ان كانت هناك رياضات تتميز بقدمها من بين الرياضات، فإن الملاكمة يمكن لها أن تعتبر نفسها من الأوائل، فالآثار الأولى للملاكمة تعود إلى عهد الفراعنة منذ ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، ثم تم إدماجها في برنامج الألعاب الأولمبية القديمة وقتها كانت أيادي الملاكمين تُغطى بقطع جلدية فيما لا تنتهي المباريات إلا بانسحاب أحد الملاكمين، وقد أعطى الرومان إلى هذه الرياضة إضافة أساءت لها في الواقع، حيث تم تدعيم القفازات الجلدية بمسامير ودبابيس حديدية لتتحول الملاكمة إلى رياضة قتالية بين المساجين في المسارح الرومانية وتنتهي في غالب الأحيان بموت أحد الملاكمين.
تماماً كما هو الحال بالنسبة لبعض المنافسات الترفيهية الأخرى والتي يتسلى خلالها الرومان بمشاهدة صراع المساجين مع النمور أو الأسود.
وبعد أن تلاشت مع تلاشي الإمبراطورية الرومانية بدأت الملاكمة تعود على الساحة رويداً رويداً في القرن السابع عشر للميلاد، وبدأت المباريات الأولى في الانتظام عام 1880، لكن هذه العودة لم تسمح لها بالدخول في برنامج أول دورة للألعاب الأولمبية الحديثة عام 1896 في أثينا.
وقد شكلت بداية القرن العشرين تحولاً هاماً في تاريخ رياضة الملاكمة، حيث تطورت بشكل مُلفت لترتكز على قوانين وقواعد احترافية ووجدت لها رواجاً خاصة في الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما فتح الباب أمام عودتها إلى حظيرة الألعاب الأولمبية التي انتظمت في سان لويس الأميركية عام 1904، لكن الملاكمة غابت مجدداً في أولمبياد استوكهولم السويدية عام 1912 وذلك بسبب القوانين السويدية التي تمنع ممارسة الملاكمة باعتبارها رياضة خطرة على الصحة، ولم يتسن لرياضة الفن النبيل –كما يسمونها- أن تفرض نفسها بشكل رسمي ونهائي إلا في عام عشرين لتزداد شعبيتها سواء في الولايات المتحدة الأميركية أو في أوروبا.
ومع بعث الاتحاد الدولي للملاكمة للهواة عام 46 تدعمت هذه الرياضة بشكل ملحوظ في مختلف الأوساط، وباتت ملاكمة الهواة بمثابة المخزن الدائم الذي يمول الملاكمة المحترفة، وقد ساهمت أسماء لامعة في انتشار هذه الرياضة، ولعل أبرزها الملاكم الأسطورة محمد علي كلاي، الذي كانت انطلاقته على المستوى العالمي من أولمبياد روما عام 60 قبل أن يكتسح عالم الاحتراف ويقهر أبطاله وفي مقدمتهم عمالقة مثل (ليستون)، ويذكر التاريخ أن (كاسيو سكولاري) الذي اعتنق الإسلام ليصبح محمد علي في بداية الستينات غيَّر وجه الملاكمة في نظر الجميع.
Bookmarks