إنها الغربة وحلم الإغتراب وكآبة المنظر وسوء المنقلب وحمى الخوف من المجهول يظل هاجساً يمزق قلبي كمداً على من سأتركهم يصدح برأسي إلى قيلولة فأرقص مترنحاً من وعكة صحية ألمت بي لأقضي مع نفسي وطراً من راحة بعد عناء وتعب وحرارتي مرتفعة أحسها من دفئ أنفاسي وهي تغلي كلما تنفست فتكورت محدودباً من برد صنعاء القارس ومن الضعف والإنكسار الذي يعتريني كمقدمة للمرض لكنه النوم الذي سمعت جدتي يوماً تقول عنه (( نوم الظالم )) مستنكفاً عن نفسي سعادة ماقبل الرحيل لأنفذ بجلدي من مرحلة ما قبل الموت السريري إلى مرحلة الشقاء الأبدي ذهاباً وإياب في بلدان عربية وقيل أنها إسلامية لا تكفل أبسط الحقوق الإنسانية لمواطنيها فما بالكم بـ (( حمار بأجرته )) .
ويصدح الحاج مقبل بترتيل صوت ملائكي منادياً حي على الصلاة مختتماً بحيا عل خير العمل في نغم متمايل متموج ممزوج بنوتة موسيقية تثلج الصدر تتناغم معه مآذن صنعاء القديمة كلها بروعة الأداء لتشنف الآذان وتسلب العقول في وقت كنت أهيئ نفسي لحمل أوراق تأشيرتي ومشروع عبوديتي بحثاً عن رزق ولو بجحر الحمار الداخلي بعيداً حيث أنا وإلى أبد الآبدين حاملاً همومي المثقلة كلها بأوجاع ومذلة الديون مبدلاً حياتي إلى جحيم يشتعل أواره في صدري كلما تذكرت أنني أخطو نحو زلة الإغتراب وفي قرارة نفسي ألعن هذا الوطن الذي يذبح أبناءه خارج الحدود في معركة مع الفقر والحاجة لا ينجو منها إلا سارق أو محتال أو إبن حرام إلا من رحم ربي ، ولو أنني إستمعت لنصيحة صديقي سعيد اليهودي وتوجهنا سوياً على بلاد ربي كما كان يقول ويردد لكنت ضمنت حياتي ومستقبلي وحياة من خلفوني حتى سابع جد لكنه العبط أعزكم الله .
ولازال المؤذن يصدح ولازالت الجموع ترحل بحثاً عن خير العمل بعيداً عن وطن لا يحترم آدميتك وإلى ملاذ يقل عنه وطأة في الظلم عملاً بـ أيش إللي رماك عـ المر غير إللي أمر منه وحسبنا الله ، وعلى إختلاف المعنى اللفظي للعبارة لكنه يبقى العمل الصالح الذي لن تجده في مكان يعبدون ويقدسون فيه الرشوة ويحقرون من الشريف الذي يأبى أن تدنسه وتلوثه معاقرتها وأي خير للعمل ونحن نصم آذاننا لصلاة الفجر بل أن بعضنا يصلي دون وضوء ما إن يرى ويسمع صوت الحاج مقبل وهو ينصح بصوت منخفض وإبتسامة ملائكية تعلو محياه (( صلوا هداكم الله )) أو خوفاً من شيخ الحارة النصاب وهو يضرب بعصاه كل دار يمر عليها ليفزع الكبار قبل الصغار .
وينهي الحاج مقبل الطيب صلاة الفجر ليمد يده مصافحاً من بيمناه ويسراه مروراً بمصافحتي ممازحاً إياي : أين عتسير يا شامخ وعتترك إخوتك لمن ؟؟ ومن عيرعى أبوك العاجز يا خضعي ؟؟ قلت له : وأنت ما بتفعل يا شيخ مقبل (( وضحكت )) ؟؟ ثم قام من مكانه يربت على كتفي ليدعو لي بأن يوفقني ربي وييسر أمري أحسست ساعتها بأمان يحتويني وبأن الدنيا بخير مادمنا نرى أمثال الحاج مقبل عوناً لنا في الملمات والشذائذ وبارك الله فيه وبعمله الصالح .
إنتهى
26/12/2009م
Bookmarks