حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
إجابة الشيخ خالد الرفاعي - مراجعة الشيخ سعد الحميد

لحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالوهابية لقب أطلق على الحركة الإسلامية التي تزعمها الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وهو لقب لم يطلقه على نفسه، ولا أطلقه عليه أحد أتباعه، وإنما جاء من قِبَل خصومه وأعدائه، والشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - أحد العلماء المجددين، والقادة المصلحين، شهد له العلماء المنصفون بالعلم والديانة والاستقامة، بل عده كثير منهم مجدد القرن الثاني عشر الهجري، وفي ذلك يقول الشيخ محمد رشيد رضا: "كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - مجدداً للإسلام في بلاد نجد، بإرجاع أهله عن الشرك والبدع التي فشت فيهم إلى التوحيد والسنة"، وقال: "ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - وترك البدع والمعاصي، وإقامة شعائر الإسلام المتروكة، وعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة".
ومن عرف حال نجد والجزيرة، قبل انتشار دعوة الشيخ من انتشار البدع والخرافات وأنواع الجهالات، أدرك ما لهذه الدعوة من الآثار الحميدة، والخصال الفاضلة، والدور العظيم في إحياء السنة، وإماتة البدعة.

وقال علامة الشام الشيخ محمد بهجة البيطار في كتابه "حياة شيخ الإسلام ابن تيمية": "ليس للوهابية ولا للإمام محمد بن عبد الوهاب مذهب خاص، ولكنه - رحمه الله - كان مجدداً لدعوة الإسلام، ومتبعاً لمذهب أحمد بن محمد بن حنبل".

وقال الشوكاني - رحمه الله - في كتابه "البدر الطالع" بمحاسن من بعد القرن السابع: "وفي سنة 1215هـ وصل من صاحب نجد المذكور مجلدان لطيفان أرسل بهما إليّ حضرة مولانا الإمام حفظه الله، أحدهما يشتمل على رسائل لمحمد بن عبد الوهاب كلها في الإرشاد إلى إخلاص التوحيد، والتنفير من الشرك الذي يفعله المعتقدون في القبور، وهي رسائل جيدة مشحونة بأدلة الكتاب والسنة".
وللشوكاني قصيدة بليغة مؤثرة، في رثاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أكثر من مائة بيت ومنها:

(محمدٌ) ذو المجد الذي عزَّ دَركُهُ وجل مقاماً عن لحوقه المُطَاوِلِ
إلى (عبد الوهاب) يُعزَى وَإِنَّه سُلالة أَنجَاب زكيُّ الخَصَائِلِ
ومنها:
لقد أَشرَقَت نَجْدُ بنُورِ خِبَائِهِ وَقَامَ مَقَامَاتِ الهُدَى بِالدَّلاَئِلِ

وممن أثنى عليه علاَّمة الهند المحدث محمد بشير السهسواني، في كتابه: "صيانة الإنسان عن وسوسه الشيخ دحلان"، وفيه: "والشيخ رحمه الله لا يعرف له قول انفرد به عن سائر الأمة، ولا عن أهل السنة والجماعة منهم، وجميع أقواله في هذا الباب، أعني ما دعا إليه من توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العمل والعبادات مُجمَع عليه عند المسلمين، لا يخالف فيه إلا من خرج عن سبيلهم وعدل عن مناهجهم، كالجهمية والمعتزلة، وغلاة عباد القبور، بل قوله مما اجتمعت عليه الرسل، واتفقت عليه الكتب، كما يعلم ذلك بالضرورة من عرف ما جاء به وتصور".

وممن أثنى على أحفاد الشيخ وأتباعه العلامة الجبرتي المؤرخ المصري المشهور في كتابه: "عجائب الآثار"، وكذلك العلامة نعمان خير الدين الأموي، والعلامة محمود شكري الألوسي والأمير شكيب أرسلان، وغيرهم من أهل الإنصاف الذين طالعوا كتب الشيخ، وكتب أبنائه وأحفاده.

قال العلامة عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في كتاب "الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته" : "إنما قام لإظهار دين الله، وإرشاد الناس إلى توحيد الله، وإنكار ما أدخل الناس فيه من البدع والخرافات، وقام أيضاً لإلزام الناس بالحق، وزجرهم عن الباطل، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، هذه خلاصة دعوته، رحمة الله تعالى عليه.

وهو في العقيدة على طريقة السَّلَف الصالح يؤمن بالله وبأسمائه، وصفاته، ويؤمن بملائكته، ورسله وكتبه، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وهو على طريقة أئمة الإسلام في توحيد الله، وإخلاص العبادة له جل وعلا.

وفي الإيمان بأسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بالله سبحانه، لا يُعطِّل صفات الله، ولا يشبه الله بخلقه. وفي الإيمان بالبعث، والنشور، والجزاء والحساب، والجنة والنار، وغير ذلك. ويقول في الإيمان ما قاله السلف إنه قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، كل هذا من عقيدته - رحمه الله - فهو على طريقتهم وعلى عقيدتهم قولاً وعملاً، لم يخرج عن طريقتهم البتة، وليس له في ذلك مذهب خاص، ولا طريقة خاصة، بل هو على طريق السلف الصالح من الصحابة وأتباعهم بإحسان، رضي الله عن الجميع وإنما أظهر ذلك في نجد، وما حولها ودعا إلى ذلك ثم جاهد عليه من أباه، وعانده، وقاتلهم، حتى ظهر دين الله وانتصر الحق.

وكذلك هو على ما عليه المسلمون من الدعوة إلى الله، وإنكار الباطل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ولكن الشيخ وأنصاره يدعون الناس إلى الحق، ويلزمونهم به، وينهونهم عن الباطل، وينكرونه عليهم، ويزجرونهم عنه حتى يتركوه، وكذلك جد في إنكار البدع والخرافات حتى أزالها الله سبحانه بسبب دعوته؛ فالأسباب الثلاثة المتقدمة آنفاً هي أسباب العداوة، والنزاع بينه وبين الناس وهي:
أولاً: إنكار الشرك والدعوة إلى التوحيد الخالص.
ثانياً: إنكار البدع، والخرافات، كالبناء على القبور واتخاذها مساجد ونحو ذلك كالموالد والطرق التي أحدثتها طوائف المتصوفة.
ثالثاً: أنه يأمر الناس بالمعروف، ويلزمهم به بالقوة، فمن أبى المعروف الذي أوجبه الله عليه، ألزم به وعزر عليه إذا تركه، وينهى الناس عن المنكرات، ويزجرهم عنها، ويقيم حدودها، ويلزم الناس بالحق، ويزجرهم عن الباطل، وبذلك ظهر الحق، وانتشر، وكبت الباطل، وانقمع، وصار الناس في سيرة حسنة، ومنهج قويم في أسواقهم، وفي مساجدهم، في سائر أحوالهم، لا تعرف البدع بينهم ولا يوجد في بلادهم الشرك، ولا تظهر المنكرات بينهم، بل من شاهد بلادهم وشاهد أحوالهم وما هم عليه ذكر حال السلف الصالح وما كانوا عليه زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزمن أصحابه، وزمن أتباعه بإحسان في القرون المفضلة رحمة الله عليهم؛ فالقوم ساروا سيرتهم، ونهجوا منهجهم، وصبروا على ذلك".

وبهذا العرض الموجز يتبين أن العقيدة الوهابية هي نفس عقيدة السلف الصالح؛ فَنَهَلَت من المنبع الصافي واتَّبعت الأئمة، كأحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة وسفيان والليث والأوزاعي ومن في طبقتهم، وكشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن رجب ومن بعدهم؛ فنشروا السُنَّة وحاربوا البدعة.
ولكن لمّا كانت الدعوة إلى الحق لا توافق أهواء أكثر الناس، ولهذا ينصبون لها العداء، قال الله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]، وقال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]، وقال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذريات:52].
وفي صحيح البخاري أن ورقة بن نوفل قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عُودِي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزَّراً،، والله أعلم.