هذه الحرب فضحتنا 13/05/2007 م 01نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي48 نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي جمال انعم إنتبه.. أنت في صعدة ، تكتبُ عن حربٍ دامية ضارية ملتبسة عصية على الفهم والحسم ، الكتابة عنها اشتباكٌ مكلفٌ مع السياسة والدين والتاريخ وأسئلة الدولة الحديثة وقلة العقل غوصٌ في الدم *تقليبٌ للمواجع المختلطة ، خوضٌ في سخرياتٍ قاتلة ، معركةٌ أخرى تفرضُ عليها الحربُ رهابها و مهدداتها الكثيرة.

سنوات وصعدهٌ في الشمال تشتعل قريباً من القلب ونحن نسفح عجزنا بيانات منمقة تتوخى الحصافة في توجيه اللائمة والعتب.

ذهب كل شيء إلى صعدة إلا الحكمة ومع استمرار الحرب استمرأنا التناسي ولكي نغفو على عار اليوم وأيقظنا صراعات الأمس ملء الذاكرة.

ما أصعب أن تكتب عن صعدة وما أقسى أن تستمر في الهرب وإلامَ تهرب وهي تلاحقك لحظة لحظة.. عذاباً ملازماً، أرقاً وندماً و فضيحة... في كل يومٍ قتلى.. جرحى.. مشردون.. وصمتٌ مدانْ.

ما زالت الحربُ بعيدة.. أنتَ في مأمن بإمكانك حفظ قلبك بعيداً.. لا قتيلٌ قريبٌ يقضّ مضجعك ويستثيرُ أدمعك.. يبدو الموتُ أليفاً مألوفاً حين تباعد بيننا وبينه المسافات.. لا يستدعي منـّا سوى الإشفاق والتعاطف عن بُعد و إبداء سُحنة آسفة.

أسألك يا أمين أشعرتَ ليلتها بخذلاني لك وأنت تهاتفني بصوت مفجوع تفوح منه رائحة الموت.. لم أكن لحظتها الصحفي الذي أمّلت.

كنت تدعوني إلى مشاركتك الوقوف على ناقلة قتلى مكتظة بالجثث الفتية كان منهم ابن عمك ذو الـ 16 ربيعاً.

ثمّة ورقة مدعوكة تتشبث بمكانها من أرض المكتب على مدى اسبوعين.. فوق مكتب الزميل تناوشتها أيدي كثيرة غير مُبالية واستقرت على الأرض أخيراً محكوماً عليها بالإعدام.

ماذا في الورقة؟ قتيلٌ مجهول في مرثية لصديقٍ حميم تفتقر إلى الجزالة والشاعرية، أخذتني شعرية الموقف.. شعرية الموضوع ودراميته الموجعة هذا الفتى يرثي أخاه، صاحبه، صديقه شهيد شرعب في صعدة.. الذاهب بصمت إلا من بكاء قريب.

بدا حانقاً من الزمن الراكض على الجماجم والدماء صوب البعيد مطالباً إياه بالتوقف لتحية هذا القربان المقدم.. قف يا زمان ـ تلك صرخته ـ وفيها يلتمس عزاءات كثر ويذكر أسماءً كأنهم أطفال الشهيد.

أية حربٍ هذه يسلبُُ فيها المرء مجد الشهادة وكموته اليسير ينتهي مجرد ورقة مهملة.. قصيدة ميتة ركيكة غير مقدرة في عين الشعر لا مكان لها في صدر الزمان والمكان .

لكأنهم يذهبون فقط لكي يعودوا أمواتاً لا بواكي لهم ولا بيانات نعي.

فضحتنا هذه الحرب كشفت سوءاتنا المخفية بعناية.. أي مجتمع نحن؟ حين نتعايش ونتصالح مع حربٍ تأكلنا وتلتهم أبناءنا وإخواننا وتفتح ساحتنا للشيطان.. السياسي يبحث عن معلومة لم يُمكن منها كي يشيد موقفاً أكثر إتزاناً وتوازناً كي يدبّج بياناً واضح الحجة شديد اللهجة يبرأ من التهمة ويشير إلى متهم.. السياسي يريدُ شفافية في الحرب كما لو أنه منعّم بها في السلام..

والصحافة هنا في صنعاء ترابط بانتظار التصريح الضامن للسلامة.

ثمة تواطؤ عام على الخرس ومحاولة التفلت من المسئولية.

كيف تخفي السلطة حرباً ضروساً كهذه ثلاث سنين متواصلة؟.. منْ فكر جاداً بتجاوز الحظر والمحظور باعتبارها قضية وطن.


حتى الآن لا موقف عام يستحق الإشادة والخطير أن يتكئ الجميع على مبرر سهل لا يعفيهم من المسائلة.. أي صحفي هذا الذي ينتظر السلطة كي تأخذ بيده إلى حيث تكمن الدهشة.. صعدة موتنا الذي نهرب منه.

ربما كانت الورطة القاتلة بالنسبة للسلطة والخطأ الفادح بالنسبة للأحزاب والمنظمات والجماهير إذ لم تبلغ مواقفها حد التأثير في مجريات الحرب.. ثمة استسلام موارب لإرهاب الخطاب السلطوي المواكب للحرب وهو ما عنى غياب الموقف السياسي الفاعل المغالب لخطاب الحرب.

في (إسرائيل) عاش أولمرت مؤخراً أسوء فترات حياته كقائد سياسي إذ خضع للمساءلة بعد ضغط شعبي هائل ينم عن حساسية عالية تجاه الشئون العامة والتي أثر فيها قرار الحرب على لبنان.

بالله عليكم ماذا يجري في صعدة؟؟ من المسئول؟؟ أين صاحب هذا البرنامج كي يطرح هذا السؤال؟ منْ يتحمل مسئولية استمرار ما يجري؟ هل فلتت فعلاً ؟ هل يأست صعدة من حل قريب؟

أنا يا صعدة قلقٌ خائفٌ، دمي يسيل وصرختي مغلولة... من يوقف كل هذا الجنون؟ من يوقف الحوثيين؟ والمدافع العمياء من يعيد الاعتبار للعقل والحكمة؟
--------
نقلا عن صحيفة الصحوة نت