صنعاء- آفاق - اسكندر شاهر - خاص



تصادف هذه الأيام احتفالات اليمن بالذكرى 17 لتحقيق الوحدة اليمنية بين ما كان يسمى شطري اليمن "الجمهورية العربية اليمنية" في الشمال، و"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" في الجنوب، والتي تحققت في 22 مايو 1990م بقيادة الزعيمين علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض


التجربة كانت تاريخية بامتياز ولم يكن من السهل تحقيقها وبالتالي استمرارها إلى اليوم ، وفي الوقت ذاته لا يزال ترسيخ الوحدة مسألة إشكالية ، خاصة أن حرب 94م التي حسمت النزاع عسكرياً لمصلحة طرف جعلت هامش الإقصاء مفتوحاً على مصراعيه ومبدأ المشاركة كلام في الهواء .. الأمر الذي تعتبره كثير من القوى السياسية في اليمن تحولاً لمسار الوحدة .. هذا الموضوع الإشكالي وفي هذه المناسبة تحديداً نطرحه على نخبة يمنية من شماليين وجنوبيين ، نسألهم عن:


- مشاعرهم إزاء الوحدة اليمنية بعد 17 عاماً على تحقيقها ..


- وهل يعني استمرار الوحدة كل هذه المدة بأنها أصبحت قدر اليمن الذي لا فكاك منه وبأنها لم تعد تجربة بل حقيقة غير قابلة للطعن؟.


- وهل حافظ النظام الحاكم في اليمن على الوحدة كما ينبغي أم أنها مرهونة ببقائه على رأس الحكم ؟ أم ربما العكس؟.


أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدتكور عبد الله الفقيه أجابنا عن المحور الأول قائلاً "للوحدة اليمنية عند الكثير من اليمنيين قيمة في ذاتها وبغض النظر عن أي اعتبار آخر. لكني أدرك في الأعماق إن المشاعر المعادية للوحدة في أوساط بعض اليمنيين تنمو باستمرار وذلك بسبب الممارسات الخاطئة وغياب العدالة في توزيع الأعباء. ويعتبر الاحتفال السنوي بعيد الوحدة بهذه الطريقة وقيامكم بتوجيه هذه الأسئلة لي بمثابة دلائل على إن الوحدة لم تصبح بعد أمرا مفروغا منه. وقد كنت أتمنى أن توجه الأسئلة إلى إخواني الجنوبيين. فأنا كشمالي إذا لم أكن قد استفدت من الوحدة فانا بالتأكيد لم أتضرر منها..لكن ماذا عن أبناء المحافظات الجنوبية ومشاعرهم وكيف يرون الوحدة؟ وهل يعتبرونها مشروعا فاشلا أم ناجحاً ؟ وما الذي يمكن عمله لتجنب المخاطر؟ كل تلك الأسئلة ينبغي أن توجه إلى إخواننا الجنوبيين".


وقال الفقيه فيما يتعلق بمحورنا الثاني "لو كانت الوحدة اليمنية قد أصبحت قدرا لا مفر منه لما كنت بعثت تسألني عن الوحدة ولكنت سألتني هذا السؤال بطريقة أفضل ولكان الشعب اليمني وليس القيادة هو الذي يحتفل بالوحدة. لقد استمرت الوحدة الصومالية قرابة ثلاثة عقود ثم حين وجد الشماليون الفرصة لم يترددوا في إلقاء تحية الوداع على إخوانهم الجنوبيين وتأسيس دولتهم الانفصالية التي ورغم عدم الاعتراف الدولي بها أصبحت دولة الأمر الواقع".


وأما عن علاقة الوحدة وبقائها بالنظام الحاكم قال الفقيه "النظام الحاكم للأسف خذل اليمنيين جميعا في الشمال والجنوب. ولم تكن السياسات التي اتبعها خلال العقد الماضي هي السياسات التي كان يفترض تبنيها. هناك أخطاء ارتكبت. ولذلك فاني اشعر بخطر متزايد على الوحدة اليمنية؟ ومع أن بقاء النظام مستقرا وقادرا على الحكم هو بالتأكيد إحدى الضمانات في المرحلة الحالية إلا أن التهديدات المختلفة للوحدة اليمنية يمكن أن تكون اكبر من قدرة النظام على التعامل معها. فالتحولات الدولية والإقليمية التي سمحت بقيام الوحدة اليمنية يمكن أن تعمل في مرحلة تالية على العودة باليمن إلى التمزق من جديد. فالوحدة المصرية السورية سقطت برغم أن النظام الذي حققها كان مازال يسيطر على السلطة.


والوحدة التي تستمر هي الوحدة التي تعبر عن قناعات السكان على الضفتين. أما الوحدة التي يفرضها النظام فغالبا ما تنتهي بانهيار النظام. ويكفي أن نتذكر وضع يوغسلافيا. فرحيل تيتو أدى إلى رحيل الوحدة الوطنية. وأعتقد أن النظام في اليمن بحاجة إلى تبني مجموعة من السياسات التي تعمل على تعزيز الوحدة اليمنية. وأنا أدعو إلى إعطاء الجنوبيين 30 % من جميع المواقع التي يتم التعيين لها بقرارات جمهورية سواء أكانت في الجهاز الدبلوماسي أو العسكري أو المدني أو الأمني وان يتم تخصيص ثلث الوظائف سنويا للجنوبيين وان يتم العمل على إحداث دمج سكاني وثقافي بمختلف الطرق لان مثل هذه السياسات هي الضمانات الحقيقية للوحدة".


وأنكر القيادي في التجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج) قائد صالح حسين أن تكون ثمة وحدة واصفاً الوضع بالاحتلال وقال "لا توجد وحدة أصلا يوجد احتلال النظام يتعامل مع أبناء الجنوب من موقع المنتصر والمهزوم وما كنا نتوقعه كجنوبيين قبل الوحدة هو إن ما يحصل في الجنوب من تطورات ومكاسب ومتغيرات اقتصادية وسياسيه وثقافيه هي على طريق بناء الدولة العربية العصرية والحديثة باعتبار مشروع دولة الجنوب من أهداف الحركة القومية العربية الجنوبيين اليوم ينظرون إلى قضية الجنوب بأنها قضية شعب تم احتلاله واغتصبت أرضه وثرواته وتشرد أبنائه وإن أي حديث عن وحدة من طرف واحد محتل قد ذبحت وألغيت وألغتها حرب 1994م وصدرت بشأن قضية الجنوب قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 924 و 931 فهي قيد التنفيذ".


ويضيف "لهذا نحن بحاجه إلى إن نوجه السؤال لماذا تحول البعض من مناضل وثوري إلى خائن وجاحد للجميل حيث كان المهاجرين اليمنيين في الماضي قبل استقلال الجنوب يأتون من اليمن إلى الجنوب مستعمرة عدن بالتحديد لغرض الهجرة عندما كان الاستعمار البريطاني يحتل الجنوب حينها لم يكن أي يمني في بقية المحافظات الجنوبية إلى إن تشكلت الجبهة القومية كفصلي الحركة القومية العربية في الجنوب العربي في بداية الخمسينات والستينات من القرن الماضي وعندما أعلنت الجبهة القومية الكفاح المسلح لتحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني واخذ الجنوب استقلاله في 30 نوفمبر1967 م وأعلن لأول مرة في التاريخ دخول اسم اليمن على الجنوب العربي وسميت حينها دولة الجنوب الفتية باسم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وبقي كل اليمنيين المقيمين في مستعمرة عدن مواطنين حاصلين على كل الحقوق والامتيازات في المواطنة وهذا الحق أصبح مكفول شرعا وقانونا إلى إن ذلك الحق قد تأثر برياح الحركة القومية العربية وتواصل توافد المناضلين من اليمن إلى عدن بعد الانقلاب على الإمام اليمني في 1963م ونزولهم كمناضلين شاردين من بطش النظام الشمالي إلى الجنوب بصفة ثوار من اجل الوحدة بين البلدين وكان نظام صنعاء يتهمهم بأنهم متمردين ومرتزقة وخونه للوطن علي الدولة اليمنية بينما نظام الجنوب يعتبر حمايتهم وتقديم لهم العون في الجنوب حاصلين على كل الامتيازات غير العنصرية وقد تحصلوا على حقوق المواطنين ومناصب رفيعة وشاركوا في الحكم وضحوا بأرواحهم متطلعين للوحدة معتبرين ما يحصل في الجنوب من تطورات ومكاسب ومتغيرات اقتصادية وسياسية وثقافية هي على طريق بناء الدولة العربية الواحدة العصرية و الحديثة باعتبار مشروع دولة الجنوب من أهداف الحركة القومية العربية إلا إنهم أول من غدر تلك المبادئ وخانوا الجنوب وغدروا بمن أكرمهم ورعاهم رعاية طيبة".


ولا يتوقع قائد حسين استمرارية الوحدة ويقول "على عبدا لله صالح أعلن الحرب يوم 27 ابريل 1994م من ميدان السبعين بصنعاء وشرد أبنائه فالوحدة من طرف واحد بنتائج حرب انتهت على عبدا لله صالح اخذ القرار لنفسه بإلغاء وثيقة العهد والاتفاق وحول الأمر من قضية شعب بكامله إلى قضية شخصية، منفردا بالوحدة السلمية وحولها إلى وحدة الإلحاق والضم بنتائج حرب 1994م، متجاهل قرارات مجلس الأمن رقم 924 و 931 لعام 1994م ومناشدة دول الجوار على عبدا لله صالح لم يبن دولة لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في رأسه أي مشروع لبناء دوله وهو في الحكم أكثر من 28 سنه وهو رئيس الفساد والبطش والهيمنة وإقصاء الآخر يقود نظام يعيش على الحروب وسفك الدماء نظام يعيش على سياسة فرق تسد نظام الهمجية والبلطجة نظام حماته هم مرتكبي جرائم الفساد في كل أجهزة الدولة المختلفة وهذا النظام أصبح يحمي الإرهاب ويستقله لتخويف دول الجوار والعالم حيث يباع السلاح في الأسواق اليمنية بشكل طبيعي ومن الدلائل الواضحة التي تحدد الشكوك بعلاقة تربط تنظيم القاعدة بمراكز نفوذ يمنية لأن هذا نظام يقوم على حماية الإرهاب المنظم و هروب سجناء القاعدة وعددهم 23متهم من سجن الأمن المركزي بصنعاء أكبر دليل في حفر نفق الهاربين بطول 70 مترا تحت الأرض".


وعبرت الأكاديمية اليمنية إلهام مانع لـ"آفاق" عن مشاعرها إزاء الوحدة وقالت "إذا كان هناك شيء أؤمن به فهو الوحدة اليمنية. وإحساسي بها يوم تحقيقها كان كإحساس الجماهير اليمنية التي خرجت إلى الشوارع فرحة، وتلك من الجانبين التي تعانقت على الحدود الفاصلة آنذاك بين الشطرين . كنت فرحة، متفائلة، أشعر أن الوطن بدأ يولد من جديد، وأن المستقبل لنا، نحن أبناء وبنات الوطن" .


وقالت مانع "الوحدة مكسب تاريخي سيكون من المؤلم التفريط فيها تحت أي دعوى أو مسمى من المسميات. رغم ذلك، فإنه من المهم بمكان عدم الاستهتار بمطالب سكان المناطق الجنوبية، والاستماع إلى شكواهم. على سبيل المثال، خلال الزيارة الميدانية التي قمت بها إلى اليمن في سبتمبر من العام الماضي، والتي شملت عدن، لاحظت أن الكثيرين ممن حاورتهم يشعرون بأن هناك "هيمنة شمالية" على شؤونهم. مثل هذه الهمسات يجب أخذها بجدية وعلاجها، وعدم التعامل معها على أنها أصوات ناشزة، لاسيما وأن تركها هكذا تتخمر قد يؤدي ما لا يحمد عقباه.


وعن علاقة الوحدة بالنظام الحاكم قالت مانع "أنت تدري بالتأكيد أن الحرب الأهلية لعام 1994 تركت بصماتها على الوحدة اليمنية. ما أتمناه هو أن يدرك النظام الحاكم أن هذه الوحدة علامة فاصلة في تاريخ اليمن، وأنها إنجاز يشهد له ولمن شاركه فيها، وأن التفريط بها هو تفريط بالوطن في حد ذاته. المشكلة التي تواجه الوحدة هي نفسها مشكلة اليمن، وهو الإحساس المتعاظم في المحافظات الشمالية والجنوبية على حد سواء أن السلطة والامتيازات المرتبطة بها أصبحت حكراً على فئة واحدة من نخبة سياسية ينخرها الفساد، وأن نفوذ القوى الأمنية في تعاظم وبصورة انعكست سلباً على تجربة اليمن الديمقراطية. بقاء النخبة الحاكمة من عدمه ليس المفصل، بل السياسات التي تنتهجها هذه النخبة هي التي ستحدد مصير اليمن ككل".


من جانبه أعرب الأكاديمي والناشط السياسي والحقوقي الدكتور محمد النعماني عن أسفه على الوحدة اليوم وقال "من المحزن أن تأتي احتفالات الوحدة وكل مناطق اليمن تشهد العديد من التداعيات و الحرب في صعدة والاعتصامات وتفجر الوضع في الجنوب واتساع صوت المعارضين لما يجري للجنوب من نهب للثروة بل للحياة الكريمة المستقرة لكل إنسان اليوم تأتي الاحتفالات والمضايقات والانتهاكات مستمرة بحق المطالبين بإصلاح مسارها والمطالبين بتقرير المصير، فأي مشاعر يمكن الحديث عنها في ظل ما يجري ويحصل من تعسف وترهيب ضدنا كجنوبيين".


وأضاف النعماني "اليوم لا يمكن أن تفرض الوحدة علي الشعب بالقوة العسكرية وخاصة بعد الحرب في سبعة سبعة 1994 التي اجتاحت القوات الشمالية فيه الجنوب وأبعدت الشريك معها، وسميت الوحدة من ذلك الوقت الوحدة المعمدة بالدم، إقصاء الشركاء من المشاركة في إصلاح مسارها وإعادة التصحيح لمسارها وإعادة الاعتبار للوحدة الذي يمكن القول أنها بعد 17 تجلت في الفساد والفقر والبطالة والظلم والتعسف والترهيب لكل أبناء اليمن فكيف يمكن أن يكون ذلك قدر لنا .. باعتقادي كفي المزايدات علينا بأن الوحدة قدرنا الوحدة يمكن أن يطلق عليها تجربة لم يكتب لها النجاح بسب سياسية إقصاء شركاء الوحدة من المشاركة في الحياة السياسية وتآمر النظام مع القوي القبلية والجهادية الإسلامية عليهم وشن الحرب عليهم في صيف 1994 ووصولنا اليوم إلي المأزق الذي لاشك ستكون نهايته حق تقرير المصير للجنوبيين".


ورأى النعماني أن النظام الحاكم في اليمن فشل في الحفاظ على الوحدة وقال " للأسف النظام فشل في الحفاظ علي الوحدة بل خلق روح الانفصال لدى كل مواطن في الجنوب، وقد حولها النظام إلي سلاح ذو حدين في مواجهات المعارضين لها وفي الحافظ علي بقائه في الحكم تحت شعار الحفاظ عليها والشيء المؤسف أن يصدق البعض النظام في تلك الادعاءات واليوم ينهب كل شي ويشن الحرب في كل مكان تحت شعار الحفاظ على الوحدة فأي وحدة يمكن الحديث عنها اليوم بعد أن شعر أبناء الجنوب إنهم في وضع احتلال همجي يراد به الأرض بدون البشر وإنهاء الهوية والطابع الجنوبي للبشر، إننا نتعامل مع احتلال بكل معنى الكلمة من أصناف التتار وهولاكو وقرون الوسط وماقبل الإسلام".


أما القيادي في التيار اليمني الحر (ليبرالي) الدكتور نبيل الحاشدي فقال "قامت الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب في اليمن لم تكن ذات رؤية استراتيجية قومية وشعبية إنما كانت برؤية برغماتية، بين أفراد وجماعة سياسية اتضح بعده حرب 94 م تنازعهم واختلافهم على المصالح وأخذ المكاسب، وبالتالي فالوحدة كانت مطلب شعبي على أساس وحدة بالتكافؤ والسلم وتقبل الآخر لا بقتل وإلغاء الآخر.


وعن استمرارية الوحدة وقدريتها قال الحاشدي "ما ساعد نظام صنعاء في الاستمرار هو الكثافة السكانية للشماليين في أحقية الرئاسة وإلخ... فعدد سكان الشمال كان 14 مليون نسمة والجنوب 4 مليون نسمة ، وبالتالي ذاب أبناء الجنوب في الكثافة السكانية الشمالية، إضافة إلى سياسة التهميش والإلغاء من قبل النظام الحاكم. واعتقد إذا صح التعبير القول بالوحدة اليمنية إنها حالة وستزول وهناك حالات مماثلة في التاريخ الحديث والمعاصر".


وختتم الحاشدي حديثه بقوله "أعتقد إن تذمر أبناء الجنوب من ممارسات نظام صنعاء وتعامل المواطنين الشماليين مع الجنوبيين قد تبلور في الخارج والداخل إضافة إلى الاحتقان بداخل اليمن ومن الشماليين بالذات، مما يساعد الجنوبيين في استرجاع وطنهم المغتصب".


من ناحيته رأى الطبيب محمد المنصوب أن "الوحدة اليمنية هي قدر الشعب اليمني وبرأيي لا يمكن إطلاق كلمة تجربة عليها لأنها ليست بالشيء الجديد حتى نطلق عليه صفة التجربة بل هي مصير محتوم لليمن وبدونها لن ترى اليمن للنهضة والعزة طريقا ً.


وأضاف "الخوف الآن ليس على الوحدة والتشطير الشمالي الجنوبي السابق بل الخوف على تشطير من نوع جديد طائفي مناطقي كما يحدث الآن في صعدة".


وقال المنصوب "علاقة أي نظام حاكم بالوحدة عبارة عن عامل مساعد لا غير، كون العامل الرئيسي الأول لاستقرار وثبات الوحدة هو الشعب صاحب القرار".