من يعرفني جيداً يعلم أنني مجنون بحب الأطفال, فهم أحباب الله و زهور هذه الحياة .. لا أدري لماذا ينتابني شعور بالأمل كلما رأيت طفل يبتسم , أما إذا رأيت طفل يبكي – و حتى إن لم أكن أعرفه – أشعر بالاكتئاب و الحزن يعصر قلبي عصراً...
و كما يقولون أن الطفل يحب من يحبه, لذا فأنا أشعر بحبهم البريء.. و اليوم أحب أن أحكي لكم مجموعة من المواقف الطريفة التي حصلت لي بسبب الأطفال ... لن أطيل عليكم و دعونا نغوص مع بعض في السطور القادمة..
نصيحة طفلة
في نهار أحد الأيام كنت مع أحد أصدقائي نتبادل الحديث في بيته و فجأة بدأ تلفونه بالعويل فذهب ليعرف من المتصل و بينما كان يتكلم مع الطرف الآخر استوحيت فكرة جديدة لقصة جديدة فأخرجت قلمي و الورقة من جيبي و بدأت بتسجيل الفكرة إلا أن قلمي الأحمق أصيب بعته ما و لم أعد قادراً على الكتابة به حيث تقطع الخط ثم توقف عن الكتابة نهائياً .. و كانت ابنة صديقي التي تبلغ الرابعة من عمرها موجودة معي فقالت:
- أبي أشعل عود ثقاب و وضعة تحت قلمه..
أعجبتني الفكرة فطلبت منها أن تحظر لي أعواد ثقاب من المطبخ و عندما أشعلت عود الثقاب تساءلت لماذا لم يخطر لي استخدام هذه الطريقة القديمة.
و لكن – وا أسفاه ! – أقلام الحبر الحديثة مصنوعة كلياً من البلاستيك. و ما أن لمس اللهب قلمي حتى سقط طرفه باعثاً رائحة حادة و ناثراً رذاذاً من الحبر.
فقالت الصغيرة:
- هذا تماماً ما حصل لقلم أبي..
أزمة المفاتيح
حدثت هذه القصة قبل عامين تقريباً عندما كنت في سنة ثالثة كلية التجارة, حيث استيقظت صباح يوم مشرق و جميل و ما أن رأيت الساعة حتى تحول إلى صباح مظلم و شنيع .. فلقد كانت العقارب تشير إلى الثامنة إلا ربع, أي أن محاضرتي ستبدأ بعد ربع ساعة.. فانتفضت من فراشي كمن لسعته حيه و غسلت وجهي بسرعة و عندما هممت بفتح خزانة ملابسي لم أجد المفتاح في مكانه فصرخت..
- أمااااااااااااااااااااااااااه ... أين مفتاح خزانة ثيابي..
- في مكانها.. ألم تجدها؟!..
- لم أجدها.. أرجوكِ أنقذيني..
- خذ المفتاح الأحتياط من خزانة والدك..
ذهبت مهرولاً إلى غرفة أبي و ما أن وصلت إلى هناك حتى أنصدمت بصخرة الواقع المريرة, فمفتاح خزانته لم يكن في محله.. أين ذهبت هذه المفاتيح الحمقاء ..
- أماااااااااااااااااااااااااه .. مفتاح الوالد غير موجود..
حضرت أمي من المطبخ و على وجهها اعتي علامات الذهول و الاندهاش و راحت تبحث معي عن المفاتيح المفقودة.. و في تلك الأثناء أستيقظ أخي (محمد) البالغ من العمر 4 سنوات أثر صراخي في هذا الصباح البهيج.. فتقدم نحوي و هو يترنح و قال:
- صباح الخين يا نوحي ( صباح الخير يا روحي)..
- صباح الخير يا حبيبي..
قلتها دون أن ألتفت نحوه, فما كان منه إلا أن شد سروال منامتي ليلفت نظري و هو يقول:
- مو تدوِّن يا نامي ( مو تدوِّر يا رامي)
- يا أخي روح كمل نومك و خليني لحالي..
فجأة أبتسم (محمد) بخبث و هو يقول:
- أنت تدوِّن المفتاح.. صح ( أنت تدوِّر المفتاح.. صح)..:71:
ألتفت نحوه بسرعة و أنا أتساءل:
- هل تعرف مكانها يا (محمد)؟..
أومأ برأسه أن نعم.. فبادرته بعجلة:
- جيب المفاتيح بسرعة.. ماذا تنتظر؟!..
فجأة ألتمعت عينيه ببريق عجيب و هو يقول:
- أديني عشنة و أنا أدينك المفتاح ( أديلي عشرة و أنا أديلك المفتاح)
- سأعطيك عشرين لكن عجل و أحظر لي المفتاح..
فهرول مسرعاً و أنا بعده حتى وصلنا إلى غرفة معينة و استوقفني طالباً ألاّ أدخل الغرفة معه حتى لا أعرف مكان المفاتيح.. فانتظرته و أنا أغلي من الغيظ, لكن هذا لا يمنع من أنني استرقت النظر للغرفة و أراه يتلفت يمين و شمال ليتأكد من عدم وجود أحد معه بالغرفة ثم يزحزح منضده صغيرة ليخرج كيس متوسط الحجم فيه مفاتيح أشكال و ألوان.. مفاتيح قديمة.. مفاتيح حديثة.. حتى مفاتيح صدئة.. و بدأ بالتنقيب عن مفتاحي الذي على ما يبدو أنه يعرفه جيداً من خلال ميداليته المميزة و ما أن وجده حتى أخفي بقية المفاتيح في مخبئة السري و خرج و نشوة النصر مرسومة على وجهه و هو يقول:
- هذا مفتاحك .. هات العشنين ( هذا مفتاحك.. هات العشرين)
نقدته المبلغ بسرعة حيث لم أكن مستعد لضياع دقيقة أخرى من وقتي و ما أن خرجت من البيت متوجهاً للكلية بدأت بالتساؤل ..
ما غرض (محمد) من تجميع المفاتيح؟.. هل هي هواية جديدة؟.. أم أنها وسيلة استثمارية حديثة أبتكرها (محمد)؟..
أطفال آخر زمن..
مـــــأزق
قبل يومين كنت في الصيدلية, و بينما كنت مندمج بالقراءة لم أنتبه للطفلة التي دخلت الصيدلية و في يدها عملة معدنية فئة عشرة ريال, فعندما طال انتظارها بدأت بطرق المنضدة بالقطعة المعدنية حتى تلفت انتباهي فألتفت نحوها و كانت سبحان الله قمر..
- ماذا تريدين يا حبيبي؟..
- هات لي بعشرة مليم أبو عود..
كست الابتسامة وجهي و أنا أقول:
- هذه صيدلية يا حبيبي.. عندما تكوني مريضة بابا يشتري العلاج من هنا.. أما المليم فستحصلين عليه من البقالة المجاورة..
قلتها و أنا أشير اتجاه البقالة..
- لماذا تكذب.. الكذب حرام.. أنت تبيع مليم أبو عود..
هنا صعد الدم إلى رأسي و أنا أقول:
- نعم أنا أبيع المليم لكن للأسف انتهت آخر واحدة قبل قليل.. لم تكوني محظوظة..
- و ماذا عن تلك؟..
قالتها بتشف و هي تشير إلى نقطة معينة من المنضدة فما أن التفت حتى وجدت مليم أبو عود بالفعل كنت قد اشتريتها لي.. فأنا أحب القراءة و التمتع بمليم أبو عود بنفس الوقت.. إذاً كانت الطفلة على حق من البداية.. و ما كان مني إلا أن جلبت المليم و أهديته للطفلة التي نقدتني بدورها العملة النقدية, فضحكت و أنا أقول:
- دعي النقود معكِ.. فهذه هدية مني..
- يعني ببلاش..
- نعم ببلاش..
هنا ركضت الطفلة و هي تصرخ كأنها صفارة إنذار متحركة..
- يقسموا مليم ببلاش في الصيدلية.. يقسموا مليم ببلاش في الصيدلية..
و ما هي إلا ربع ساعة حتى كان عندي مظاهرة أطفال الحي الذين يرغبون بحصتهم من المليم...
Bookmarks