي ترتبت عليه .

لم يتأخر كثيرا ظهور عيوب ومساوئ ومخاطر الوحدة الاندماجية الفورية والمتسرعة* خاصة على شعبنا في الجنوب ومستقبلة .. فكانت المرحلة الانتقالية عبارة عن سلسلة متواصلة من الأزمات المتفاقمة* لم تتورع خلالها القوى المهيمنة على نظام الجمهورية العربية اليمنية والنافذة فيه عن إستخدام سلاح الاغتيال السياسي ضد الخصوم السياسيين من شركاء الوطن والوحدة.. وذلك بهدف تأجيج أوار الأزمة المتواصلة وإرباك الخصوم وإفشال محاولات القوى المخلصة للوحدة وللمستقبل السلمي للشعب والوطن للتخفيف من حدة الأزمة وتقريب وجهات النظر وإيجاد الحلول التوافقية للمشاكل والصعوبات. ومن المعلوم انه كلما إقترب موعد انتهاء الفترة الانتقالية القصيرة جدا، كلما زادت أزمة المرحلة الانتقالية ضراوة وتفاقما...في الوقت الذي اتضح لكل لبيت إن القوى العسكرية والقبلية والتجارية النافذة في نظام الجمهورية العربية اليمنية كانت تعد العدة ومصممة على تصفية حسابات قديمة مع النظام في الجنوب ومؤسساته ، وأنها كانت ترى في الجنوب وأهله منطقة جديدة للنفوذ والسيطرة يتيح الاستحواذ والسيطرة عليها وتوسيع مدى وأمد هيمنتها على أوضاع الوطن عامة.. وهكذا ركزت جهدها على أقصاه وأبعاد شركاء الوحدة وتصفية وتحطيم مؤسسات الجنوب وبالذات الاقتصادية والأمنية والعسكرية .. خاصة وان كل ذلك قد ترافق مع بشائر إستخراج النفط في الجنوب بآمال عريضة ، فكانت خيرات وثروة الجنوب مما زاد في طمع وجشع وتصميم هذه القوى وأمدها بوسائل وآليات للحشد والتعبئة .. ألا إن العامل الحاسم في إنجاح خططها ومخططاتها عند التنفيذ كان قد تمثل في إتساق تلك الخطط والمخططات مع ثارات قديمه وأطماع واضحة لقوى إقليميه ودولية قوية ونافذة مع النظام السابق في الجنوب وفي الجنوب ذاته .. وقد كانت الانقسامات الحادة بين أبناء الجنوب ومناطقه يفعل الصراعات والثآرات التي كان مسرحا لها قبل الوحدة والتي عملت تلك القوى النافذة على إذكائها وتسعيرها طوال المرحلة الانتقالية ،أسلحة فتاكة في يد نظام الجمهورية العربية اليمنية عند اجتياح الجنوب واحتلاله والحاقة بالنظام الذي سبق الوحدة في الشمال ، ومما ساعد النظام في الشمال على تحقيق مخططاته انبهار الكثير من شركائه في الوحدة بالشعارات الرائجة في المناخ الدولي السائد آن ذاك * كشعارات نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والسلام الدولي وغيرها من الشعارات التي كانت أمريكا وحلفائها الغربيين يطلقونها بغزارة كغطاء لمشروعهم الاستعماري الجديد في السيطرة والهيمنة على الشعوب ومناطق العالم وفي القلب منها المنطقة العربية .

وهكذا استغلت القوى النافذة في نظام الجمهورية العربية اليمنية فترة الحوارات حول وثيقة العهد والاتفاق من اجل إستكمال إستعداداتها الحربية السرية وعقد الصفقات الإقليمية والدولية التي ستساعدها في إنجاز مشروعها الذي تمثل باجتياح الجنوب وضمه إلى ممتلكاتها والتصرف المطلق بخيراته وإذلال أهلة بأقل الأثمان الممكنة .

Iv حرب صيف 1994 م العدوانية وابرز نتائجها
1- انقضت حتى الآن اكثر من إحدى عشر عاما على سكوت مدافع حرب صيف 94م العدوانية على الجنوب وأهلة ، وشعبنا وأهلنا في الجنوب لازالوا يعيشون في ظل نهج هذه الحرب وسياساتها المدمرة ولازالوا يكتوون يوميا بنتائجها وإفرازاتها الخطيرة المدمرة للوطن ووحدته الوطنية ...

ـ فالتوازن الوطني الذي ظل حتى عشية إندلاع هذه الحرب يحد نسبيا من عبث وتجاوزات ذوي النفوذ والحظوة السلطوية والاجتماعية لرموز مراكز النهب والفساد في السلطة والمجتمع..هذا التوازن الوطني لأزال غائبا بكل ما يترتب على هذا الغياب من نتائج وتداعيات كإرثيه على الوطن والمجتمع .

ـ والجنوب وأهله لازالوا يدارون عمليا إداره عسكرية وأمنية بصوره مباشرة في ظل إدارة مدنية للمخادعة ومستخدمة كقناع للتضليل والتمويه ، ولازال الجنوب ساحة للفيد والنهب والكسب السريع غير المشروع لمراكز الفساد والنفوذ في النظام فأراضيه ومصالح أبنائه لازالت تستخدم أداه لمكافئة ذوي النفوذ والهيمنة من رجالات النظام والمرتبطين بهم .. وهو لازال ساحة لانعدام النظام والقانون وحتى لغياب الأعراف القبلية والاجتماعية الأصلية التي تحد من بعض التجاوزات والمظالم والتعديات في مجتمعات ما قبل الدولة * ولا أدل على ذلك من استمرار تسجيل مئات التعديات سنويا منذ الحرب وحتى الآن على أراضي الموطنين الزراعية والسكنية وعلى أملاكهم وكذا على الممتلكات العامة والتي يقوم بها العسكريون والأمنيين والنافذين المسنودون بالأطقم العسكرية والأمنية الرسمية وغير الرسمية وبلعلعة الرصاص...

- وتعسفات واستفزازات عشرات النقاط العسكرية والأمنية للمواطنين على الطرقات العامة ومداخل الإدارات العامة المرتبطة بحاجياتهم ومصالحهم وسبل عيشهم اليومية .. كل ذلك لازالت وقائع يومية معاشه يوميا على امتداد محافظات الجنوب.

ـ وتدمير المجتمع المدني ومنظماته المستقلة والإعلان الفوري عن المنظمة النظيرة لأي منظمة تبدي شيئا من الممانعة أمام المحاولات السلطوية للاستحواذ والهيمنة عليها.. وإفراغ المنظمات الجماهيرية والنقابية من أي مضمون وأعاقتها عن القيام بأي دور حقيقي مستقل وتحويلها إلى منظمات وهيئات شبحيه* ورقيه ملحقه مباشرة بأجهزة النظام الأمنية ولا تقوم بأي دور عملي تجاه أعضائها الحقيقيين وقضاياهم الخاصة بهم التي تتفاقم يوميا .. وقد بلغ الأمر في هذا الصدد شروع السلطة في السنوات الأخيرة في العمل على إلغاء وتهميش هيئات العمل الخيري الأهلية المستقلة عنها على الرغم من الأدوار الإنسانية والاجتماعية التي تضطلع بها هذه المنظمات والهيئات والتي تغطي الكثير من عورات النظام و إدارته العبثية للوطن ومقدراته التي فاقمت مشاكل الفقر والتهميش وحولت قطاعات كبيرة من ابنا الشعب إلى متسولين وعالة على الآخرين .. كل هذه الأمور أضحت وسائل وأداوات تستخدمها السلطات بصورة متزايدة بهدف الهيمنة على الآخر وإخضاعه وإلغاء حقوقه الوطنية والاجتماعية.. وهي تحرص على القيام بهذه الأعمال والأمور المشينة متلحفه بشعارات الديمقراطية والتنمية والشراكة وغيرها من الشعارات التي تفرغ من أي مضمون حقيقي في فم السلطات ...

2ـتضافرت عمليات النهب والسرقة الجارية على قدم وساق لخيرات البلاد المختلفة وموازنات قطاعات الدولة التي يتصرف بها متنفذي السلطة وألازامها في عبث وسفه فاحشين مع السياسات الاقتصادية المعتمدة تحت أملاءات مراكز القرار في المنظمات الدولية منذ أن وضعت الحرب أوزارها المباشرة والتي فاقمتها الإدارة العبثية الفاشلة وغير الكفوءة لمؤسسات الدولة فأوصلت الأوضاع الاقتصادية لشعبنا إلى حالة مزرية أبرز معالمها تحول قطات هامة من الشعب إلى جيش من العاطلين والمسرحين قسرا من وظائفهم تحت مسميات أحد الأجلين والإجازات الإجبارية (( خليك في البيت )) وليس سراً تركز هذه الظواهر في محافظات الجنوب .. حيث تم تسريح وإحالة عشرات الآلاف من موظفي القطاعات العسكرية والمدنية إلى التقاعد الإجباري بمعاشات حقيرة لاتفي بمتطلبات الماء والكهرباء فضلا عن متطلبات العيش الكريم الأخرى حتى أضحت عشرات الألوف من الأسر لاتجد ما يسد رمقها وأضحت تعتاش على مدخراتها الهزيلة وبيع ممتلكاتها المعمرة ومساكنها وأراضيها وأضحت العديد من هذه الأسر تكتفي بوجبة واحدة فقيرة وهزيلة في معظم الأيام..

- فلا توجد مبالغه في القول أن خيرات البلاد البترولية والمعدنية والسمكية والزراعية والحيوانية يعبث بها وينهبها عدد محدود من المتنفدين في الدولة والمرتبطين بمركز النقود والفساد في أجهزة الدولة المختلفة من الشيوخ والتجار الكبار في الشمال خاصة .. وذلك بشراكه مع عدد من الشركات الأجنبية وممثليها في البلاد .. في حين تعيش قطاعات الشعب المختلفة الفاقة وشظف العيش بصوره متزايدة *و تكاد تختفي الطبقة المتوسطة في المجتمع وتنحدر إلى القاع الاجتماعي .

- ووصل العبث بمصير البلاد أن بدأ الحديث في الفترة الأخيرة من قبل بعض المنضمات الدولية المهيمنة على قرار البلاد الاقتصادي والاجتماعي عن نفاد حقول البترول العاملة في البلاد دون أن ينعم الشعب ولو بالنزر اليسير من عائدات الثروة البترولية وبالذات أولئك السكان الذين تقع ا الحقول البترولية في أراضيهم ومناطقهم .. والذين أضحى عليهم من الآن فصاعدا التعايش لعشرات السنين القادمة مع مخاطر الاستغلال العبثي لهذه الثروة من جراء المخلفات والإفرازات الخطيرة لاستغلال الفاحش والغير مسؤول للثروة البترولية.

- ولم يتورع المتنفذين عن تحويل العديد من مناطق البلاد إلى مكب للمخلفات الصناعية والكيميائية الخطيرة التي تتخلص منها الشركات الاحتكارية الدولية بأقل الأثمان والتكاليف ودون الحد الأدنى من الاحتياطات اللازمة التي تفرضها المعاير الدولية.. ويأتي استقدام هذه المخلفات تحت يا فظات شركات التنقيب عن البترول والمعادن في البلاد والتي لاتلبث أن تغادر المناطق التي تخلصت فيها من هذا المواد الخطرة التي استقدمتها .. فأهالي منطقة الظليعة على سبيل المثال لازالوا ا يعانون آثار مثل هذا المخلفات الخطيرة دون أي اكتراث من سلطات الدولة المختلفة على الرغم من فقدان العديد منهم حتى الآن لحياتهم بأمراض السرطان المختلقة.

- أما عن العبث بالثروة السمكية والزراعية والمائية فحدث ولا حرج.. فمراعي الأسماك وتكاثر الصيد التقليدي تعبث بها الشركات الأجنبية والمحلية التي تعمل تحت الحماية الأمنية للمتنفدين العسكريين والأمنيين وبأبخس الأثمان على ما يبدوا .. وقد أضحى الصيد التقليدي الذي تعتمد علية آلاف الأسر من المحافظة متعذراً على العديد من هذه الأسر بصوره متزايدة.

- وليس نادرا هذه الأيام إن تكون الأسماك المباعة في أسواق المدن الساحلية لحضرموت كالمكلا قادمة من سواحل الصومال لا اليمن .. فسواحل الصومال المفتقرة إلى الدولة منذ اكثر من عقد من السنين ومياهها الإقليمية آمنة لصياديها بصورة أفضل مما هو حال سواحل ومياة اليمن وحضرموت بالنسبة لصياديها على الرغم من أنفاق مئات المليارات من ميزانية الدولة على القوات البحرية وخفر السواحل المكرسة لخدمة المصالح الغربية ومصالح المتنفذين دون اكتراث بمصالح عامة الناس والوطن عامة...

- وعلى الرغم من فقدان الأرقام التي تعطيها السلطات كمؤشرات حول الأوضاع الاقتصادية للبلاد لأية مصداقية... فان أرقام المنظمات الدولية التي قد تستند إلى الأرقام والمؤشرات الحكومية تظهر مدى التدهور في حياة الناس المعيشية .. فأكثر من نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر وثلثهم تحت خط الفقر المدقع .. أما البطالة فهي المصير المحتوم لمعظم الشباب ممن لايملكون واسطة نافذة .. وان حصل وان وجد بعضهم عملا عن طريق شركات التوظيف من الباطن فيكون ذلك مقابل أقل من عشرين في المائة مما يصرف كمرتبات لهم كما هو الحال في الشركات العاملة من الباطن مع الشركات الأجنبية والتي يتقاسمها متنفذي النظام الكبار ..

3- حولت السلطات العسكرية والقبلية المتسلطة على البلاد والعباد منذ 7 يوليو 94م والتي تضيق قاعدتها الاجتماعية سنة بعد أخرى ، حولت الانتخابات الدورية إلى آلية من آليات الفساد والإفساد الجهنمي لحياة البلاد السياسية والاجتماعية بمشاركة عدد من قيادات وكوادر الأحزاب السياسية الرسمية في البلاد .. وتحولت وظيفة هذه الانتخابات إلى وظيفة وحيدة تتمثل في محاولة شراء شرعية ديمقراطية أمام الخارج فقط فلا يعتد إلا بما يقول هذا الخارج البعيد سواء من قبل النظام أم من قيادات الأحزاب الرسمية ،متناسيين إن هذا الخارج غير غافل عن حقائق الأمور في البلاد ،وابرز ما يحرص علية هو استمرار الأوضاع غير السوية في أقطار العالم العربي والإسلامي لأنها تسهل علية إدارتها بالريموت كنترول بالاملاءات بما بتوائم ومصالحة الأنانية وان تظاهر بغير ذلك في دعايته الإعلامية من وقت لأخر..

إن العالم يعي منذ فترة طويلة إن الانتخابات اليمنية لا تعبر عن أية أراده حرة للناخب اليمني وبالذات في محافظات الجنوب .. فهي قائمة على أساس جداول انتخابية مليئة بالزيف والتزوير، ولا تخضع للحد الأدنى من معايير الشفافية والطعن.. واللجان الأمنية والعسكرية تهيمن على كل مراحلها من سلق جداولها إلى التصويت بدلا عن مئات الآلاف من الأميون والأميات الذين يناهز عددهم أكثر من نصف السكان إلى التصويت الوهمي وعمليات الفرز وإعلان النتائج التي تقع وفق التعبير السائد لرجال النظام ( تحت السيطرة ) .. فالذي يهم السلطات من الانتخابات هي تلك الصور التلفزيونية لطوابير المقترعين أمام المراكز الانتخابية للاستخدام الدعائي أمام الخارج ، وماعدى ذلك تتكفل به الأجهزة الأمنية والعسكرية وأجهزة السلطة الأخرى ولا تخرج عن نطاق السيطرة المطلقة لأجهزة السلطة على العملية الانتخابية عدى عدد من المراكز في المدن الحضرية التي تتمتع بارتفاع نسبي في الوعي السياسي لمنتسبي بعض الأحزاب السياسية والتي لاتزن كثيرا في حسم النتائج المعلنة لكل العمليات الانتخابية لأنها تعج بآلاف الأسماء الوهمية والمتحركة المسجلة في اكثر من مركز حسب إدارة وارادة السلطات ممن لا يملكون عنوانا ثابتا في هذه المراكز الانتخابية كونهم جسم انتخابي متحرك ( وحسب الطلب ) من الجنود والعاطلين تتحكم في تصويتهم السلطات الأمنية والعسكرية بالكامل وفقا لحساباتها وحاجتها .

لقد حولت السلطات مجرد المشاركة في اللجان الانتخابية بمختلف مراحلها ،من اللجان المشكلة لما يسمى بمراجعة الجداول الانتخابية إلى اللجان المختلفة المشكلة تحت مسميات ( الإدارة ) لمختلف مراحل العملية الانتخابية ، حولتها إلى أداه للابتزاز وشراء الذمم بثمن بخس وتعميق للفساد في الحياة السياسية والاجتماعية للبلاد. مسخرة في ذلك حالة البؤس والفاقة التي تعيشها أوسع القطاعات الشعبية بفعل عمليات النهب والفوضى المنظمة والسياسات الاقتصادية الإفقارية القائمة على الجبايات المتعددة منذ حرب صيف 94م وللأسف تتم هذه العملية بمشاركة فاعلة من العديد من القيادات الحزبية المعارضة في البلاد * والتي تسخر هذه المشاركة لترسيخ قيم الأستزلام والشللية والاستتباع في صفوف أعضاء أحزابها من خلال مشاركتها في الانتخابات وتعيين حصتها في هذه اللجان باعتماد نفس القيم والآليات التي تمارسها السلطات إلا أن التطبيق هنا ينحصر على أعضاء الأحزاب المشاركة وتنفذه قياداتها بما لذلك من مخاطر على سلوك النخب السياسية والقيم السياسية المعتمدة في أوساطها...

فليس سرا الأنفاق البذخي الكبير على الانتخابات ولجانها من الميزانية العامة للدولة ، دون إثارة لهذا الموضوع من قبل الأحزاب السياسية الرسمية في ذات الوقت الذي تم فيه وصول قطاعات الشعب المختلفة إلى حالة العوز والفاقة والفقر المدقع .. وهكذا تحولت عملية المشاركة في هذا الجان الانتخابية إلى امتياز مؤقت يتم إغداقه على بعض أعضاء الأحزاب المشاركة في الانتخابات المزورة...

4)- لقد بلغت الأوضاع التعليمية والصحية حد الكارثة الوطنية الكبيرة.. فأضحى الجميع * بمن فيهم المسؤولون عن وصول هذا الخدمات الحيوية إلى ما وصلت إلية من تردي وعبث * يجأرون بالشكوى من مساوئ وحالة هذا الخدمات الحيوية .. وإذا كانت ضآلة الاعتمادات والمخصصات المالية للصحة والتعليم في الميزانية السنوية والخطط الاستثمارية للدولة * وكأن الصحة والتعليم من الأمور الثانوية في حياة الشعب والوطن * قد فاقمت كثيراً في مشاكل الصحة والتعليم إلا أن الإدارة غير الكفوءة والفاشلة لهذا الخدمات الهامة على مختلف مستوياتها * في ضل السياسات المعتمدة في البلاد * تأتى في مقدمة الأسباب الموصلة للوضع الكارثي في قطاعي الصحة والتعليم .. لقد أضحى المعيار الوحيد للتعيين في الإدارات الصحية والتعليمية * مثلها مثل الإدارات الأخرى * يتجسد في الولاء المطلق للحاكم والمسؤول الحكومي وغابت معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة والإخلاص لهذه المهن النبيلة وكأن السياسة المعتمدة وغير المعلنة للدولة * تتمثل في تدمير حاضر ومستقبل هذا الشعب المنكوب بهذه السلطات الغاشمة الجاثمة على صدر الوطن والشعب * حتى يتسنى للنافدين في المراكز المختلفة لهذه السلطات الاستمرار لأطول فترة ممكنة في النهب والتدمير والاهتمام بالذات فقط.

5)- لم تتورع السلطات الحاكمة المتنفدة عن جعل الحدود الوطنية وسيادة الوطن واستقلاله من وسائل مقايضتها مع الخارج القريب والبعيد للاستمرار في التحكم العبثي بمصير الوطن والشعب .. فسخرت أوضاع المواطن الاقتصادية والمادية الصعبة وشعارات الأخوة والشراكة والجيرة الزائفة لتهريب إتفاقيات حدودية تنتقص كثيراً من الحقوق الوطنية وتمثل ألغاما مؤقوتة للعلاقات الأخوية الحقه وللشراكة وعلاقات الجوار المطلوب ترسيخها .. فأخضعت السيادة الوطنية في البر والبحر والجو للإنتهاك والتدخل اليومي السافر لأجهزة وأذرع دول الاستعمار باشكالة القديمة والجديدة .. لم تعد عناوين التعاون والمساعدة البراقة والزائفة بقادرة على إخفاء العورات المتزايدة في هذه المجالات...

V تصورات واقتراحات للمستقبل:-

1)- من دون أشكال تعاون وتكاتف وتضامن حقيقية وفعالة بين ضحايا السياسات اللاوطنية الخاطئة المستمرة بفعل تواصل النهج المدمر لقوى للوطن ومقوماته الحقيقية منذ إعلان حرب صيف 94م*من دون ذلك لا يوجد أمل حقيقي في مشروع للإنقاذ الوطني يصون مستقبل الوطن وأبنائه .. لذلك فأن المسئوليات الوطنية والدينية والإنسانية توجب على جميع المخلصين المؤمنين حقا بقضية شعبهم ومستقبل وطنهم العمل بكل طاقتهم وإمكانياتهم لتوليد وتخليق حركة تضامنية فاعلة بين أبناء الجنوب أولا والوطن عامة * وذلك بهدف إستعادة الحقوق المنهوبة وصيانة المنتهكة منها وتوليد الشراكة الوطنية الحقة المطلوبة والكفيلة بصيانة المستقبل * متى ما قامت هذه الأشياء على أسس الحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون والنظام والتضامن بين أجزاء الوطن ومكوناته .

إن ابرز المقدمات الضرورية اللازمة لا يجاد وتخليق هذا التضامن والتعاون المطلوب تتمثل في أيجاد حالة إجتماعية وسياسية تعيق وتمنع الاستمرار في سياسة إستغلال الأخطاء والخطايا والخلافات التي رافقت المسيرة الوطنية في الجنوب قبيل وعقب الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م حتى الوحدة* حيث لازالت تمارس هذه السياسات بصورة فجة كلما برزت الحاجة السلطوية لتفريق وتمزيق أبناء الجنوب وإضعافهم لتسهيل إستمرار السيطرة غير المشروعة عليهم لأسباب تتصل بدوافع أنانيه بحتة للعابثين والناهبين لخيرات وثروات الوطن* المتشبثين بسياسات الاستحواذ والإلغاء .. إن من الشروط اللازمة لتحقيق هذه المهمة الوطنية النبيلة هي عمل المخلصين على توليد حالة من العزل الأخلاقي والسياسي والاجتماعي بين أبناء الجنوب لكل من توحي له نفسه الاستمرار في لعب دور الأداة والمطية للقوى النافذة في النظام الشطري لتتمكن هذه القوى من المضي في نهب الخيرات والمقدرات وإذلال المواطنين وتشريدهم واستباحة حقوقهم ومصالحهم المشروعة .

إن هذا لا يعني غض النظر عن المعالجة القانونية والشرعية للآثار المتبقية لتلك الأخطاء والتجاوزات التي رافقت تاريخ الجنوب ماقبل مايو 90م ولكن هناك فرق أكيد بين الحديث عنها من وقت لآخر بهدف نكأ جراحها واستغلال تداعياتها لغايات خاصة وبين الحديث والعمل المنطلق من البحث عن المعالجة والعبرة والاستفادة من دروس هذه الأخطاء والتجاوزات .

2ـ إن مسؤولية المعالجات السياسية والمادية والقانونية العادلة لكامل الحقوق المادية والمعنوية لضحايا التجاوزات والإجراءات الخاطئة السابقة والراهنة تقع أساسا وبالكامل على كاهل السلطات القائمة التي آلت أليها كل مزايا ومسؤوليات السلطات الرسمية التي أرتكبت أي تجاوزات أو إجراءات خاطئة سابقة في ظل مسؤولياتها وتحت أمرتها المباشرة .. فعلى سبيل المثال ليس من الجائز لا أخلاقيا ولا اجتماعيا ولا سياسيا ولا قانونيا إن تظل القضايا والإشكاليات المتصلة بمسائل الأراضي الزراعية والسكنية والمساكن المؤممة سابقا في الجنوب ،إن تظل تلك القضايا ألغاما يهدد بها السلم والوئام الاجتماعي في الجنوب من وقت لآخر في ذات الوقت الذي بتم فيه العبث بأراضي وممتلكات الدولة التي يمكن إستخدمها في التعويض العادل للمتضررين من تلك الإجراءات دون أعباء مالية إضافية على الخزينة العامة كما لو إن مخلفات تلك القضايا لاتعني شيئا السلطات القائمة .. فليس من حق أحد في سلطات الدولة أخذ ما يريد وترك ما يريد من أرض ومسؤوليات السلطات السابقة ، فالقانون والأخلاق توجب انتقال جميع المسؤوليات والالتزامات والواجبات الواقعة على عاتق السلطات السابقة إلى السلطات القائمة التي أعقبتها مع امتيازات ومزايا السلطات السابقة القانونية والسياسية.

3ـ إن هناك مسؤوليات قانونية واجتماعية وأخلاقية تقع على كاهل كل واحد من أبناء الجنوب كان في موقع القرار والمسؤولية خلال العقود السابقة التي سبقت الوحدة والسنيين التي تلتها من الذين ساهمت قراراتهم والإجراءات المتخذة في ظل سلطتهم بهذا القسط أو ذاك في وصول الجنوب وأهلة إلى الأوضاع الراهنة التي يعيشها سواء كان هذا البعض الآن في مواقع المسؤولية والقرار أو خارجها ،في الداخل أو الخارج إن على كل هؤلاء، مسؤولية العمل بكل ما أوتوا من طاقة وإمكانيات على تخليص الجنوب وأهلة وإخراجهم من حالة الضم والإلحاق و امتهان الحقوق التي يعيشونها راهنا وحتى يتم إيجاد الشراكة الوطنية الحقه بين مكونات الوطن المختلفة .

4ـ إن من أعظم عبر ودروس الماضي ضرورة التمسك بحق الجميع في حرية التنظيم والعمل السياسي والنقابي المستقل وفي جميع الظروف وتسييج هذه الحقوق بحق التعبير بكل أشكاله وصوره وبحريه إعلامية حقه وراسخة .. ولهذا يجب علينا العمل سويا من اجل إن تصبح قيم وتعابير هذه الحقوق والحريات قيما مشتركة للجميع يحافظون عليها كما يحافظون على حدقات أعينهم مهما كانت الظروف والأوضاع ،ومهما كان المستفيدون منها في هذا الوقت أو ذاك ،وكذا العمل على إخراج هذه الحقوق من دائرة الشعارات والأقنعة والاستخدام الذرائعي لها إلى ممارسة يومية وأسلوب حياة يتنفسه المجتمع كما يتنفسون الهواء .

5ـ إننا نعتقد بوجود مسؤوليات وطنية وسياسية وأخلاقية تقع على عاتق جميع الأحزاب السياسية القائمة ،وبالذات على قيادات هذه الأحزاب ، في العمل على تخليص الجنوب من الأوضاع الراهنة التي يعيشها منذ حرب صيف 1994 م .. فمسؤولية الأوضاع المأساوية الصعبة والتجاوزات الفجة في جميع مناطق ومحافظات الوطن الأخرى لا يجوز إن يستمر في استخدامه كذريعة للتنصل من المسؤولية الخاصة بجميع الأحزاب السياسية تجاه الجنوب فقد أسهمت جميع الأحزاب القائمة وكل بطريقتها في إيصال الجنوب إلى ما وصل إليه من أوضاع مأساوية لهذا فان عليها جميعا مسئولية خاصة . لتخليصه من حالة القهر والظلم المركب التي يعيش فيها .. فالإخلاص لقضية الوحدة اليمنية القابلة للاستمرار والتي يمكن إن تكون مدخلا لعزة ورفعة الوطن وتقدمه يتمثل في العمل على استعادة الشراكة الوطنية الحقه .. والعمل على استعادة المراكز المدنية والحضرية التي مثلتها مدن الجنوب وبالذات مدينة عدن لدورها التاريخي في نهضة وتحديث الوطن .. فمن المسلمات التاريخية الدور الهام لهذه المراكز الحضرية في تقدم ونهضة الوطن.وبالتالي على الجميع العمل على إستعادتها لدورها القيادي والريادي.

6- إن على أبناء الجنوب الذين يتوؤن مراكز قيادية في السلطة وفي الأحزاب السياسية تقع مسئولية أكبر وأعظم في إنقاذ الجنوب وتوليد الشراكة الوطنية الحقة .. فإذا كنا جميعا مسئولين عن العمل على إنقاذ وطننا وشعبنا فمن الطبيعي أن تتعاظم هذه المسئولية لدى كل من يشارك بهذا القدر أو ذاك في تكريس هذه الأوضاع الشاذة القائمة والتي ستكون عواقبها الوخيمة مضرة بالجميع...

التاريخ: 25/4/2007م تقديم:

اللجنة التحضيرية للملتقى الوطني

للتصالح والتسامح والتضامن

في محافظة حضرموت