لم يخيب بيان "اللقاء المشترك" الكثير من التوقعات .. فقد جاء ليؤكد الذهنية العقيمة التي ينتهجها فرقاء المشترك حيال مجمل القضايا الوطنية .

فرغم مراهنة البعض على "مواقف إيجابية" سيتبناها (المجلس الأعلى للمشترك) حيال تعديل قانون السلطة المحلية بشأن (انتخاب المحافظين) والذي حدده فخامة رئيس الجمهورية بالــ 27 ابريل الجاري .

إلا أن البيان الصادر عن "المجلس الأعلى للمشترك" و"هيئته التنفيذية" ذكرنا بمقولة الغراب والدليل وجيف الكلاب !!

فالبيان إبتداء حاول إختزال أهمية القرار القاضي بانتخاب للمحافظين في إطار محدود في محاولة للتقليل من أهميته في إطار (الإصلاحات السياسية) والتحول نحو (الحكم المحلي) كامل الصلاحيات .

ليذهب البيان إلى الحديث عن ما أسماه (حملة الاعتقالات والمطاردات) مروراً بالمهجرين في الجعاشن وخيران حجه وإغلاق الوسط (الصحيفة) والخيواني وارتفاع الأسعار وقضية لوكربي والبرنامج النووي الإيراني وزيمبابوي والفيضانات في بنجلادش .

وفي غمرة هذا الاندفاع الكوارثي الذي يسكن ذهنية (القائمين على صياغة البيان) ... تذكر المشترك أنه بصدد إطلاق موقف من التوجهات الحكومية بتمرير تعديل قانوني يتيح (انتخاب المحافظين) .

وتداركاً للأمر ، قررت تنفيذية المشترك تذييل بيانها الصادر بـ (عين السخط) بموقفها من التعديل القانوني المرتقب .

كالعادة .. عمد المشترك إلى خلط الحابل بالنابل وانتهاج سياسة التضليل – والتقليل من الخطوات البناءة التي قطعتها القيادة السياسية وفاءً بتعهداتها والتزاماتها تجاه الناخبين في سبتمبر 2006م .

البيان الصادر عن (اللقاء المشترك) حمل الكثير من المغالطات التي يجب تفنيدها لعل أهمها :

ـ حديث المشترك عن إحلال مجلس الدفاع الوطني محل المؤسسات الدستورية .. وبالنظر إلى الإجراءات التي مرت بها التعديلات في قانون السلطة المحلية المطروحة حالياً ، يلاحظ انطلاقها من اللائحة التنفيذية لقانون السلطة المحلية الصادر عام 2000م .

ـ مبدأ الانتخاب الحر المباشر والذي قال بيان المشترك أن (الدستور قد نص عليه) ، ولا أدري أي مادة تلك التي وردت في دستور الجمهورية اليمنية بالنص على مبدأ الانتخاب المباشر لمحافظي المحافظات ، إلا أنه كان لتنفيذية المشترك دستورها الخاص فذالك أمر آخر .

ـ اعتبار التعديلات في قانون السلطة المحلية ( نكوص خطير) عن الوعود التي قطعتها السلطة ، والمقصود هنا (البرنامج الانتخابي للرئيس علي عبدالله صالح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة).
وبالعودة إلى نص البرنامج الانتخابي لمرشح المؤتمر الشعبي العام للرئاسة 2006م يتبين التضليل الذي حمله بيان المشترك .
فالبرنامج نص في محورة الثاني الخاص بتعزيز اللامركزية وتفعيل دور السلطة المحلية ، على ما يلي :

((تطوير قانون السلطة المحلية بما يكفل انتخاب محافظي المحافظات ومديري المديريات وتوسيع صلاحيات المجالس المحلية مع تعديل القوانين النافذة ذات العلاقة التي تتعارض مع تحقيق مبدأ اللامركزية المالية والإدارية)) .

ويتضح هنا ، أن التعديلات في قانون السلطة المحلية تأتي كترجمة عملية للوعود التي قطعتها القيادة السياسية في إطار برنامجها الانتخابي .

ـ وأخيرا وصف البيان خطوة انتخاب المحافظين بـ ("الحلول الترقيعية" التي لن تقضي إلا إلى مزيد من الاحتقان).

وهنا تناست تنفيذية المشترك أن القيادة السياسية قد اختارت السير في طريق الديمقراطية وقطع خطوات نحو الإصلاح السياسي واللامركزية الإدارية ممثلة بـ (المجالس المحلية) عن قناعه متأصلة بضرورة تعزيز المشاركة الشعبية في صناعة القرار ، وأن التحولات الديمقراطية التي شهدتها اليمن لم تكن تلبية لإملاءات خارجية أو إستجابة لأفعال تخريبية .

وانطلاقا من ذاك فقد جاء إصدار القانون رقم (4) للعام 2000م ، والتي تم بموجبها إجراء أول انتخابات محلية في العام 2001م ، في الوقت الذي كان فيه الرئيس علي عبدالله صالح مرشحاً (للإجماع الوطني).

وجاء برنامج الرئيس الانتخابي ليؤكد على ضرورة تعزيز اللامركزية الإدارية عبر انتخاب المحافظين.

ولم يقتصر الأمر عند ذلك ، بل كان الصالح يؤكد في أولى تصريحاته عقب انتخابات سبتمبر 2006م ، وضع برنامجه الانتخابي موضع التنفيذ وفي مقدمة ذلك خطوة انتخاب المحافظين .

لذلك فإن محاولة ربط البيان للتعديل القانوني بما تشهده بعض المحافظات من أحداث يحركها(اللقاء المشترك) ، طرح لا ينسجم والحقائق التي تم استعراضها بإيجاز هنا .

وبعيداً عن ما حمله بيان اللقاء المشترك بشأن تعديل قانون السلطة المحلية من مغالطات ،، فإن (ردة فعل المشترك) تعكس حجم المأزق الذي وجد قادة اللقاء المشترك أنفسهم فيه أمام ضرورة تحديد موقف واضح من التعديل ، هذا المأزق عكس نفسه فيما يلي :

1 ـ المؤتمر الصحفي لأحزاب المشترك والذي ظهر فيه تهرب واضح من قيادات (المشترك) من الحضور ، ليجري الدفع بقيادات الصف الثاني والثالث لاعتلاء منصة المؤتمر ، وهو أمر لا يحدث كثيراً ، ويترك أكثر من علامة استفهام .

2 ـ الغموض لم يقف عند غياب قيادات اللقاء المشترك ، بل امتد ليشمل (البيان) الصادر عنه ، والذي لم يحد موقف واضح من التعديلات المقترحة .

3 ـ ذهاب البيان لقضايا جانبية كمحاولة إقحام ما يسمى بـ "الحراك الجنوبي" في إطار الحديث عن جدل قانوني يلبي بالتأكيد تطلعات أبناء المحافظات في عموم الجمهورية .

وانطلاقا مما سبق ، فإن ردة فعل المشترك تعكس حجم التباين بين فرقاءه في وجهات النظر من جهة ، وبين مكونات تلك الأطياف من جهة أخرى .

إضافة إلى أن المواقف الأولية التي صدرت وتشير إلى فعل (المقاطعة) لأحزاب اللقاء المشترك لانتخابات المحافظين المزمع إجراءها في 27 ابريل الجاري تشير لما هو أبعد من رد فعل أولي (عفوي) لقوى سياسة دفعت بشعار (المعارضه لأجل المعارضة).

فيبدو أن خلف الأكمة ما خلفها .. فالمقاطعة (المفترضة) لأحزاب اللقاء المشترك ستكون لها آثاره السلبية على تلك الأحزاب (داخلياً وخارجياً) .
لكن قرار (المقاطعة) له أسباب الأكثر أهمية من تراجع مصداقية المشترك في (الشارع اليمني ) بحسب قيادات اللقاء المشترك فالأمر يتعلق بإستراتيجيات قادمة لعل أهمها :

1 ـ أن إقرار مبدأ (انتخاب المحافظين) ووضعه موضع التنفيذ سيمثل إستيفاء كامل لشرعية (المجالس المحلية) بمكوناتها الجديدة هذه الشرعية لن تكون مستندة لما يطلق عليه في العلوم السياسية "شرعية القبول" كإنعكاس لطريقة تولي المحافظين مناصبهم بـ (التعيين )..
في المقابل سنجد أنفسنا بعد أيام أمام محافظين ينالون "شرعية الرضا والقبول" من المواطنين بالنظر إلى آلية إختيار هؤلاء المستندة للإنتخابات المحلية .

هذه الشرعية ستعكس نفسها بكل تأكيد على علاقة المحليات بالمواطنين (تعزيز الثقة ) من ناحية وعلى أداء المحليات لمهامها تجاه مختلف التحديات من ناحية أخرى .

أحزاب اللقاء المشترك تدرك جيداً (المعادلة القادمة) والتي لا تخدم إستراتيجيتها المستقبلية وأجندتها (الفوضوية) التي نحت منحى التأزيم وافتعال القلاقل منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة .

2 ـ (انتخاب المحافظين ) سيسقط الكثير من الأوراق التي يدير بها المشترك (أجندته الفوضوية) إبتداء باسطوانة التهميش مرور بالاستئثار بالسلطة واحتكارها وسيسقط المطالب المتصاعدة بـ "التقاسم السياسي" .

3 ـ اشتراك فرقاء اللقاء المشترك في انتخابات المحافظين سينقلها من (مربع الإثارة) إلى (مربع المسئولية) في عدد من المحافظات التي يسيطر اللقاء علي غالبية مقاعدها المحلية ، ولعل أهمها (محافظة الضالع) .

وليس بخافي على أحد ما شهدته المحافظة من أحداث فوضى وتخريب للممتلكات العامة واعتداء على أملاك المواطنين وقطع للطرقات .

وإذا كانت أحزاب اللقاء المشترك جادة في الانتصار لقضايا المواطنين في هذه المحافظة (كما تعكس بياناتها) ، فحري بها ترك التباكي على الضالع لبعض الوقت والعمل على وضع أطروحاتها موضع التنفيذ .


بإختصار : اللقاء المشترك سيجد نفسه في 27 ابريل أمام (مفترق طرق) يدركها جيداً القائمون على مكوناته :

الأولى : إما الإقرار بالتعديلات القانونية بما يتيح مبدأ (انتخاب المحافظين ) ، ومواكبة جهود الدولة هذا الإطار بما يعنيه ذلك من :

(( سقوط لمشاريع الإثارة في عدد من محافظات))

من خلال منح المجالس المحلية في المحافظات صلاحيات كاملة للقيام بواجباتها بما يسقط مبررات (افتعال الأزمات) .

الثانية : اتخاذ قرار مقاطعة الانتخابات ... بما يعنيه ذلك من :

1ـ فقدان مصداقية المشترك على الصعيدين (الداخلي والخارجي) .

2 ـ توجيه أصابع الاتهام(مباشرة هذه المرة ) لأحزاب اللقاء المشترك وبخاصة (الإخوان المفلسين) بوقوفهم خلف أحداث الإثارة في عدد من المحافظات ووقوفهم أمام الحلول التي قد تضع معالجات ناجعة للأزمات المفتعلة انطلاقا من أجندة سياسية مشبوهة .

3 ـ اتخاذ قرار بالمقاطعة سيؤكد استمرار (سيناريو الإثارة) والذي سيشهد فصول جديدة بدأت مظاهرها بالانكشاف في عدد من المحافظات الشرقية ( مأرب والجوف وصنعاء) .

4 ـ تنصل أحزاب اللقاء المشترك من تحمل مسئولياتها في عدد من المحافظات التي كانت اللاعب الأبرز في افتعال (الأزمات) فيها وفي مقدمتها محافظة "الضالع" ، وهروب المشترك من إستحقاق المحافظين هو تنكر للناخب الذي أعطاها صوته من جهه وإقرار بعجز عن الإدارة وتورط في الإثارة من جهة أخرى .