ضآلة نسب الادخار لدى العمالة الوافدة

المصدر: صحيفة الاقتصادية الالكترونية - السبت* 19 ذو القعدة 1427 هـ الموافق 09/12/2006 م - - العدد 4807

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

د. جاسم حسين - رئيس وحدة البحوث الاقتصادية (جامعة البحرين)
jasim.husain@gmail.com

يبدو أن التكاليف الباهظة نسبيا للمعيشة في دول مجلس التعاون الخليجي لا توفر للعمالة الوافدة فرصا كبيرة لادخار مبالغ مالية. فقد تبين في دراسة حديثة أن أكثر من 40 في المائة من الوافدين للإمارات لا يوفرون شيئا على الإطلاق أو مبالغ بسيطة للغاية. من جهة أخرى لا يمكن اعتبار ذلك مسألة عدم ادخار العمالة الأجنبية سلبية في كل جوانبها، حيث إن الأمر يعني صرفهم لجزء كبير من أموالهم في المنطقة.
تكتسب الدراسة أهمية خاصة نظرا لضخامة حجم العمالة الأجنبية في المنطقة. يشار إلى أن العمالة الأجنبية تمثل غالبية متوسط العمالة في دول مجلس التعاون الخليجي بل إنها تصل إلى أكثر من 80 في المائة في الإمارات وقطر. المعروف أن توفير مبلغ من المال يعد هدفا جوهريا للأجانب المقبلين على العمل في دول المجلس لكنهم مع ذلك يعانون من مشكلة حقيقية.
فقد كشفت دراسة بحثية نفذتها شركة (جالف تلنت) ومقرها إمارة دبي أن ظاهرة ضآلة حجم الادخار لدى العمالة الأجنبية منتشرة في جميع دول المجلس لكنها الأسوأ في الإمارات. فقد كشفت الدراسة أن 43 في المائة من العمالة الوافدة العاملة في الإمارات لا توفر شيئا إلا ما نذر. وحلت الكويت في المرحلة الثانية، حيث أوضح 29 في المائة أنهم لا يوفرون شيئا يذكر. وجاءت قطر ثالثا إذ ذكر 28 في المائة من الأجانب أن ليس بمقدورهم التوفير بسبب كلفة المعيشة. كما أبدى 23 في المائة من الأجانب العاملين في السعودية والبحرين عدم قدرتهم للتوفير. أما النتيجة الحسنة فكانت من نصيب العمالة الوافدة في عمان حيث كشف 18 في المائة منهم فقط عدم ادخارهم لأية مبالغ.

ارتفاع الإيجارات
تبين من البحث أن ارتفاع الإيجارات السكنية في المنطقة يعد المسؤول عن هذه الظاهرة الملفتة للنظر. فقد كشفت الدراسة أن إيجارات الوحدات السكنية ارتفعت بنسبة 83 في المائة في الدوحة خلال العامين الماضيين. كما ارتفعت الإيجارات بنحو 60 في المائة في دبي و21 في المائة في الرياض خلال الفترة نفسها.
وكرد فعل متوقع على أزمة ارتفاع الإيجارات تتحدث تقارير أخرى عن شيوع ظاهرة إرسال بعض المحترفين لأفراد أسرهم إلى بلدانهم الأصلية لغرض توفير مبلغ من المال. بالمقابل يقوم هؤلاء باقتسام تكاليف السكن مع زملاء آخرين لهم. المؤكد أن هذا التطور لا يخدم العلاقات الأسرية الأمر الذي ربما يترك أثره على الظروف النفسية للعاملين وبالتالي إنتاجيتهم.

مشكلة التضخم
وتؤكد الكثير من الدراسات أن ظاهرة التضخم (أي ارتفاع الأسعار وبقاؤها مرتفعة) باتت حقيقة مرة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي بلا استثناء. لكن تبدو هذه الظاهرة مقلقة في بعض الدول أكثر من غيرها وعلى الخصوص قطر. استنادا إلى مجلس التخطيط القطري* بلغت نسبة التضخم في قطر 8.2 في المائة في النصف الأول من عام 2006. ويعتبر هذا الرقم مرتفعا مقارنة بالفترة نفسها من عام 2005 عندما تم تسجيل ارتفاع قدره 4.8 في المائة. يشار إلى أن نسبة التضخم بلغت 8.8 في المائة على مدار عام 2005. بالمقارنة تم تسجيل نسبة تضخم أقل من 1 في المائة في العام 2002.

إرسال الأموال للخارج
ربما أكثر ما يقلق العمالة الأجنبية أن عدم قدرتهم على الادخار يعني فيما يعني عدم قدرتهم على إرسال أموالهم لأحبتهم في أوطانهم. استنادا إلى البنك الدولي* فإن قيمة الأموال المرسلة من السعودية تحتل المرتبة الثانية في العالم مباشرة بعد الولايات المتحدة. ويعتقد أن العمال الأجانب يرسلون نحو 15 مليار دولار في المتوسط من السعودية إلى بلدانهم الأصلية. كما أشارت دراسة أعدها مركز المعلومات التابع لغرفة تجارة وصناعة أبو ظبي أن الأجانب العاملين في الإمارات قاموا بإرسال أكثر من 14 مليار دولار في عام 2005. وتوقع المركز أن يرتفع الرقم إلى نحو 16 مليار دولار مع نهاية العام الجاري.
المؤكد أن اقتصاديات دول مجلس التعاون تمر بظروف غير عادية لأسباب مختلفة منها توافر السيولة التي بدورها تسهم في تحقيق درجات عالية نسبيا من النمو الاقتصادي. بالمقابل تعتبر وفرة السيولة مشكلة في حد ذاتها نظرا لمحدودية الأدوات الاستثمارية. وربما هذا يفسر وجود رغبة عارمة لدى البعض في الاستثمار في مجال العقارات الأمر الذي يتسبب في شيوع ظاهرة ارتفاع أسعار الإيجارات. وفي المحصلة تزيد ارتفاع الإيجارات في تعقيد المستوى المعيشي للوافدين والمواطنين. ربما المطلوب من الحكومات هو الدفع باتجاه استحداث المزيد من الفرص الاستثمارية لغرض توظيف السيولة المرتبطة بارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية.
ختاما علينا أن نسأل عن مستوى الادخار لدى المواطنين. المشهور أن نسب الادخار ضئيلة لدى المواطنين وأنها أقل من 10 في المائة في أحسن الأحوال. يقال أن حال التوفير في دول الخليج تماما كما هو عليه الحال في الولايات المتحدة حيث الميل للاستهلاك.