كل برود وانسيابية غريبة يعود مستوى النظافة في أمانة العاصمة إلى الوراء ولم يبق إلا أن يرتفع صفير بذلك على غرار تركيبة صوتية قديمة كانت تضاف في بعض السيارات ينطلق صوتها عند عودة السيارة إلى الخلف (انتبه السيارة تعود إلى الوراء) وتبدو أعمال النظافة هذه الأيام ومنذ فترة غير قصيرة كمن يصعد درجة وينزل درجتين.. تتقدم خطوة وتتراجع اثنتين.
* كثيرون يتمنون وأنا منهم أن يكون ذلك مجرد توعك، فكل شيء قابل للصعود والهبوط مثل أسهم البورصات وأمزجة البشر.. لكن التوعك طال وظهرت أعراض عديدة تدل على أن السيرة الهلالية لأنشطة النظافة طوال خمس إلى ست سنوات ماضية دخلت طور الانحسار وصارت كواكب المشتري وزحل والمريخ تتحكم في حظوظها وفي درجة هبوب الرياح الناشطة أو الخافتة والصاعدة من صندوق النظافة الذي لا يعاني وفقاً لما نعلم أي حالة عسر تمويلي لأن أمواله تأتي آلياً من جيوب المواطنين وبأسلوب الغُرم الذي تنفذه فاتورة الكهرباء صاحبة السيادة والفخامة كما تصل أموال الصندوق من حنفيات أخرى ساهمت جميعها عند البدايات في انطلاقة قوية ساعدتها سفلتة معظم الشوارع التي قضت على المشاكل الناجمة من بقاء الشارع ترابياً.
الوضع الذي آلت إليه النظافة لا تنظرونه في الشوارع الشهيرة وإن كان بعضها يعايشه.. إذهبوا إلى الشوارع الداخلية في الأحياء واذهبوا إلى الأحياء الأقل درجة في النموذجية وهناك ستشاهدون ما أتحدث عنه وما يشكو منه كثيرون.. أشياء كثيرة تتطاير ومخلفات تستكين فوق الأرصفة، ورياح إذا هبت نثرت، وأناس يعبثون وسط تلك المخلفات..
وإذا كان ولابد من عدم الاعتراف بوضع الشوارع الداخلية فعودوا إلى الشوارع الرئيسية وقفوا ببعض تقاطعاتها وتمعنوا فيما تشاهدونه يومياً بشكل عابر.. عمال نظافة يستجدون الناس لأن الراتب لا يكفيهم أو لأنهم لا يعملون أو لأنهم لا يعلمون ماذا يعملون.. وهؤلاء مناظرهم وللأسف الشديد توحي بشيء واحد.. هو أن العنصر البشري آخر شيء يهتم به صندوق النظافة وما ينطبق على هذا العنصر يسحب نفسه بكل توده نحو العمل الذي يؤديه..
بجانب ذلك تغيب براميل القمامة بشكل غريب وملفت وبقدر ما تتحدث النشرات التوعوية البيئية عن أهمية وجود (سلال) للقمامة أم المحلات بل ويعاقب المخالف على غيابها وبقدر اللوحات الإعلانية التي تحث على عدم رمي المخلفات إلا في براميل وبقدر ما نشر صندوق النظافة من سلال مثبتة على أرصفة بعض الشوارع ولم يتواصل المشروع وكأنه كان بغرض "المنظرة" لاغير.. بقدر ذلك كله تغيب البراميل التي يفترض بها استيعاب مخرجات الناس من القمائم من البيوت خصوصاً وأن انتظام الناس في إخراج القمامة في موعد حضور "القلاب" الناقل لها وهو بالمناسبة ناقل لا تظهر عليه علامات النظافة أمر ثبت فشله تماماً، والبرميل يحل مشاكل عديدة أبرزها تطاير الروائح والذباب صيفاً وما جاورهما من الهوام..
ومن عبقرية النظافة (الصندوق) أن الأزقة الصغيرة مرفوع عنها وصول عمال النظافة بالكنس والتنظيف رغم أن ساكني هذه الشوارع الصغيرة مواطنون في الجمهورية اليمنية ويدفعون رسوم النظافة ومن حقهم الحصول على هذه الخدمة إذا كانت متوفرة برسوم أو بدون رسوم.
ومن العبقريات الأخرى أيضاً استئجار أراضٍ تستخدم كمساحة تجميعية للقمامة - مقلب يعني- مؤقتة ولكن في مواقع قريبة جداً من الأحياء السكنية وهذا يشوبه الكثير من الأضرار الصحية والبيئية خاصة عند الحرق..
الخلاصة.. النظافة كانت قضية في أمانة العاصمة ولا أحد فرح بعودتها إلى السطح من جديد ولكن هبوط مستواها يحتاج إلى التفاتة قوية من قيادة الأمانة ومجلسها المحلي.. وإنا لمنتظرون، وصفعة على الوجه صادقة خير من ألف قبلة كاذبة.