قال لي صديقي عندما رآني قد أطلت صمتي : " قول أي حاجة الكلام ببلاش "
استوقفتني تلك الجملة وقلت لنفسي وأنا متابعٌ في صمتي : هل انحطت قيمة الحديث والحوار إلى هذه الدرجة ؟ .. وأليس الكلام واللسان هي النعمة الإلـهية الأولى التي حباها الله سبحانه وتعالى الانسان وميزه بها عن سائر الحيوان ؟
فكيف لنا أن نثرثر وننثر الكلام هنا وهناك دون جودة ولا حسبان فنحط من قيمة اللسان ونخسر الميزان .
لكني عندما فكرت وفكرت ملياً في الأمر عذرت صديقي وقد يكون معه حق في ما يقول ... فانظر إلى هذا الزمان فأطنان الكلام وملايين الكلمات التي تنهمر فوق رؤوسنا انهماراً وعلى عقولنا ليلاً ونهاراً من جرائدٍ وتلفزيوناتٍ وجلساتٍ فارغة كل ذلك الكم الهائل جعل العرض أكثر من الطلب فانحطت وسقطت قيمة الكلام حتى أصبح بالمجان .
لقد صرنا جميعاً أساتذة وجهابذة في الكلام والحوار .
فهذا طبيب نفسي بعد أن قدموه في إحدى المحطات التلفزيونية بأنه صاحب وصفة النجاح والسعادة جاء بكل ثقة وابتسم لنا قائلاً : اصعد في السلم ولا ترجع إلى الخلف قم ولا تجلس اضحك ولا تبكي وبعد هذا الكلام الفاضي صار زبوناً دائماً في كل المحطات .
وهذه عجوز أخرى تدعي أنها تفهم في الأبراج وتعلم ما تخفيه الأيام ولو كانت تفهم لكانت قد عرفت بأن الأبراج مجرد كلام فاضي ليس له أساس وعلم الغيب لا يعلمه بشر وإنما ثرثرة ليس لها راس ولا قدمان ... فتتلقى تلك العجوز اتصالاً من أحد المشاهدين وهي على التفاز جالسة وعلى وجهها الورع والتقوى فيكلمها : أنا من برج الثور ماذا افعل وماسيحصل لي في المستقبل ... فترد بكل ثقة : حاولي أن تهدئي من أعصابك وقللي من أكل السمن والسمين وأكثري من أكل الخبز والعجين وسوف يكون لكِ مستقبل زاهر ...
ويأتينا خبير في الطبخ والطهي فيتحدث ويشرح ساعة كاملة لنكتشف في نهاية الأمر بأن الطبخة مجرد بيض عيون عليه خضار مقطع على شكل زهور ....
وأما أمتع الكلام وأكثره انتشاراً وتشويقاً هو ذلك الكلام الذي يمس الآخرين وجميعنا مغرمون بتعقب أخطاء غيرنا فننم على هذا ونغتاب ذاك ...
لا شك أخوتي أخواتي الأعزاء أننا صرنا نهين الكلام ونحط من قدره
فكيف لنا أن نقول بأننا نشكر نعمة الله علينا
ماذا أفعل يا إلــهي ... أريد كلاماً جميلاً مليئاً بالمعاني ... أين يبيعون هذا الكلام ؟
أو إنني سأستمر في صمتي فالصمت أبلغ من الكلام أحياناً .
ولكم خالص الود والتقدير .
Bookmarks