هل تستطيع أن تمنع قلبك من ألا يحب؟ من ألا يعرف طعم الحياة الحقيقي؟ هل تستطيع ان تعاقبه كونه تجرأ وخرج عن طوعك وإرادتك دون أن يستشيرك أو يأخذ رأيك؟
هل تستطيع ان تهرب من حبك بغيابك المستمر أو بسفرك المفاجئ كي تريح قلبك وتنسى حالات الشوق غير الطبيعية التي تشعر بها ولا تستطيع ان تقاومها؟ وهل تستطيع ان تتجاهل حب الآخرين لك؟ وإلى متى؟ بل وحتى لو سافرت بعيداً عبر المحيطات بطوعك، هل تعتقد انك قادر على نسيان مشاعر الحب الصادقة المتأججة بداخلك تجاه من أحببت؟
ذلك الحب الذي أوجده الله سبحانه وتعالى بداخلنا شيء رائع لايمكن وصفه! شيء جميل لا يمكن التعبير عنه! شيء غريب لا تعرف له تفسيراً! كل ما تعرفه أنك منجرف وراء شيء اسمه شوق وحنين ولهفة، كل ما تشعر به أن مشاعرك وعواطفك وأحاسيسك ليست ملكك ولم تعد كذلك ولا تستطيع التحكم فيها! وحتى لو رجوتها وتوسلت إليها فلا تستطيع ان تمون عليها لانها اصبحت خارج نطاق السيطرة الشخصية.
يا الله! ما أجمل هذا الحب حينما ينطلق بحرية في فضاءات رحبة مشروعة لا يحدها حدود، وما أروعه حينما يجد من يشاركه هذا التحليق في عنان السماء، بل ما أعذبه حينما لا يكون له وقت محدد ينتهي فيه او يتوقف عنده.
يا الله! ما أجمل هذا الحب الصادق الطاهر حينما يتمكن من قلوبنا، ما أروعه حينما يملأ علينا حياتنا سعادة، ما أعذبه حينما يشعرنا بقيمتنا وشخصيتنا ويجعل لنا وجوداً في هذه الحياة.
أعتقد ان كل انسان منا بداخله كم هائل من الحب،ولكن ليس كل انسان محظوظاً في ان يعطي هذا الحب لانسان يستحقه، وليس كل انسان وجد هذا الانسان المناسب حتى الآن بل ليس كل انسان لديه القدرة على مشاركة حبه مع انسان آخر لاسباب خاصة به نحترمها ونقدرها لعل من أهمها ربما تخوفه او تجاربه السابقة غير المشجعة او الظروف الصعبة المحيطة التي تمنعه حتى من اظهار حبه ومشاعره والتعبير عنه.
وحينما نحرم هذا الحب الصادق من ان يلتقي بتوأمه، حينما نحرم أنفسنا من أن نعيشه كما يجب، حينما نظهره على استحياء وكأنه جريمة لا تغتفر، حينئذ نكون قد ساهمنا في قتل اجمل شيء في الحياة وطمس معالمه وتشويهها الا وهو الحب ذلك الاحساس المميز المرتبط بأسماء مميزة.
وهناك بالفعل فئات من هذا النوع التي تخفي حبها بداخلها ولا تستطيع اظهاره رغم براءته وتجتر أحزانها وآلامها بمفردها دون ان يحس بها احد أو يلتفت إليها او يسأل عنها وفي حالات كهذه ربما تتبادر لك تساؤلات كثيرة لعل اهمها:
ترى الى متى يظل هذا الحب صامداً في قلوبنا رغم الظروف الصعبة التي تقف في وجهه؟ وإلى متى يظل يقاوم تلك الاعاصير الهوجاء التي تهب في طريقه؟ والى متى يظل يلتفت لاولئك الحاسدين المغرضين الذين يحاولون النيل منه والاساءة إليه وتشويه صورته؟ أليس هو احساس جميل يستحق ان يعبر عن نفسه؟
يا إلهي ! ما اتعب تلك القلوب الرقيقة الشفيفة حينما تحب بصدق ولا تجد صدراً حنونا تضع رأسها عليه! وحضنا دافئا ترتمي إليه كي تشعر بالامان والطمأنينة!
ما أشد قسوة الحياة عليها حينما تحب بعمق ولا تجد من يسأل عنها او يفكر بها او يشتاق إليها, أو يقدر حجم تضحياتها الكبيرة ومعاناتها المستمرة.
ما أشد نار الغيرة بداخلها حينما تعلم انها احق بذلك الحب من غيرها ممن لا يقدرون قيمة ذلك الحب ولا يعرفون كيف يصونونه ويحافظون عليه!
بل ما أشد نار الحرمان حينما تريد من يشاركك ذلك الحب الصادق العفيف ولا تجد سوى اقنعة مزيفة وسراب خادع أو ظروف قاسية اقوى من الجميع لا تفرق بين حب صادق عفيف وحب زائف مغشوش، أو بين حب لذاتك وشخصك وبين حب لمآرب وأغراض شخصية.
هذا الحب الكبير الذي دخل قلوبنا دون استئذان وهذا الود الذي استأثر بكل شيء في حياتنا، ترى هل هو بحاجة ليذكرنا بألا ننساه حينما نغيب او نبتعد عنه قليلا؟ هل هو بحاجة لأن نؤكد له بأنه معنا أينما ذهبنا؟ هل هو بحاجة لان نذكره بأنه مهما كان الاشخاص الذين معنا ومهما كانت منزلتهم يظل هو صاحب المنزلة المتفردة مهما كان غائبا او بعيداً عنا وقتيا؟ هل هو بحاجة لان نخبره ونؤكد له بأن سفرنا يظل ناقصا من دونه فاقداً لطعمه اللذيذ بسبب عدم وجوده معنا ومصاحبته لنا؟
ترى كم من الوقت يكفينا لنعرف مقدار الحب الصادق بقلوبنا لأناس معينين؟ وكم من الوقت يلزمنا لنعرف حقيقة حب اولئك الناس لنا لكي نتخذ قرارا بتفعيل هذا الحب بشكل صحيح يزيد من روابطه ويعمق جذوره داخلنا؟ وهل الوقت مقياس كاف او معيار دقيق للتأكد من حقيقة هذا الحب؟
أحيانا لا نشعر بحب الآخرين الا عندما نلمس اهتمامهم بنا وحرصهم على معرفة اخبارنا والاطمئنان علينا وهذا في حد ذاته شعور جميل لا يقدر بمال او يعوض بأشياء مادية.
ليس ذلك فحسب، بل اننا يمكن ان نرى محبة الآخرين لنا من خلال تشجيعهم الدائم لنا ودعمهم المتواصل لما نقوم به وعدم بخلهم علينا بأي شيء طالما كان هذا الشيء يزيد من محبتهم لنا ويضاعف من تقديرهم واحترامهم لذاتنا، وهذا من شأنه ان يجعلنا نضاعف الجهد لنكون عند حسن الظن ولنرد جزءاً من الجميل الذي أسبغوه علينا وأمطرونا به.
قد نعاتب من نحب لانه لا يسأل عنا ولا يطمئننا عليه لفترات طويلة تكاد تقتلنا من شوقنا ولهفتنا وحرصنا عليه, وقد نقرر ان نعاتبه بالمثل ولو وقتيا، ولكننا حينما نعرف انه ليس اي انسان وان حبه ليس كأي حب بل حينما نعرف حقيقة ظروفه نلتمس له العذر وننسى شيئا اسمه عتاب وكل ما تتمناه في تلك اللحظات هو ان يكون بخير وسعيداً, وماذا أجمل وأروع من أن ترى أعز الناس الى قلبك بخير وسعيداً وبعيداً عن الهموم النفسية والمشكلات الاجتماعية, صحيح انه لا يسأل عنك في احيان كثيرة ولكن ماذا تقول في الحب؟
مشكلة الحب ان هناك اناساً يحاولون ان يشوهوا صورته بمفاهيم خاطئة ويسيئوا إلى اسمه بتفسيراتهم السيئة، يتعاملون مع الحب وكأنه لاغراض دنيوية معينة ويتناسون او يتجاهلون ان الحب اسمى من ذلك بكثير, ولكن ماذا نقول؟
انه الحب ولا شيء غير الحب هو من يضيء لنا طريق الحياة ويجعل حياتنا جميلة ورائعة, انه الحب ولا شيء غير الحب الصادق هو من يجعل لحياتنا معنى آخر مختلفا وطعما فريدا.
انه الحب الذي يجعلنا نعطي دون مقابل ونضحي بلا حدود دونما تبرم أو شكوى, وهو الحب الذي يجعلنا بطواعية وبنفس راضية نتحمل الآلام والمعاناة والقسوة والحرمان من اجل صاحبه من اجل أن نبقى بالقرب منه، من اجل ان نحصل على رضاه, فهل يدرك مثل هذا الصاحب ذلك؟ هل يحس بمثل هذا الاحساس؟
مشكلة هذا الحب - ان كانت له مشكلة - هي ان الكل اصبح يتلفظه بلسانه، ويقوله لاي انسان مهما كان، دون ان يعرف معناه الحقيقي وهدفه السامي!
مشكلة هذا الحب - ان كانت له مشكلة - اننا حينما نسمع من اي انسان انه يحبنا ولا يستغني عنا، نصدقه بكل براءة من اول كلمة ونتعامل معه بمقتضى هذه الكلمة التي يكررها علينا باستمرار وهو يقصد بها اشياء اخرى في نفسه، الله سبحانه وتعالى اعلم بها.
مشكلة هذا الحب - ان كانت له مشكلة - ان الكل يريده ومحتاج إليه ويفتقده بشدة وهذا المسكين - الذي هو الحب - لم يعد يلبي احتياجات اولئك المحتاجين إليه وبالقدر الذي يكفيهم، لانه ببساطة غير موجود حولهم ولا يستطيعون الوصول إليه، ولان هناك من يمنعهم منه ويحول دون وصولهم إليه.
ولكن ينبغي ان ندرك انه، مهما كان هذا الحب جميلا وساميا ورائعا، فإن حب الله سبحانه وتعالى يظل هو الحب الاسمى الذي لا يعلو فوقه حب، ولا يجاريه حب على وجه الارض مهما كان, لانه متى ما تمكن منا بصدق - وهذا ما يجب ان يكون - اضاء لنا طريقنا, ويسر لنا امورنا ووفقنا في حياتنا في دنيانا وآخرتنا بإذن الله، لانه ببساطة ليس اي حب.
* همسة *
كثيراً ما سمعت عن الحب,, من هذا وذاك,.
كثيراً ما قرأت عنه,.
من هنا وهناك,.
ولكنني لم أكن أُصدقه,.
لم أكن أعترف به,.
لم يكن يهمني,.
من قريب أو بعيد!
***
حتى ظهرت انت لي,, حتى وجدتك أمامي,.
حتى دخلت قلبي,.
فأضأت شمعة حياتي,, وأصبحت كل شيء,.
***
وحينها تبدل كل شيء!
تغير كل شيء!
لم يعد الحب هو ذلك الحب!
واظنك عرفت الباقي.
عرفت رأيي فيه,.
أليس كذلك؟
Bookmarks