لماذا رفض الرسول أن يكون ملكاً لمكة ؟
حوارات عمرو خالد " لكل الناس "
حوار أجراه أ. عصام الغازي مع الأستاذ عمرو خالد لمجلة كل الناس بتاريخ 19/7/2006
لم يزدهم الإيذاء إلا صلابة .. هكذا كان حال المسلمين الأوائل و ضرب الرسول (صلى الله عليه و سلم )المثل الأعلى في القيادة حين اعتمد على المعادلة الصعبة : التحدي والإصرار.. وقلب لا يعرف القسوة ,و أخذ المشركون طريق (المفاوضات) لكن بقي (الحق) هو الهدف و ظل بثبات الجميع على العقيدة شامخا فشلت المساومات و الإغراءات و رفض الرسول (صلى الله عليه و سلم) كل أموال قريش أو حتى أن يصبح ملكاً على القبيلة.
الداعية عمرو خالد ..يكشف أسرار مفاوضات قريش مع النبي (صلى الله عليه و سلم )و لماذا رفضها الرسول بدون تردد ..
مفاوضات ثلاثية !
يقول عمرو خالد :
قررت قريش إجراء مفاوضات في عدة اتجاهات مع أبي طالب عم النبي (صلى الله عليه وسلم ) و سيد بني هاشم , و مع النبي نفسه .هذه المفاوضات ارتكزت على الإغراءات و المساومات .
عرضوا رشوته بالمال , و عرضوا حلاً وسطاً أن يعبدو إلهه يوماً و أن يعبد آلهتهم يوماً . اختبر الله الصحابة بكل أنواع الفتن , فثبتوا و صمدوا و نجحوا .
لم تكن قريش تملك الثروة التي تغري بها أحداً , لكن لها مصالح تعتبرها مصدر الجاه لها بين القبائل . وكانت في المفاوضات هي الطرف القوي المفلس بينما المسلمون هم الطرف الضعيف الغني بفكرته و إيمانه.
ذهبت قريش للتفاوض مع أبي طالب , و قالوا له :إما أن تجعل ابن أخيك يكف عن دعوته أو تسلمه لنا و تتخلى عنه .
فعلوا ذلك ثلاث مرات :
في المرة الأولى ذهب إلى أبي طالب وفد يضم أبا جهل و أبا سفيان و عقبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و الوليد بن المغيرة و العاص بن الوائل , قالوا له : يا أبا طالب كف عنّا ابن أخيك ,إن ابن أخيك قد سب آلهتنا و عادى ديننا , فإما أن تكفه عنّا أو تخلّي بيننا و بينه . حاول أبو طالب تهدئتهم , و انصرفوا ثم عادوا إليه في الجولة الثانية من المفاوضات قالوا له: يا أبا طالب جئناك بعمارة بن الوليد بن المغيرة هذا الفتى أفضل فتيان قريش نسباً و جمالاً و عقلاً , خذه فاتخذه ولداً لك و سلم إلينا ابن أخيك الذي عادى دينك و دين أبيك عبد المطلب لنقتله .
فقال و الله ما أنصفتموني , تعطونني ابنكم لأربيه لكم , و أعطيكم ابني لتقتلوه ؟ والله لا يكون هذا أبداً فافعلوا ما شئتم .
تهديد أبي طالب
لم تنجح جولة المفاوضات الثانية , فبدأوا الجولة الثالثة ذهبوا إلى أبي طالب و قالوا له و الشر في عيونهم يا أبا طالب إن لك شرفاً و سناً و إن ابن أخيك مازال يؤذينا و إنا لن نصبر بعد اليوم أبداً , فإما أن تكفه عنّا أو لنحاربنك و نحاربه حتى يهلك طرف منّا , ثم تركوه وغادروا المكان .
كانت المرة الأولى التي يتجرأ فيها أحد على بني هاشم و بني عبد المطلب و تراءى لأبي طالب تاريخ عائلته فأبوه عبد المطلب هو الذي حفر زمزم , و جده قصي بن كلاب هو الذي جمع قريش , و أبوه عبد المطلب هو الذي تصدى لأبرهة الحبشي .
قوة الحق
و نادى أبو طالب ابنه عقيل و قال له : أرسل في طلب محمد يأتيني و جاء النبي (صلى الله عليه و سلم ) فحكى له عمه ما جرى بينه و بين وفد قريش التفاوضي , ثم قال له : يا ابن أخي ابق على نفسك و علي و لا تحملني من الأمر ما لا أطيق .. فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم ) : والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أموت في سبيله .
هذه هي قوة الحق
سكت النبي بعد ذلك ثم بكى ..
هكذا جمع النبي في لحظة واحدة بين التحدي و الإصرار و الرقة الشديدة هناك شباب متدين يملك التحدي و الإصرار لدرجة شديدة , فلا يعرف معنى الرحمة في صلة الرحم و مع الأصدقاء , و شباب آخر في منتهى الرقة و الحنان لكنه في وقت الشدة لا يستطيع أن يصمد .
غادر النبي (صلى الله عليه وسلم ) منزل عمه , و ظل أبو طالب يفكر , ثم نادى ابنه , يا عقيل رد إلي محمداً , فعاد إليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له أبو طالب : يا ابن أخي اذهب فقل ما شئت و أنا معك و لن أتركك أبداً ,أعاد له النبي الثقة و الأمل , فقال شعراً انتشر في مكة يشرح فيه موقفه من قريش يقول أبو طالب :
"والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ليس عليك غضاضة
و أبشر وقر بذاك منك عيونا"
موقف أبو طالب هذا يجعلنا نقول كلمة للكبار في أمتنا : يا كبار العائلات و الأمة نحن بحاجة إلى رجال مثل أبو طالب هو حقاً لم يسلم , لكن الرجولة عنده كانت في ذروتها , نحن بحاجة إلى نوعية أبي طالب .
كانت عائلة النبي (صلى الله عليه وسلم ) بها ثلاث رجال كبار :العباس و أبو لهب وأبو طالب,
العباس ... لم يكن مع أو ضد
أبو لهب ... ضد الإسلام بشدة
أبو طالب ... مع النبي و إن لم يدخل في الإسلام ..
وجها ..لوجه
انتهت المفاوضات بين قريش و أبي طالب دون نتيجة .. و لذلك قررت قريش أن تتفاوض مع النبي مباشرة اختار السبعة الكبار من قريش عتبه بن الربيعة لإرساله إلى النبي (صلى الله عليه و سلم ) و هو رجل تجاوز الثمانين من العمر و له مكانته , فذهب إلى النبي عند الكعبة في وقت الغروب , و يقول للنبي : يا ابن أخي إنك منّا حيث علمت , من العشيرة و النسب , و إنك جئت قومك بأمر عظيم , لم يحدث من قبل , فرّقت به شملنا و فرّقت بين الرجل و ابنه , و إني عارض عليك أموراً فانظر فيها لعلك تقبل بعضها .
إن كنت تريد بما جئت به مالاً , جمعنا لك من أموالنا , حتى تصبح أكثرنا مالاً , و إن كنت تريد بما جئت به جاهاً , سودناك علينا فلا نقطع أمراً دون أن نستشيرك و إن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا فتصير ملك مكة , و إن كان هذا الذي يحدث لك شيئاً من الجن طلبنا لك الطب و نذرنا فيه أموالنا حتى تشفى وإن كنت تريد أن تتزوج امرأة جميلة زوّجناك أجمل فتيات قريش .
النبي يرفض الرشوة
هذا الرجل جاء يعرض رشوة على النبي , قال له النبي قبل أن يبدأ كلامه قل لي يا أبا الوليد اسمع .. ولم يكن قد قاطعه خلال حديثه و لا مرة .. و بعد أن انتهى من كلامه قال له النبي :أفرغت يا أبا الوليد ؟ قال نعم ...قال فهل تسمع مني ؟ قال نعم .. قرأ عليه النبي سورة (فصلت):[حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون .بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون . و قالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر و من بيننا و بينك حجاب فاعمل إتنا عاملون ] حتى وصل إلى آيات :
[قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين و تجعلون له أندادا ذلك رب العالمين .و جعل فيها رواسي من فوقها و بارك فيها و قدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسآئلين . ثم استوى إلى السماء و هي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين .فقضاهن سبع سماوات في يومين و أوحى في كل سمآء أمرها و زينا السمآء الدنيا بمصابيح و حفظا ذلك تقدير العزيز العليم ] .. إلى أن قال :[ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد و ثمود ] فقفز الوليد ووضع يده على فم النبي و قال له : ناشدتك بالرحم أن تسكت .
الرعب من وعيد القرآن
خاف الوليد أن تنزل الصاعقة عليه و على قومه , ثم عاد إلى قريش , و حين رآه أبو سفيان عن بعد .. قال : لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به . و سألته قريش : ما وراءك يا وليد ؟ قال : ورائي ؟ .. ورائي إني سمعت كلاماً لم أسمع مثله قط , و الله ما هو الشعر و لاالسحر , و الله إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة و إن أعلاه لمثمر و إنه ليعلو و لا يعلى عليه يا معشر قريش أطيعوني اليوم ثم اعصوني بعد ذلك , خلوا بين الرجل و بين ما يريد .. فوالله إن له لأمر عظيم , و إنكم إن تركتموه فإن تخلصت منه العرب تخلصتم منه , و إن انتصر على العرب فملكه ملككم و عزه عزكم .قالوا سحرك و الله يا أبا الوليد .. قال هذا رأيي .
الغاية لا تبرر الوسيلة
و هنا سؤال يتبادر إلى الذهن : لماذا لم يوافق النبي (صلى الله عليه و سلم ) على العرض السخي الذي تقدمت به قريش فيأخذ الملك ثم يفرض على قريش ما يريد , و يطلب إلى الصحابة أن يديروا شئون مكة ؟
سياسة النبي نظيفة ... نحن لو جئنا بعد ذلك ما كنّا نرضى لنبينا أن ينتصر بهذه الطريقة , هذه طريقة ملتوية لا تصلح للنهج النظيف للنبي ,و هذا مفهوم للسياسة غائب اليوم عن العالم .
ولو أن النبي قد وافق و حصل على الملك , و الناس لم تستوعب فكرته بعد ,لكان قد أجبرهم على الفكرة , و لصار بهذا ديكتاتوراً , و لأصبحت مقولة : " لا إكراه في الدين " مقولة غير موجودة .
و الإسلام كما عرفناه دين حرية لهذا رفض الملك بهذه الطريقة الخاطئة .
كذلك لم يكن الصحابة قد تأهلوا لإدارة شئون الحكم .
و قرر زعماء قريش السبعة الذهاب إلى النبي لجولة جديدة من التفاوض .
www.amrkhaled.net
--------------------
هذا هو رابط الاستاذ عمرو خالد لدروسه المترجمة الى عديد من الللغات فارجو المساعدة في نشره عبر المنتديات
http://www.amrkhaled.net/acategories/categories24.html
اللهم استرنا فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض عليك
http://www.2dab.com/vb/forumdisplay.php?f=9
Bookmarks